أعمال عائلة بنى موسى في المجالات المختلفة
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول
صبري الدمرداش
KFAS
عائلة بنى موسى التاريخ المخطوطات والكتب النادرة
في الفيزيقا: كانت لهم إسهامات كثيرة في هذا المجال. فمثلاً يعزى إليهم القول بالجاذبية العمودية بين الأجرام السماوية والتي تربط هذه الأجرام بعضها ببعض في عقدٍ نظيم.
كما تُعزى إليهم طريقة جديدة لرسم الشكل الإهليلجي، وذلك بغرس إبرتين في نقطتين ثم أخذ خيط بطول يفوق مثلي بعدهما عن بعضهما، ثم يربط هذا الخيط من طرفيه ويوضع حول الإبرتين ويولج فيه قلم رصاص، فعند إدارة القلم يتكون الشكل الإهليلجي وتسمى النقطتان (محترفي) هذا الشكل أو بؤرتيه.
في الهندسة الميكانيكية: لبني موسى كتاب نادر عجيب – على ما يقول ابن خِلّكان في كتابه (وَفيَات الأعيان) – يشتمل على كل ما هو مثير، وقفت عليه فوجدته من أحسن الكتب وأمتعها، وهو مجلد واحد. والكتاب يسمى (حيل بني موسى) وقد يكون الأول الذي يبحث في الميكانيكا والتكنولوجيا، وهو يحتوي على مائة تركيب ميكانيكي، عشرون منها ذات قيمة علمية. والكتاب مخطوط في مكتبة الفاتيكان تحت رقم (317).
وكتاب الحيل مزين بالرسوم التوضيحية عن الجرار والقناني والأواني والأنابيب والفوَّارات.
وهذه الحيل لم تكن لمجرد التسلية أو إظهار المقدرة العلمية، وإنما كانت للضرورة أيضاً.
ففي القرن الثالث الهجري كثرت الحاجة إلى مثل هذه الأواني في المساجد والمنازل وأماكن الاجتماع للشرب والوضوء وحفظ السوائل ونقلها.
ولما كانت الميكانيكا من العلوم التي لم تزدهر في ذلك العصر، حيث لم يكن للعرب منها إلا ما ورثته عن الأقدمين، لذا يعتبر كتاب بني موسى في الحيل إنجازاً فذاً وريادة علمية وتطبيقية في تاريخ العلوم عند العرب.
ومما جاء في الكتاب من حيل:
• صنعة إبريق: يأخذه الغلام فيوضئ منه من أحب، ويمنع ذلك عمن يشاء فلا يصب على يديه شيء من الماء. ويمكن أن يقول مستخدمه عنه: إنما يوضئ المؤمنين ولا يوضئ الزنادقة! وتركيب هذا الإبريق يعتمد على ضغط الهواء وتأثيره على الماء.
• صنعة فوَّارة: يفور الماء منها كهيئة السوسنة، وإن أحببنا جعلنا الماء يفور منها كهيئة الترس، ولا زالت نظريات أحمد بالذات تستخدم حتى الآن في تصميم النافورات الحديثة.
• صنعة سراج: يخرج الفتيل بنفسه ويصب الزيت لنفسه، وكل من يراه يظن أن النار لا تأكل الفتيل! ولا ينطفئ السراج عند هبوب الرياح عليه (الشكل 124)
• صنعة تركيب ميكانيكي: يسمح للأوعية أن تمتلئ تلقائياً كلما فرغت.
• صنعة آلة ميكانيكية للزراعة: تحدث صوتاً تلقائياً كلما ارتفع الماء إلى حد معينٍ في الحقل عند سقيه.
• صنعة ساعة نحاسية كبيرة الحجم: بناها الأخوان أحمد ومحمد واستفاد منها معاصروهما.
• صنعة سحَّارة: بمثابة وعاء مثقوب من أسفله لغسل الخضراوات، إذا غمست في الماء سمع منها صفير وإذا رفعها الإنسان عن الماء كان لها أيضاً صفيراً.
كذلك ألَّف بنو موسى في علم السوائل وكان عندهم من فروع الحيل، وفي علم مراكز الأثقال
والحق أن بني موسى كانوا من أوائل المسلمين الذين نبغوا في الهندسة، ويدين لهم العالم بإنجازاتٍ كبيرة في هذا المجال منها: مقالة في الهندسة في قياس السطوح الكروية والمستوية.
وكتاب في الهندسة تُرجم إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي بعنوان (كتاب الإخوة الثلاثة في الهندسة) Liber trium Fratrum de Geometria استخدمه الغرب اللاتيني مدة طويلة باعتباره مقدمة وافية في الهندسة.
وكتاب الشكل المدور المستطيل (الإهليلجي) لحسن، وكتب المثلث لمحمد، وكتاب المخروطات لمحمد، وكتاب الشكل الهندسي الذي بيَّن جالينوس أمره لمحمد، إلخ.
في الفلك: كان لبني موسى منزلة كبيرة في علم الفلك. ومن أعمالهم فيه أنهم بنوا مرصداً كبيراً على طرف جسر بغداد، وكانت أرصادهم مرجعاً لمن أتى بعدهم من علماء العرب والمسلمين وغيرهم.
وقد قاموا يرأسهم، أخوهم الأكبر محمد بحساباتٍ فاقت ما وصل إليه بطليموس وفلكيو عصره، حتى إن البيروني صرح بعد مضي نحو مائة وخمسين عاماً أنه بوسع المرء الاعتماد على ما قام به بنو موسى من أبحاثٍ فلكية.
ومن أعمالهم الفلكية الخالدة قياسهم محيط الأرض بتكليفٍ من المأمون. فاختاروا مكاناً منبسطاً في صحراء سنجار ونصبوا في الآلات، وقاموا بقياس الارتفاعات الميل والأفق، فعلموا أن كل درجة من درجات الفلك يقابلها 2/3 66 ميلاً عربياً.
ومن ذلك حسبوا محيط الأرض وقدَّروه بنحو أربعة وعشرين ألف ميل أو ما يعادل 47,356 كم، وهو تقدير يقترب من الحقيقة إذ إن محيط الأرض الفعلي يقدر بنحو 40.000 كم تقريباً، وقياس بني موسى يعتبر أول قياس حقيقي أُجري مباشرة مع كل ما اقتضته تلك المساحة من وقت طويل وجهدٍ ومشقة واشتراك فريق عمل من الفلكيين والمسَّاحين والصُّناع، يتقدمهم جميعاً محمد ومن بعد أخواه أحمد وحسن.
حقاً لقد جعل موسى بن شاكر من بيته جامعة، ومن أبنائه دارسين علماء، ميزتهم تعاونهم فيما بينهم كفريق عملٍ يُحتذى، إذ كثير من إنجازاتهم ومؤلفاتهم كانت مشتركة بينهم. وغفر الله لمحمد وأحمد مما صنعاه بالكندي وسند بن على، كما قد قدمنا عند كلامنا على الكندي.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]