الاختلافات الحاصلة بين المجتمعات الحديثة والتقليدية نتيجة التقدم في تكنولوجيات الطب البيولوجية
1996 تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان
الدكتور يوسف يعقوب السلطان
KFAS
العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة
العمل والوعي، والارتباط والتحلل، في المجتمعات الحديثة والتقليدية
توجد اختلافات حادة قائمة في نفس الوقت بين المجتمعات الحديثة في العالم الصناعي الذي تندمج فيه المعارف العلمية وتكنولوجياتها والقيم الخاصة بها بوعي معظم الاشخاص وفكرهم، وبين المجتمعات التقليدية التي تدخل في إطار العالم الاقل نموا.
فتعليم الجماهير والتصنيع والإرشاد الذي تقدمه وسائل الاتصال الجماهيرية، كلها تؤدي إلى تحديث بنائي في المجتمعات.
كما أنها توفر القواعد التي تبني عليها الانماط الجديدة من تعليم الفرد وخبرات العمل ، التي تؤدي بدورها إلى طرق جديدة في التفكير والشعور والتصر (ميلر Miller وإنكلز Inkeles، 1974).
ومن الظواهر الرئيسية لهذا التحول التوظيف المنظم الذي يمكن أن يسهم في تقدير الذات والشعور بالانتماء، وهي أمور ضرورية لتحديد هوية الفرد كعضو في جماعة تفهم ان القوة يمكن أن تتحقق من خلال الجهد الجماعي (برويد، 1973/أ).
وقد يكون محو الأمية أو تعلم المهارات الأساسية للاتصال من نتائج التوظيف الذي يتطلب القدرة على قراءة التعليمات أو التوجيهات. ومع تطور التحديث اصبح بالإمكان أن يتغير كل من تنظيم الفرد للمعلومات والأسلوب المعرفي (برجروبرجر وكيلنر Berger, Berger and aKellner 1974).
ويعتبر التعليم هو العامل الرئيسي الذي تنجم عنه الاغراض السيكولوجية المتزامنة مع التحديث في راي انكلز Inkeles (1969) "متلازمة العصرية النفسية لإنكلز" وتشمل: الانفتاح على التغير، وتقدير حقوق المساواة بين الرجل والمرأة، والاستقلالية بدلا من الخضوع لالتزمات القرابة، وقبول مكتشفات العلم الحديث (انكلز Inkeles وسميث Smith، 1974).
ومن المظاهر الاخرى للعصرية النفسية للفرد الاتجاهات والمشاعر التي تفضل تقرير المصير أو حرية الإرادة (خلاف الاستقلالية التي تعارض صلاة القرابة) وتفضيل الفاعلية على السلبية في مواجهة المؤثرات الخارجية، وتفضيل الاستعانة بالتكنولوجيا على الدين 0برودي، 1981/أ).
وهي جميعا اتجاهات تساير الصور الإغريقية القديمة عن الإنسان المتحضر، الذي يصنع مصيره بنفسه مثل الآلهة.
أما في الدول الأقل نموا أو المجتمعات التقليدية فلا توجد ثقة تلقائية بالمعارف والقيم العلمية (مع أن التكنولوجيا المتوفرة قد تستخدم عمدا لتحقيق أهداف تقليدية)، ومن الواضح فيها أن صنع القرارات يتم بناء على القواعد والقيم المأخوذة عن الأجيال السابقة، وما زال مفهوم حقوق الإنسان المألوف في الديمقراطيات الصناعية غريبا على هذه المجتمعات التقليدية.
وينطبق ذلك على اعضاء المجتمعات المنغلقة أو التي يمنع فيها تحرك الطبقات من وضعها في الهيكل الاجتماعي بما في ذلك المجتمعات التي يكون للمرأة فيها وضع هامشي وكذلك ينطبق على أتباع الحكام السلطويين الذي يعيشون حياة يومية يحاطون فيها بالشعائر التي تتطلب المسايرة بدلا من التفكير.
وفي بعض الأحوال كما لاحظ جورج سارتون George Sarton (تاريخ العلم هو تاريخ اتحاد البشر)، ويعكس هذا ميل مجتمعات مختلفة إلى التلاقي عند نتائج التحديث والتصنيع المبني على العلم.
ونظرأ لأن عملية التحديث تؤدي إلى قبول العلم والتكنولوجيا على أنهما الأساس الرئيسي للسلوك الفردي والجماعي، فإن المعلومات الجديدة المقبولة تدخل في إطار عمليات صنع القرار الفردية والجماعية.
