آلية علاج الأمراض بـواسطة “المضاد الحيوي”
2003 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الخامس عشر
عبد الرحمن أحمد الأحمد
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
لم يعرف الإنسان أي علاج حقيقي للأمراض التي تسببها البكتيريا إلا في القرن العشرين.
وكانت البداية هي مركبات «السلفا» التي اكتشفها جيرهارد دوماج سنة 1933، فقد كانت أول علاج فعال للالتهابات التي تسببها البكتيريا السبحية
وفي عام 1928 اكتشف ألكسندر فلمنج أن نوعا من الفطر (من الجنس بنيسيليوم) يقتل البكتيريا التي تنمو قريبا من مزارعه في المختبر.
وفي عام 1938 تمكن هوارد فلوري من الحصول على المادة الفعالة بصورة نقية، وأطلق عليها اسم «بنيسلين». ولأن البنيسلين مستخلص من كائن حي وصفت هذه المركبات بأنها «مضادات حيوية»
وفي عام 1944 اكتشف العلماء عقار ستربتوميسين، ثم الكلورامفينيكول عام 1947، ثم التتراسيكلين عام 1948، ثم الإرثيروميسين عام 1952.
وتوالت الأبحاث والاكتشافات إلى يومنا هذا. لذلك يمكننا أن نصف النصف الأخير من القرن العشرين من البحوث الطبية بأنه عهد المضادات الحيوية.
ولكن لماذا تنتج الكائنات الدقيقة هذه المضادات الحيوية؟ تحتاج الكائنات الدقيقة إلى الغذاء تماما كما يحتاج الإنسان والحيوان إلى الطعام.
وهذه الكائنات الدقيقة تحاول الحصول على الغذاء الموجود، ولا تريد أن يشاركها في هذا الغذاء غيرها من الكائنات الدقيقة. لذلك فإنها تكون مواد ضارة بغيرها من الكائنات. هذه المواد الضارة إما أنها تقتل الكائنات الأخرى، أو أنها تمنعها من النمو والتكاثر.
ولكن هذه المواد الضارة بالكائنات الدقيقة قد تكون ضارة بالإنسان أيضا، لذلك فإن اختيار مادة ما لأن تكون مضادا حيويا يتطلب أن تكون الكمية التي تقضي على البكتيريا من هذا المركب لا تسبب ضررا للإنسان.
وبالطبع إن الكميات الكبيرة من المضادات الحيوية قد تسبب ضررا كبيرا للإنسان.
وقبل أن يعرف الإنسان المضادات الحيوية، كانت الأمراض التي تسببها البكتيريا تسبب الموت لكثير من المرضى، حتى كانت كلمة حمى تثير الرعب خوفا على المريض من الموت. هذه الصورة قد تغيرت كثيرا بعد معرفة مسببات الأمراض، وبعد اكتشاف المضادات الحيوية.
وتختلف البكتيريا ما بين مكورات وعصيات موجبة أو سالبة بالنسبة لصبغة تسمى «صبغة جرام». لذلك فإنها تختلف في تأثرها بالمضادات الحيوية المختلفة.
وبعض المضادات الحيوية يؤثر في مجال محدود من البكتيريا، والبعض الآخر له مجال واسع في التأثير.
وعندما يختار الطبيب مضادا حيويا لعلاج مرض ما تسببه البكتيريا فإن ذلك يتطلب أمورا كثيرة، منها أن يعرف البكتيريا التي تسبب ذلك المرض، وأن يعرف أقدر المضادات على مكافحة هذه البكتيريا.
ويكون ذلك بعمل مزرعة للبكتيريا المسببة للمرض، وعمل اختبار لحساسيتها للمضادات الحيوية.
والمقصود بحساسيتها للمضادات الحيوية هو مدى استجابتها في المزرعة للمضاد الحيوي. فكلما تأثرت البكتيريا بكميات أقل من المضاد الحيوي كان هذا المضاد الحيوي أنسب لعلاج الإصابة بهذه الكبتيريا.
ومع اكتشاف المضادات الحيوية وتنوعها، انبهر بعض الأطباء بها، فراحوا يصفونها لعلاج أمراض لا تتأثر بها، فالفيروسات لا تتأثر بالمضادات الحيوية ومع ذلك قد يستخدم بعض المرضى مضادا ما لعلاج الإنفلونزا، مثلا.
وتكون النتيجة سيئة لسببين، أولهما عدم فاعلية المضاد في علاج الفيروسات، والثاني تعريض المريض للآثار الضارة للعلاج دون مبرر لذلك.
ولكن هل الآثار الضارة للمضادات الحيوية شديدة؟ الكميات التي يصفها الطبيب من المضادات الحيوية لا تسبب ضررا كبيرا للمريض.
ولكن إذا استخدمنا كميات كبيرة من المضادات الحيوية، أو استخدمنا المضادات الحيوية لمدة طويلة فإنها قد تسبب أضرارا شديدة.
وبعض المضادات الحيوية يكون ضارا بنقي (نخاع) العظم، وهو المصنع الذي ينتج لنا كريات الدم الحمراء والبيضاء وصفائح الدم وتلف هذا المصنع الهام يسبب فقر الدم، وتكرر الإصابة بالأمراض البكتيرية، وكذلك صعوبة تخثر الدم. وقد تكون المضادات الحيوية ضارة بالكليتين أو الكبد مثلا.
وهناك مشكلة أخرى، فالبكتيريا تحاول أن تحمي نفسها من هذه المضادات الحيوية بوسائل متنوعة، فتصبح البكتيريا مقاومة للمضاد الحيوي، أي أنها لا تتأثر به، وبالتالي يصير المضاد عديم الفاعلية في علاج الأمراض التي يسببها هذا الميكروب.
ونتيجة لذلك يستخدم الأطباء مضادات أحدث لعلاج نفس الأمراض التي كانت تستجيب سابقا للمضادات الحيوية الأقدم مثل البنيسلين أو مركبات السلفا.
ويسبب ذلك زيادة كبيرة في تكاليف العلاج. وقد يضطر الطبيب أيضا إلى وصف مضادات لها آثار ضارة لأن البكتيريا لا تتأثر بغيرها.
أما المشكلة الأهم فهي أن البكتيريا التي تسبب تقيح الجروح في المستشفيات قد أصبحت مقاومة للعديد من المضادات الحيوية. وهذا الأمر يكلف المؤسسات العلاجية والأفراد أموالا كثيرة لعلاج هذه البكتيريا.
ويكفيك أن تعرف أن أن هذه المبالغ تقدر بآلاف الملايين من الدولارات سنويا في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها. هذا فضلا على صعوبة انتقاء المضاد الحيوي المناسب لعلاج البكتيريا.
لذلك أنصحك يا بني ألا تستخدم مضادا حيويا بغير استشارة الطبيب، أو أن تستخدم المضاد الحيوي لمدة أطول أو أقصر من تلك التي يوصي بها الطبيب.
فالمضاد الحيوي نعمة أوجدها الله لنا، ويجب علينا أن نصونها وأن نحافظ عليها حتى نتمكن من استخدامها في وقت الحاجة إليها. أما أن نسئ استخدامها فهذا يؤدي إلى ضياع هذه النعمة من أيدينا، والعودة إلى ما قبل عهد المضادات الحيوية.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]