اسهامات وانجازات ابن الهيثم في علم الفيزيقا
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول
صبري الدمرداش
KFAS
انجازات ابن الهيثم علم الفيزيقا الفيزياء
كانت لابن الهيثم جهوده المحموده في علم الفيزيقا بصفة عامة وعلم الضوء بصفة خاصة، وإن أثره في هذا العلم لا يقل عن أثر نيوتن في علم الميكانيكا.
ومن إسهاماته في علم الضوء أنه: عرَّف الضوء، وبين أقسامه، وفسر بعض الظواهر الضوئية كالانعكاس والانعطاف، كما بين تركيب العين وحدد وظيفة كل جزء منها، وكيفية الإبصار، كما درس نفاذ الأضواء من الثقوب من خلال ما يعرف بالغرفة المظلمة، وفيما يلي إشارة لبعض جهوده في كل نقطة من هذه النقاط:
• فبالنسبة لتعريف الضوء: عرَّفه بأنه (حرارة نارية تنبعث عن الأجسام المضيئة بذواتها كالشمس أو النار أو الجسم المتوهج، وأنه إذا أشرق على جسم كثيف أسخنه، وإذا انعكس عن مرآة مقعرة واجتمع عند نقطة واحدة، وكان عندها جسم يقبل الاحتراق، أحرقه)
ويعتبر ابن الهيثم أن ماهية الأضواء الذاتية وماهية الأضواء العرضية واحدة، وأن للضوء وجوداً ذاتياً، وأن الإبصار إنما هو بفعل هذا الضوء. وهو بهذا المفهوم يقترب كثيراً من المفهوم الحديث للضوء بأنه (ما يؤثر في حاسة البصر فيسبب الأحساس بالرؤية).
• وبالنسبة لتقسيم الضوء: فإنه يقسمه قسمين: الأول الأضواء الذاتية، وهي الأضواء التي تشرق من الأجسام المضيئة بذواتها كضوء الشمس، والثاني في الأضواء العرضية، وهي الأضواء التي تشرق من الأجسام التي ليست مضيئة بذواتها وإنما تشرق منها إذا كانت بجوار الأجسام المضيئة بذواتها أو المستضاءة بغيرها.
وهو بذلك يعبر تماماً عن التقسيم الحديث للأجسام إلى مضيئة وغير مضيئة، فالأجسام المضيئة يصدر الضوء من ذواتها، كالشمس وسائر النجوم والشموع المشتعلة، أما غير المضيئة، كالقمر والكتاب والقلم، فلا يصدر عنها ضوء إلا أنها تعكس الضوء الساقط عليها فتصبح رؤيتها ممكنة في ظروفٍ معينة.
ويمكن للجسم غير المضيء أن يصبح مضيئاً إذا تغيرت ظروفه، فالخشب والغاز مثلاً مواد غير مضيئة في الأحوال العادية، ولكن عند تسخين كل منها إلى درجات حرارة معينة فإنها تشتعل وتصبح مضيئة.
• وفيما يتعلق بانعكاس الضوء: شرحه ابن الهيثم بطريقة مبتكرة و (عصرية) مفترضاً أن الضوء شيء مادي، ومن ثم فهو ينعكس من الأجسام الصقيلة تماماً كما ترتد الكرة من الجسم الصلب عند اصطدامها به، وانعكاس الضوء الذي يحدث بهذه الكيفية يحكمه قانونان يعرفان بـ (قانوني الانعكاس). بنص الأول منهما على أن الشعاع الساقط والعمود والشعاع المنعكس تقع جميعها في مستوى واحد، بينما ينص الثاني على أن زاوية السقوط = زاوية الانعكاس.
فماذا أضاف المحدثون إلى الإنعكاس فوق ما توصل إليه عالمنا؟! وقد لعبت نظرية ابن الهيثم هذه في انعكاس الضوء دوراً هاماً عبر التاريخ العالمي، بيد أنه من المؤسف نُسِبَت – خطأ إلى نيوتن!.
• وأما عن انعطاف الضوء: فقد علَّل ابن الهيثم هذه الظاهرة بتباين سرعة الضوء بحسب الوسط الذي يسري فيه، إذ تكون سرعة الضوء – على ما يقول- أعظم في الوسط الأغلظ وأقرب إلى الخط العمودي على سطح الانعطاف منه في حالة الوسط الألطف. كذلك قال: إن السبيل الذي يسلكه الضوء في انعطافه هو ذلك المسار الذي تكون حركته فيه أيسر وأسرع.
ويزيد ما قاله ابن الهيثم عن انعطاف الضوء أو انكساره إيضاحاً بقوله: وإذا امتد الضوء في جسمٍ مشفٍ ثم لقي جسماً آخر مخالفاً الشفيف للجسم الذي هو فيه أغلظ منه، وكان مائلاً على سطح الجسم المشف الذي لقيه، انعطف إلى جهة العمود القائم على سطح الجسم المشف في الجسم الأغلظ.
ويمكن توضيح قول ابن الهيثم هذا بالرسم المبين في الشكل رقم (126).
إذ لو سقط شعاع أ ب سرعته ع في الهواء على سطح الماء، انعطف من ب إلى ب جـ بسرعة ع2؛ لأن سرعة الضوء في الماء تقل بحسب الممانعة والانعطاف إلى جهة العمود ب ص؛ لذا تقل زاوية الانكسار، والزاوية أ ب ص هي زاوية السقوط، والزاوية حـ ب ص هي زاوية الانكسار، والزاوية حـ ب هـ هي زاوية الانعطاف.