ويسهم العلم والتكنولوجيا ايضا في صياغة الرموز والمثل العليا والقيم الفردية وكذا الجماعية. وعلى ذلك هناك ميل أو اتجاه لدفع المجتمعات غير المتشابهات إلى حلول مؤسسية متشابهة للمشاكل، ودفع الأفراد غير المتشابهين لتبني وجهات نظر عالمية متشابهة.
وعلى الرغم من أن الكثير من المشاكل التي انبثقت عن التحديث هي في الواقع متشابهة في مختلف المجتمعات إلا أن تحديدها ومدى إيجاد حلول عرفية قانونية لها، والقوى المحركة المترتبة عليها بحكم العرف والعادة تختلف باختلاف المجتمعات (آيسنستات Eisenstadt، 1983).
ولا يقتصر تاثير التراث الثقافي فقط على قدرة المجتمعات المختلفة على التحديث، بل تؤثر أيضا على أنماط التطور والتحديث. وينعكس التواصل الثقافي بوضوح على بناء الأسرة والمسئولية "بما في ذلك العلاقات بين الجنسين وبين الأجيال".
وفي طريقة تربية الأطفال والتعليم والتخصص، ومفهوم السلطة وهيك الحلكم والحاكم والمحكومين، والعلاقة بين الله والإنسان، وجميعها أمور لها تأثيرها على طرق مواجهة المشكلات الاجتماعية (ايسنستات، 1983، ص3 Eisenstadt).
حتى في المجتمعات الحديثة يوجد اعتقاد خفي قوي في القوى الخارقة الطبيعية وسيطرة عالية لشائعات عن تجارب خارقة للعادة، تتواجد في نفس الوقت مع الشكوك في العلم والخوف منه (روس Ross وجوشي Joshi، 1992، وهوفورد Hufford، 1992).
ومع ذلك لم يتضح إلى أي درجة تمثل هذه المعتقدات الخفية الآثار الباقية من الماضي كونها انعكاسا لطريقة التعامل مع فقدان المعتقدات المتوارثة.
ولقد لف هذه الأمور كلها الغموض والإخفاء نتيجة لأن هذه الخبرات توصل بأنها مرض نفسي مما يؤدي إلى عدم الاستجابة لإجراء البحوث والاستقصاء حول مثل هذه الأحداث غير العادية.
ومع ذلك فلا توجد أي مجموعة بشرية لم تبنِ نظرتها للكون على الإطار الثقافي المقبول دينيا والذي يتضمن قوى غير بشرية تتصل بسلوك الكون ومستقبله.
وعلى الرغم مما في الأخذ بنظم التهدئة المبنية على معتقدات تراثية من إغراء فإن المعارف العلمية لا تشجعها عند معظم الاشخاص المحدثين، كما يعوقها عدم التثبت من جوهر ما أصبح ممكنا للإنسان بواسطة تكنولوجيا الطب البيولوجية.
وربما أدى هذا إلى تقوية نوع من التحرر السيكولوجي العام الذي لا يرتاح له الكثيرون. وإن كانت فيه قيمة دفاعية ونمط الحياة التحررية الذي يصبح ذا أثر يمكن، على حد قول تيلور، أن يتعرض للمهاجمة على أنه "يفرغ الحياة من معناها"، ويقوي النظرة إلى قيمة النفعية، ولأنه يقوض التنظيم الذاتي يقوي أيضا "نمط الوجود البيروقراطي".
أما الرأي الآخر فهو أن "المبرر المتحرر من الارتباط.. يقوي الاخلاق والآداب الصارمة لحرية المسئولية الذاتية". (تيلور، 1989 ص 496). ومفهوم الحاجة إلى "حرية المسئولية الذاتية" الذي عادة ما يواجه بتهديدات، لا تقتصر على تهديدات الحرية السياسية للفرد بل أيضا تهدد حريته البيولوجية.
هذا الفهم لا بد أن يؤدي إلى تصور وإدراك لحقوق الإنسان في ممارسة الطب البيولوجي. لذا فإن التقدم في تكنولوجيات الطب البيولوجية تتطلب إنسانية مباشرة ذات عزيمة حية بخلاف الفهم التحليلي والتقني المجرد لحقوق الإنسان ممارسة وتطبيقا .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]