آلية حدوث عملية الإجترار لدى الحيوانات
1987 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الأول
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
عملية الاجترار البيولوجيا وعلوم الحياة
لعلك تَعَّجَبْتَ يوماً عندما رأيتَ بَقَرَةً أو شاةً ترقدُ في هدوء، وليس أمامَها طعامٌ ولكنَّها مع ذلك تَمْضُغَ في فمها طعاما!
والواقع أن هذه عملية غريبة فيها كثيرٌ من الأمور العجيبة. وهذه العملية تسمى "اجتراراً". والحيوانات التي تقوم بها تسمى "الحيوانات المجترة" أو "المجترات"، وهي كلها من الحيوانات آكلة النبات زوجيةِ الحوافر، كالبقر و الجاموس و الغنمِ و الماعزِ و الظباءِ (ظبي) و الزرافِ و الإبل.
عندما يذهبُ الحيوانُ المُجْتَرُّ إلى المَرْعَى أو يُقَدَّمُ له الطعامُ يأكلُ منه مقداراً كبيراً في وقتٍ قصير ويبتلعُه بسـرعةٍ مع لعابٍ كثير دونَ أن يَمْضُغَه جيداً. ويمر الطعام المبلوع عن طريق المريء إلى المعدة. والمَعِدَة في الحيوانات المجترة لها تركيب خاص إذْ أنها تتكون من أربعة أقسام.
ويُختزن الطعام المبلوعُ في القسم الأول من المعدة، وهو يشبه كيساً كبيراً ويسمى "الكَرش"، وكذلك في القسم الثاني، وهو صغير جدارُه مُقَسَّمُ من الداخل إلى عيون، ولذلك يسمى "الشبكية".
وفي الكَرش والشبكية يلين الطعام ويختلط بملايين من الكائنات الدقيقة التي تعيش فيهما. وهذه الكائناتُ هي من البكتيريا و الحيوانات الأولية (بروتوزوا).
في الطعام النباتي كثير من السِّليولوز، وهو المادة الأساسية في القَشِّ والخشب والأليفات النباتية. والحيواناتُ عامة لا تستطيع هضم السليولوز، فهي لا تستفيد منه إذا أَكَلَتْه.
ولكن الكائنات الدقيقة التي يستضيفها الحيوان المُجْتَرُّ تستطيع تحليلَ السليولوز، فيتحول إلى مواد سكرية، ويَتَخَمَرُ إلى أحماضٍ دُهنية يمتصها جِدَارُ الكرش، فيستفيدُ منها الحيوان ويَسْمَنُ.
وعندَ الظهرية يَرْقُدُ الحيوانُ المجتر، ويَسْتَرْجِعُ ما في كرشه من طعام جزءاً فجزءاً عَبْرَ المريء إلى فَمِه، ليُتِمَّ مضغَه مضغاً جيداً في بطء، ثم يبتلعه ليذهب هذه المرة مباشرة إلى القسميْن الثاني والثالث من المعدة.
وهذان القسمان هما "أمُّ التلافيف" التي تخلط الغذاءَ وتطحنه، و "القلنسوة" وهي التي تشبه مَعِدةَ سائِرِ الحيوانات، ويحدث الهضم فيها بإنزيمات الحيوان، وليس بفعل ضيوفه من الكائنات.
بل إن ما يدخل القلنسوة من هذه الكائنات مع الطعام يموتُ ويهضمُه الحيوانُ ويمتصه، فكأنه أكل بروتيناً حيوانياً تَرَبَّى في كَرِشه، ويَمْضـِي الطعام بعد ذلك من القلنسوة إلى الأمعاء، كالمعتاد.
وهكذا ترى أن الحيوانَ المجتر أفاد من ضُيوفه مَرَّتَيْن، مرة عندما هَضَمْت له السليولوز الذي يعجز عن هضمه فأَمَدَّتْه بمواد سكرية وأحماض دهنية وما تصنعُه من فيتامينات، ومرةً أخرى عندما هَضَمَها هي واستفاد منها موادَّ بروتينية هي قليلة في غذائهِ النباتي.
ولكنَّ الكائنات الدقيقة أيضا مستفيدة، فهي لا تستطيع العيشَ مستقلة، بل إنها تجد في كرش الحيوان الدفء والمأوى والغذاء فتتكاثر وتزداد أعدادُها كثيرا. وهي لا تَخْسـَر إلا ما يذهب منها إلى القلنسوة ويموتُ فيها ويُهضم. فنحن هنا نرى مثالاً بديعاً "لتبادل النفع" بين الكائنات.
لقد فهمنا الآن فائدةً لعملية الاجترار، ولكننا نعتقد أَنَّ فيها سراً آخر. وهو أن آكلات النبات البرية، التي لا يحميها الإنسان، تعيش في خوفٍ دائم من الحيواناتِ المفترسة، كما أنَها تحتاج إلى كمية كبيرة من الغذاء النباتي.
فلو أنها بَقِيَتْ في المراعي المكشوفة حتى تشبَع تَعَرَّضَت ْ للافتراس، ولذلك فَهِي تلتهم طعامَها التهاما سريعا، ثم تَجْتَرُّه وتمضغه وتهضمه حين تلجأ إلى مكان أمين.
والخيلُ ليستْ من الحيواناتِ المجترة، ولكنها هي أيضاً تستفيد من ضيوفها من الكائنات الدقيقة التي تعيش في الجزءِ الأخير من أمعائها الذي يسمى "الأعور المعوى"، ولذلك يخرج كثيرٌ من الكائنات الدقيقة حيّاً مع بُراز الخيل.
أما الأرانبُ فهي تشبه الخيلَ في ذلك، ولكنها تستفيد مما في أمعائِها من كائناتٍ بطريقة أخرى، تُشْبِه الاجترارَ.
وذلك بأن كُرَاتِ البراز التي يطردُها الأرنب في الليل تكون طَريَّةً وفيها كثيرٌ من الكائنات الدقيقة والغذاء الذي لم يُمْتَصّ، ولذلك يأكلها الأرنبُ في الصباح الباكر، لِيَهْضِم ويمتصَّ كلَّ ما يمكنُ امتصاصُه منها، ثم يتبرزها في النهار كراتٍ جافة لا نفعَ له فيها. ولذلك تُسمى الأرانب أحياناً أشباه المجترات.
وعلى سبيل التشبيه أيضاً إذا لاحظنا أن شخصاً يكرر ما يقول كثيراً، نقول إنه "يجتر" ما حَفِظَ. وكذلك إذا تذكر إنسان أشياءَ محزنةً كلما خَلَا إلى نفسه، قلنا إنه "يَجْتَرُّ" أحزانَه.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]