ولو فرض وخرج شعاع حـ ب من الماء إلى الهواء، فإنه ينعطف إلى غير جهة العمود ب ص لأن سرعة الضوء في الهواء أكبر من سرعته في الماء، وهذه هي قاعدة العكس، وإليها يشير ابن الهيثم بقوله: (فإذا خرج الضوء من الجسم الأغلظ إلى الجسم الألطف كانت حركته أسرع).
وجدير بالذكر أن نشير هنا إلى أن الفارسي قد جاوز ما وصل إليه ابن الهيثم في بحوثه عن الانعطاف، فدرس أوضاعاً أُخر لم يعرض لها عالمنا، حيث جاوز الفارسي حدود الانعطاف الصرف في الكرة المشفة إلى الانعطاف المصحوب بالانعكاس الداخلي، وأسَّس على نتائج هذه الدراسة نظريته الخاصة بقوس قزح، وهي إضافة قيمة ولا شك في علم الضوء.
• وبالنسبة لتركيب العين ووظائفها: كان ابن الهيثم – على ما يقول مايرهوف في مقالة له بعنوان (العلوم والطب) نُشرت في كتاب (تراث الإسلام – أول من حدَّد أقسام العين ورسمها بوضوح ووضع لها أسماء أخذها عنه الطب الغربي.
كما أنه شرح وظيفة كل جزء منها، انظر ما قاله عالمنا في هذا الخصوص : (عين الإنسان تكاد تكون كروية الشكل يحيط بها من خلف ما يقرب من خمسة أسدادس سطحها غلاف صلب معتم يسمى الصلبة، يخترقه من الخلف العصب البصري، ويكسو سدسها الأمامي غطاء شفاف محدب يسمى القرنية، وهو بمثابة الجزء الأمامي من الصلبة.
ومن خلف القرنية حاجز معتم يسمى الحدقة أو القزحية يختلف لونه باختلاف الأشخاص، وبالحدقة فتحة مستديرة قابلة للضيق والاتساع تسمى إنسان العين.
ومن خلف الحدقة عدسة محدبة الوجهين وجهها الخلفي أكثر تحدباً تسمى العدسة البلورية وهي متصلة عند حافتها بعضلات قابلة للتقلص والأرتخاء. قارن هذا بالتركيب الحديث للعين!.
• وعن كيفية الإبصار: كان هناك فريقان: أصحاب التعاليم، ويذهبون إلى أن الإبصار يكون بخروج شعاع من البصر إلى المبصر، والفلاسفة الطبيعيون يذهبون إلى أنه يتم بورود صورة المُبصَرُ إلى البصر، وقد أكد ابن الهيثم – عملياً- صحة الرأي الثاني وصوابه.
انظر ما يقوله في هذا الخصوص: (لا بد للضوء أن يصدر عن الجسم، وعندما يصل إلى العين تستطيع، إن كانت سليمة؛ أن ترى الجسم، فعندما نضيء الغرفة المظلمة نستطيع أن نرى الأجسام، لأن النور يقع عليها فيضيئها، وينبعث الضوء الصادر عنها في جميع الاتجاهات).
فأي مسافة قصيرة أو ربما لا مسافة على الإطلاق تفصل بين رأي عالمنا وما يقره العلم الحديث في كيفية الإبصار؟ وأي مسافة جد بعيدة تفصله عن فلاسفة الإغريق الذين كانوا يرون العكس، إذ الضوء – عندهم – ينبعث من العين ويقع على الأجسام التي في طريقه فيضيئها، فترى العين هذه الأجسام.
عجباً – إذا كان الضوء ينبعث من العين ويضيء الأجسام فتراها العين، فما الذي يمنع العين من رؤية الأجسام في الغرفة المظلمة؟.
• وبالنسبة للخزانة المظلمة ذات الثقب: فقد ابتكرها ابن الهيثم، وفسَّر كيفية عملها، فامتداد الأضواء على سمت الخطوط المستقيمة يؤدي رأساً إلى أن الضوء المشرق من جسم مبصر إذ نفذ من ثقب ضيق في حاجز واستقبل على حاجز أبيض من خلفة تكونت على الحاجز صورة معكوسة للجسم.
وتستعمل عادة للحصول عليها ألة تسمى (الخزانة المظلمة ذات الثقب)، ويطابق هذا الإسم إسمها اللاتيني التي عُرفت به في القرون الوسطى وفي عصر النهضة، فالغالب أن الاسم : Camera obscura ما هو إلا ترجمة للفظة العربية (الغرفة المظلمة) التي قال بها ابن الهيثم.
هذا، وفي ختام عرضنا لبعض جهود ابن الهيئم في علم الضوء لا بد من التنويه إلى أن كتابه الشهير (كتاب المناظر) قد لعب دوراً مهماً في تأصيل هذا العلم وإرساء قواعده وترسيخها، ويكفي أن نشير هنا إلى أن هذا المصنَّف قد أعطى علم الضوء بعداً جديداً أدى إلى فصله عن علم الهندسة واستقلاليته، ومن الثابت لدى المختصين أن هذا الكتاب من أكثر الكتب استيفاءً لبحوث الضوء وأرفعها قدراً، وهو لا يقل – مادةً وتبويباً- عن الكتب الحديثة العالية، إن لم يفق بعضها في موضوع انعطاف الضوء وتشريح العين وكيفية تكون الصور على شبكيتها.
وقد انتشر الكتاب في القرون الوسطى انتشاراً كبيراً في ترجماتٍ خمس لاتينية، وعدة ترجمات أخرى إلى لغات مشتقة منها. وفي عام 1572 نشر (ريزيز) ترجمة كاملة لهذا الكتاب عنوانها (Opticae Thesaurus Al-Hazeni) .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]