أمثلة متنوعة لكيفية تأثير كيمياء المواد المستخدمة في طبخ الطعام
2002 في رحاب الكيمياء
الدكتور نزار رباح الريس , الدكتورة فايزة محمد الخرافي
KFAS
كيفية تأثير كيمياء المواد المستخدمة في طبخ الطعام الكيمياء
لا يميل الناس حتى الآن إلى الأخذ بالتفسيرات العلمية لاسرار الطبخ وإعداد الوجبات الشهية والصحية ، بل يميلون إلى تطبيق الوصفات التي اعتادوها، مع أن الموسيقى والرسم والنحت وباقي الفنون قد ازدهرت جميعها بفضل البحث العلمي والتكنولوجيا الحديثة .
فالعلم حسن تكنولوجيا المحافظة على الأعمال الفنية والآثار القديمة وزاد من انتشارها ومعرفة الناس بها .. وكذلك الحال بالنسبة للموسيقى والغناء، وهذا ما يؤكد أن العلم والتكنولوجيا لا يتعارضان مع الإبداع الفني بل يثريانه ويزيدان من انتشاره .
ولا جدال بأن العلم يستطيع تقديم خدمات جليلة لفن الطبخ وإعداد ضروب الطعام . ذلك أن عمليات الإعداد هذه ما هي إلا خليط من العمليات الفيزيائية والكيميائية ، وفهمنا لهذه العمليات وحسن توجيهنا لها سيؤدي بالضرورة إلى وجبة شهية وصحية .
وفي هذا المساق بدأ يظهر علم جديد وهو الطهي الجزيئي والفيزيائي molecular and physical gastronomy وهو علم الطعام والاستمتاع به .
وقد عقدت الدورة التدريبية الاولى في الطهي الفيزيائي الجزيئي عام 1992 في جزيرة صقلية وكان الصنف الأول هو طبق "بيض مسلوق بالمايونيز". ولنا الآن أن نتفحص هذا الطبق من منظور علمي.
فالمايونيز يتكون من زيت نباتي وخل أو عصارة ليمون يضاف غليه صفار البيض ثم تخفض هذه المكونات مع بعضها ليتكون المايونيز ، هذا المستحلب (emulsion) اللذيذ.
ولو كان أضفنا الزيت إلى الخل وخفقناهما معاً لما امتزجا مع بعضهما ، إذ سرعان ما تنفصل طبقة الزيت عن الخل ، وهنا ندرك أن صفار البيض هو الذي يتسبب في اختلاط الزيت بالخل في مستحلب لا تنفصل مكوناته عن بعضها البعض . فما هو دور البيض هنا ؟
يحتوي صفار البيض على مادة الليسيثين Lecithine. ولجزيئات هذه المادة خاصية النشاط السطحي ، إذ تتكون من قسمين، أولهما محب للماء والآخر محب للزيتن وهكذا تقوم هذه الجزئيات بالإمساك بكل من قطرات الماء الدقيقة (الخل) وقطرات الزيت الدقيقة وتحول دون انفصالهما عن بعضهما البعض لتكونا هذا المستحلب أو المايونيز .
ولقد وجد أن صفار البيضة الواحدة يحتوي على نحو غرامين من مادة الليسيثين ، وهذه الكمية تكفي لاستحلاب 3.5 لترات من الزيت في كمية مناسبة من الماء أو الخل ، في حين أن ما اعتاده الناس هو أن صفار البيضة الواحدة يضاف إلى ما لا يزيد على ربع لتر من الزيت .
أما الموضوع الآخر الذي خضع للدراسة العلمية فهو تناول الناس لوجبة من البيض المسلوق ، فقد شاع القلق بخصوص تناول البيض الملوث بجراثيم "السلمونيلا"، مما يدفع الناس للإعراض عن تناوله.
ولقد دل البحث العلمي على أن صفار البيضة يتخثر ما بين درجتي 65-62 س ، وأن بكتيريا السلمونيلا تموت عند تعريضها بضع دقائق لدرجة حرارة 59 س . وهذا يعني أن بإمكانك تناول البيضة مطمئناً إذا قمت بسلقها عند درجة حرارة حوالي 62-59 س ولمدة ست دقائق ، إذ تكون قد قضيت على السلمونيلا إن وجدت، ودون أن تضطر إلى تخثير صفار البيضة .
