إعجاز القرآن الكريم في الإدراك المبكر لمشكلات البيئة
2007 في الثقافة والتنوير البيئي
الدكتور ضياءالدين محمد مطاوع
KFAS
إعجاز القرآن الكريم في الأدراك المبكر لمشكلات البيئة إسلاميات علوم الأرض والجيولوجيا
إن المهتم بشئون البيئة يدرك أن الإسلام دين شامل، ليس فقط للمكان، بل أيضا للزمان. فقد تبصر بتلك المشكلات منذ أربعة عشر قرنا من الزمان، رغم ما نسمع عن أنها مشكلات معاصرة.
وكما أكدنا فإن قواعد حل تلك المشكلات كانت من أبجديات الإسلام. إنه يكفي كل باحث ومهتم بشؤون البيئة، وبكيفية الحفاظ على مواردها، ودفع التلوث عنها، أن يتدبر آيةواحدة، من بين الآيات العديدة من القرآن الكريم فقال عز وجل "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون" (الروم: 41).
وقبل الغوص في المعاني العلمية لهذه الآية الكريمة، فإن لفظ "الفساد" له معنى واسع. فالفساد في اللغة عكس الصلاح، والمفسدة ضد المصلحة). وهو يعني الاضطراب والخلل الذي يدخل على الشيء فيغير من خواصه وطبيعته، ويجعله غير صالح لأداء وظيفته التي خلق لها.
وبهذا المفهوم يكون الفساد شاملا لكل أنواع التعدي على البيئة بكل قطاعاتها. المائية، الجوية، والبرية، وسواء تمثل في تلويث تلك القطاعات، أم في الاستنزاف الجائز غير الرشيد للموارد الطبيعية لكل قطاع منها.
إذا وعينا هذا التحليل، وعدنا إلى الآية الكريمة السابقة نقول إن الرأي العلمي والقانوني قد استقر على أن التلوث Pollution الذي يهدد البيئة والذي يكمكن تعريفه بأنه "أي إفساد مباشر للخصائص العضوية أو الحرارية أو البيولوجية والإشعاعات لأي جزء من البيئة.
مثلا بتفريغ أو إطلاق أو إيداع نفايات أو مواد من شأنها التاثير على الاستعمال المفيد، أو بمعنى آخر، تسبب وضعا يكون ضارا أو يحتمل الإضرار بالصحة العامة، أو سلامة الحيوانات، والطيور، والحشرات، والاسماك والموارد الحية والنباتات".
ويترتب على التلوث استنزاف موارد البيئة ما يلي:
1- تغير البيئة، أو الوسط الطبعي، المائي أو الهوائي أو البري. وهذا التغير تبدأ معالمه بحدوث اختلال في التوازن الفطري أو الطبيعي، بين عناصر وموارد البيئة، وذلك باختفاء بعضها أو قلة حجمها أو نسبتها بالمقارنة بالبعض الآخر وبحالتها العادية الأولى أو بالتأثير في نوعية أو خواص تلك العناصر.
2- وجود يد خارجية وراء هذا التغيير وهي يد تمارس أثرها في إحداث التغيير، بطريق مباشر أو غير مباشر.
ويقال عادة إن تلك اليد هي عمل الإنسان act of man. ومن ذلك إجراء التفجيرات النووية، تفريغ النفايات والمخلفات الضارة بالبيئة. وأنشطة الإنسان هي التي يجب العمل على تقويمها وضبطها إن هي أثرت على التوازن الفطري القائم بين موارد البيئة.
أما عمال القضاء والقدر acs of god، كالكوارث الطبيعية من براكين، وزلازل، وفيضانات. فهي وإن أثرت سلبيا على البيئة إلا أنه لا يمكن السيطرة عليها، أو الحد منها.
3- إلحاق أو احتمال إلحاق الضرر بالبيئة ومواردها الطبيعية، ذلك لأن تغيير البيئة أيا كان مصدره لا يستدعي الاهتمام، إذا لم تكن له نتائج سلبية على النظم البيئية، وتتمثل تلك النتائج في القضاء على بعض الموارد والعناصر الطبيعية للبيئة أو اللازمة للحياة على سطح الأرض.
فالعبرة بنتيجة التغيير الناشئ عن عمل الإنسان، فيلزم أن يكون تغييرا ضارا بالبيئة، ينعكس على الصحة الإنسانية، وعلى إنتاجية وبقاء الكائنات الحية وغير الحية.
وبتطبيق المعاني السابقة على ما جاء بالآية الكريمة (الروم/41) – التي سبق ورود نصها – نجد أنها جمعت هذه العناصر الثلاثة التي سبق الإشارة إليها وهي:
– العنصر الأول : أي التغير وإحداث الخلل في التوازن الموجود بين موارد البيئة نجده في قوله عز وجل "ظهر الفساد في البر والبحر". وفعل "ظهر" فعل ماض يدل على أن التغيير أو التعدي على البيئة قد وقع فعلا. كما أنه يومئ إلى ديمومة واستمرار ذلك التغيير أو الفساد الذي لحق، وما زال يلحق، بالموارد الطبيعية، التي خلقها الله عز وجل.
– العنصر الثاني: وهو وجود يد، أو عمل الإنسان وراء ذلك التغيير أو الفساد البيئي، وقد عبرت عنه الآية الكريمة "بما كسبت أيدي الناس" أي أن أفعال الناس هي المسؤولة عن الفساد الذي لحق بثروات وموارد البيئة.
– العنصر الثالث: وهو إلحاق أو احتمال إلحاق الضرر بالموارد البيئية وبصحة الإنسان وحياة الكائنات الأخرى. فقد جاء في قوله عز وجل "ليذيقهم بعض الذي عملوا. والمراد لحوق المعاناة وتذوق الضرر والأذى، الذي نتج، أو ينتج عن عمل الإنسان.
ولما كان البشر ضعفاء لا غنى لهم عما خلق الله عز وجل في الطبيعة من نعم يعيشون عليها هم وغيرهم من مخلقوات على الأرض، فقد دعاهم القرآن الكريم في نهاية الآية إلى الرجوع عن بغيهم وسعيهم بالفساد في الأرض، بقوله عز وجل "لعلهم يرجعون".
وعدم الرجوع يعني الجحود بنعم الله عز وجل وعدم معرفة قيمتها ووظائفها التي يسرت حالها. وهذا من موجبات عذاب الله والشقاء في الدنيا. وقد قال الله عز وجل في حق إحدى الأمم السابقة "فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون".
تلك هي معجزة القرآن الكريم في شأن الإدراك المبكر لمشكلات البيئة، وهو إدراك وتبصر تخطى حاجز الزمن، ونبه لى العواقب الوخيمة للسلوك البشري غير القويم في التعامل مع موارد وعناصر الكون.
ولعل في بحثنا لطبيعة علاقة الإنسان بتلك الموارد والعناصر من منظور الإسلام، ما قد يساهم في ضبط ذلك السلوك، ودق ناقوس الخطر حول مثالب الإهمال والتغاضي عن سنن الله، وتوجيهاته المتعلقة بطبيعة الدور الذي يقوم به الإنسان في هذا الكون.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]