التكنولوجيا والعلوم التطبيقية

أمثلة على مشكلة تتكرر . لنسامح التصميم تفهم الفشل

2014 لنسامح التصميم

هنري بيتروكسكي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

التكنولوجيا والعلوم التطبيقية الهندسة

من الباحثين الأوائل في دراسة تصدعات محاور عجلات القطار المهندس المدني والفيزيائي الاسكتلندي وليام جون ماكورن رانكين (William John Macquorn Rankine). في عام 1843 بينما كان في مقتبل العشرينات من عمره قام بتقديم ورقة في اجتماع لرابطة المهندسين المدنيين (Institution of Civil Engineers) بعنوان، بطريقة وأسلوب ذلك الوقت، "أسباب الانكسارات غير المتوقّعة لمحاور عجلات القطارات في سجل اليوميات والوسائل التي يمكن منعها باتباع قانون الاستمرارية في تركيبها" وكانت الورقة نموذجاً للتحليل العملي ضمن سياق ندرة النظرية حينئذٍ، وقد سرد رانكين في ورقته الفرضية السائدة بأن حدوث تآكل المعدن عبر الاستخدام المتكرر عندما "يتحوّل تدريجياً النسيج الليفي للحديد المطاوع إلى بنية بلورية، ولكونها أضعف طولياً، فإنها تتهاوى جرّاء الصدمات خلافاً لما قد يحصل في حالة أن نفس الحديد، عندما يكون في حالته الليفية، يستطيع تحمل الصدمات من دون ضرر". واعترف رانكين أن من الصعب أثبات هذه الفرضية لاحتمال أن البنية البلورية قد تكون موجودة في محور العجلة عندما كانت جديدة، ومع ذلك، اقترح صنع المحاور، ليس بطريقة الخطوات المتقطعة التقليدية في تشكيل المعدن، بل بواسطة التغيير التدريجي للقطر، لكي نضمن تواصل النسيج المعدني المرن بشكل كامل. بعبارة أخرى، اعترف بضرر التغييرات الحادة على البنية الهندسية للما، وفي الواقع هذا درس نميل إلى تعلمه بالطريقة الصعبة. قصاصة خبر مستلٍّ من جريدة يتمزّق بسهولة في الزاوية الداخلية. التصاميم الجيدة تتحاشى هندسة غير مفضلة.

وبالرغم من شكوك رانكين، فإن تبلّر الحديد من خلال التحميل المتكرر شاع استخدامه لما تبقّى تقريباً من القرن التاسع عشر، باعتباره الحكمة الفنية التقليدية لتوضيح التصدّعات الهشة، بمعنى تلك التصدّعات التي لا يصاحبها تشوّهات ملحوظة في المادة في المواقع القريبة من التصدّع، ولهذا السبب فإن قطعة الخزف الصيني المتصدّعة يمكن إصلاحها إذا ما وجدت جميع القطع لكي يتمّ لصقها ببعضها لتعود إلى حالة شكلها السابق، وتنتج التصدّعات الهشّة أيضاً عندما تنكسر قطعة زجاج أو طبشورة. عندما يتمّ جمع القطع ووضعها مع بعض، فالشيء الوحيد الذي يكشف انكسارها هو الخط الشعيري، الذي يبقى في موقع القطع المكسورة.

وقع تصدّع مشهور عام 1847 بسبب وزن قطار كان يمرّ عبر جسر سكة حديد مهم فوق نهر دي (River Dee) في تشستر (Chester) في إنجلترا. هذا المعبر الحرج في الطريق الشهير الذي يربط لندن بمدينة هوليهيد (Holyhead) وفّر وسيلة اتصال مهمة واستراتيجية بين إنجلترا وإيرلندا من خلال ويلز والبحر الإيرلندي. كان تصميم جسر دي هجيناً أو مركباً، متكوناً من أقسام من الحديد المسبوك مربوطة ببعضها بواسطة قضبان من الحديد المطاوع، ولأن الحديد المسبوك مادة هشّة تميل إلى التصدّع، فإن العارضات المصنوعة منه يجب ألا تكون أطول من 35 إلى 60 قدماً، اعتماداً على رأي المهندس الذي يتمّ استشارته. لذا فإن العارضة التي يبلغ طولها 100 قدم تقريباً لجسر دي كانت مصنوعة من ثلاث جسور حاملة (Girders) مربوطة ببعضها بواسطة قضبان من الحديد المطاوع لضمان تماسك التركيبة الترادفية كي لا تتوسّع الفجوة بين العارضا، وتؤدّي قضبان الحديد المطاوع دوراً إضافياً في منع الانهيار الكامل للجسر في حالة تصدّع الحديد المسبوك، وقد استعملت جسور من هذا النوع من التصميم الجملوني في سكك القطارات منذ العام 1831؛ وبسبب الخدمة الموثوقة لهذه الطريقة عبر السنين فقد استخدمت مجازات أطول وأطول مع تخفيضات متكرّرة في معاملات الأمان – وهو توجّه تطوري طبيعي لجميع أنواع الهياكل، ومجازات جسر دي كانت الأطول من كل ما بني من نوعها.