وبذلك يمكنك أكل هذه البيضة أو استخدام محها لتحضير المايونيز دون خوف أو قلق . وحتى لو تجاوزت درجات الحرارة المذكورة وتسببت في تخثر صفار البيضة فغنها تبقى صالحة للأكل وكذلك لتحضير المايونيز . ذلك ان مادة اللسيثين لا تتاثر بدرجات الحرارة المذكورة وتبقى محتفظة بخواصها.
وقد تعلم الطباخون بالفطرة والتجربة أن إضافة قليل من الطحين يمنع تخثر صفار البيض عند درجات الحرارة العادية ، ومثال ذلك عن تحضير طبق "العجة". ونتساءل هنا … لماذا يتخثر صفار البيض بالحرارة ؟ . وكيف يمنع الطحين حدوث هذا التخثر ؟
يحدث التخثر عند التسخين لأن جزيئات البروتين الطويلة في صفار البيضة تتحرر في المحلول المائي من بعض الروابط الضعيفة مثل الروابط الهيدروجينية والكبريتية التي تربط بعضها ببعض في تشكيلات حلزونية ، ونتيجة لهذا التحرر تتجمع جزيئات البروتين مع بعضها البعض مكونة الخثارة .
ولكن إضافة قليل من الطحين يعيق هذا التخثر ، لأن جزيئاته تتكون من نوعين من جزيئات النشاء وهي الأميلوز والأميلوبكتين ، وعند التسخين تذوب هذه الجزيئات في الماء أو الوسط الذي يحتوي على جزيئات بروتين صفار البيضة وتحول دون تجمع جزيئات البروتين على بعضها البعض وبالتالي تمنع تكتلها أوتخثرها .
وإذا انتقلنا إلى طبخ الأنواع المختلفة من اللحوم ، نجد أن الطرق التقليدية للطبخ تتمثل في معالجة هذه اللحوم في وسط حار وصولاً إلى إنضاجها . ويتم ذلك بسلقها في الماء أو قليها في الزيت أو الزبدة أو شيها على جسم ساخن .
وفي كل هذه الطرق تتعرض قطعة اللحم لحرارة الوسط المحيط بها ، وأول ما يتأثر بهذه الحرارة هو سطح قطعة اللحم ثم تنتقل إلى داخلها بالتدريج بالنقل والتوصيل .
ولما كانت الأجزاء المختلفة من هذه القطعة تتمايز في تعرضها للحرارة أثناء طبخها لا يكون مذاقها وقوامها متجانسين ، وقد ينضج سطح هذه القطعة قبل نضوج داخلها .
وقد ظهرت تقنية جديدة لطبخ اللحوم وإنضاجها تعتمد على الموجات الميكروية (microwave). إذ أن هذه الموجات القصيرة يبلغ طولها 10 سنتمترات ويمكنها اختراق مسافة كبيرة عبر المواد وتعطي أثناء مرورها طاقة على شكل حرارة .
ويتوقف تأثيرها على وجود جزيئات قطبية مثل الماء ، ذلك أن هذه الموجات تجعل الجزيئات القطبية تدور وتهتز ، ونتيجة احتكاكها مع المادة تتحول طاقتها الحركية إلى طاقة حرارية .
وعندما يحضر اللحم في فرن الميكروويف يسخن بطريقة متجانسة إلى الدرجة 100° س ويبقى عند تلك الدرجة ما دام يحوي ماء . وتتميز هذه الطريقة بأنها أسرع من الطرق التقليدية وتستهلك طاقة أقل .
وننتقل الآن إلى طريقة جديدة لتحضير البوظة (الأيس اكريم) ابتكرها أحد الباحثين في جامعة بريستول في إنجلترا ، الذي تمكن من تحضير كمية من البوظة في دقيقتين تكفي فطام ما يزيد عن مائة من الحضور .
بحسب الطريقة التقليدية لتحضي البوظة يخفق مزيج البيض والسكر والمنكهات ويترك ليتجمد ببطء . لكن الطريقة الجديدة تعتمد على تحضير المزيج السابق ثم إضافة النتروجين السائل (درجة حرارته 96-° س) .
حيث تتجمد هذه المكونات خلال اقل من دقيقتين ذلك أن النتروجين السائل عند إضافته وتعرضه لحرارة الجو العادية يفور بشدة ويكون كمية وافرة من الغاز والتي تزيد من حجم البوظة وتؤثر على قوامها .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]