في الصحوة بعد الحادث مباشرة، والذي حصد حياة خمسة أشخاص، دُعي مفوّضو السكك للقيام بالتحقيق. تبيّن أن أحد جسور الحمّالات المربوطة قد تصدّعت في موقعين، وفي محاولة لفهم ما حصل بشكل أفضل، تمّ القيام بسلسلة من الاختبارات من خلال قيادة قاطرة فوق بعض المجازات الباقية من نفس التصميم وتسجيل مدى انخفاضها إثر ذلك. فالانخفاض كان أقل مما كان عندما كانت القاطرة واقفة على الحمالات، ولكن عندما بدأت القاطرة تتحرّك فوق المجاز بدأت تظهر اهتزازات ملحوظة على الهيكل الساند، ومن بين الاستنتاجات التي توصّل إليها المحقّقون أن "الجسور الحاملة المصنوعة من الحديد المسبوك تتعرّض للضرر جراء الحمولات الكبيرة والمتكررة وأن متانتها تنخفض جرّاء ذلك"، وهذا هو وصف بدائي لما بدا يعرف بعد ذلك بإجهاد المعادن.

تمّ إجراء تحقيق بسبب مقتل أشخاص عندما انهارت عربات القطار بسبب تصدّع مجاز الجسر. أدلى الدهّانون العاملون على الجسر بإفادتهم أن الجسر انحرف بشكل ملحوظ عند مرور القطارات عليه، وأن درجة الانحراف كانت تبعاً لسرعة القطار، وقد استخدم أحد الدهّانين مسطرته لقياس الانحراف ووجده بحدود 4 إنشات، ولاحظ دهّان آخر أن الانحراف كان بحدود 5 إنشات في جسر حمّالة انكسر وتم استبداله. وأخذت شهادات بعض المهندسين أيضاً، من ضمنهم روبرت ستيفنسون (Robert Stephenson)، مصمّم الجسر. فقد كان مسؤولاً عن تصميم العديد من الجسور القصيرة الناجحة من نفس النوع، وأصرّ على أن التصميم البنيوي للجسر لا عيب فيه، وبحسب ستيفنسون، فالحادث على جسر دي سببه خروج القطار عن السكة، حيث ارتطم بالجسر الحمالة جانبياً وكسرها، وقد ناقض شاهدو العيان هذا التفسير.

منع المحقّق المحلّفين من اتهام ستيفنسون بالإهمال، ولكنه طلب من المحلّفين التعليق حول تصميم الجسر الساقط، وقد وجد المحلّفون أن "الجسر الحمالة لم ينكسر بسبب ضربة أفقية من القاطرة، أو مقطورة الوقود والماء، أو الشاحنة، أو العربة، أو بسبب أي خطأ أو عطل في بناء الأرصفة أو الدعامات، بل لأنها كانت مصنوعة بمتانة غير كافية لتحمّل الضغط التي تسلطه القطارات السريعة المارة فوقه". وأكّد المحلفون أيضاً "عدم ملاءمة معادن هشة وغادرة كالحديد المسبوك لوحده في صنع جسور حمالات في المستقبل، وبالرغم من ربطها بواسطة قضبان من الحديد المطاوع إلا أن ذلك لا يجعلها آمنة للقطارات السريعة وقطارات المسافرين". وخشي المحلّفون من أن مئات الجسور التي صممت بطريقة مشابهة لجسر دي قد تكون جميعها "جسوراً غير آمنة". وكانت التوصية أن تقوم الحكومة بإجراء تحقيق لتقرّر إن كانت مثل هذه الجسور آمنة، وإن لم تكن كذلك فيجب إدانتها جميعاً، وإن كانت كذلك فعلى الحكومة أن تُطمئن الرأي العام، وقد تمّ تشكيل هيئة ملكية للنظر في استخدام الحديد في هياكل السكك الحديد، وتم القيام بفحوصات واسعة على جسور الحمّالات المصنوعة من الحديد المسبوك وأكّدت هذه الفحوصات أن التحميل المتكرّر يؤدي فعلاً إلى خفض المتانة، وبحسب تقرير الهيئة، الذي نشر في عام 1849، فقد "أظهرت الدعامات المكسورة تصدّعات بلورية غريبة إضافة إلى فقدان التماسك"، وهو ما أكّد الفكرة التي أعلنها رانكين قبل ست سنوات.

يمكن القول بدقة، إن تحليلات الفشل عبارة عن فرضيات مبنية على فرضيات. كيف صُمّم الجسر، وكيف تمّ بناؤه وصيانته واستخدامه [هي أمور] قد تعرّض للفشل وتكون سبباً في ذلك، والوثائق الرسمية والحكايات يمكن اعتبارها بمثابة الحبوب المعدة للطاحونة التي تنتج السيناريوهات التخيلية [لما حدث]. عموماً فإن طبيعة الأسطح المتصدعة للأجزاء المكسورة قد توفر مفاتيح حلول قيمة عن كيفية سريان التصدّع، ولكن ذلك لا يشكّل سوى قراءة محقّق واحدة لما كانت عليه الحالة. فلا يمكن إثبات فرضيات الفشل بشكل قاطع إلا في حالات نادرة، ذلك لأن الهيكل لم يعد قائماً لكي يتمّ اختباره تحت نفس الظروف المفترضة، وما هو متوفر من براهين قد يكون غير كامل أو ملوث. في حالة جسر دي، فإن أجزاءً من العارضات المتصدعة فُقدت في النهر، وحتى لو تمّ إنقاذ جميع الأجزاء المتشظية، فإن الأسطح المتصدعة تكون قد تغيرت خلال التصدع أو خلال عملية الإنقاذ وسوء التعامل مع القطع عند الإنقاذ مما يشكّك في الاستنتاجات التي يمكن التوصّل إليها، وكنتيجة لذلك، فحوادث مثل حادثة فشل جسر دي يمكن مراجعتها وإعادة تفسير أسبابها لسنوات وعقود لاحقة، بل حتى لقرون قادمة، ولنستمرّ في تعلّم دروس جديدة منها.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى