البعد العالمي للتنمية المستدامة
2007 في الثقافة والتنوير البيئي
الدكتور ضياءالدين محمد مطاوع
KFAS
التنمية المستدامة البيئة علوم الأرض والجيولوجيا
يشهد العالم المعاصر المرحلة الرابعة من الثورة البيئية أو ما يطلق عليها مرحلة البيئية أو ما يطلق عليها مرحلة البيئة الجديد.
وينبغي على بني البشر أن يفطنوا أننا نحيا في عالم واحد وبيئة عالمية متصلة. ويشير مصطلح Global إلى عالمية الآثار البيئية وشمولها. كما تشير عالمية الآثار البيئية إلى ما يلي:
1- حدوث بعض العمليات أو الأنشطة أو الكوارث البيئية في مكان واحد، أو عدة أماكن من العالم، ولكنها تؤثر على سائر المحيط الحيوي.
2- حدوث أنشطة في أمكمن متفرقة من العالم، وتلك الأنشطة تكون متكررة باستمرار، وبالتالي تتراكم آثارها بمرور الوقت لتؤثر في بيئة الأرض بأسرها.
ويطلق على هذين النوعين من التاثيرات بالنوع الشمولي Systemic، والنوع التراكمي Commulative على الترتيب.
وتبعا للمعنى الشمولي فإن نشاط أي نظام بيئي قد يؤثر في العالم بأسره. فقد يحدث تغير في خاصية طبيعية للأنظمة البيئية مثل درجة الحرارة، فيتأثر بذلك مناخ العالم كله، ومن ثم اتزان أنظمة المحيط الحيوي.
ويقصد بالتأثيرات البيئية التراكمية Comulative sense هو تراكم التأثيرات النابعة من التغيرات البيئية في أماكن متفرقة من العالم، مثل إزالة الغابات وتجريد الأراضي، والتصحر، والتي يكون لها أثر في العالم بأسره بعد مرور الوقت.
وعلى العموم فإن لكل من هذين التأثيرين (الشمولي والتراكمي) نظريات تستند على أسس علمية وتفسر كيفية حدوثهما.
وخير مثال يوضح الأثر الشمولي لتغير العوامل البيئية هو العصر الجليدي الذي حدث خلال الحقبة الجيولوجية الرابعة.
ويتميز هذا العصر بتعاقب عدة فترات جليدية وغير جليدية، حدثت في أوربا وآسيا وأمريكا الشمالية آنذاك، وقد تكرر هذا في نصف الكرة الجنوبي.
ومن الجدير بالذكر، التنويه إلى أن التأثيرات الشمولية للتغيرات البيئية لا تنشأ فقط من تغير شامل في صفة من الصفات الطبيعية للأنظمة البيئية فحسب، ولكنها تنشأ أيضا من نشاط محموم لبعض الأنشطة الصناعية في أماكن معينة من العالم. وخير دليل على ذلك تلويث الدول الصناعية الكبرى للهواء، الأمر الذي يظهر أثره في مناخ العالم بأسره.
وتوجد نظريتان لتفسير التغيرات المناخية التي حدثت على المستوى العالمي في تلك الفترة. فعزت إحداها الانخفاض الشديد في درجات الحرارة على سطح الأرض إلى الانخفاض الشديد في كمية الأشعة الشمسية الساقطة على الأرض، وانحسار فترات سطوع الشمس نتيجة لانحراف بسيط في مسار دوران الأرض حول الشمس، واستندت هذه النظرية إلى تغيرات طبيعية قد حدثت في النظم الفلكية.
أما النظرية الثانية فقد عزت نشأة العصور الجليدية إلى التركيب الكيميائي للغلاف الجوي آنذاك، وخاصة زيادة نسبة غاز ثاني أكسير الكربون والمواد العالقة به، والتي ظلت متناثرة في طبقات الغلاف الجوي العلوي (الستراتوسفير) لفترات كبيرة، مما أدى إلى حجب كمية هائلة من طاقة أشعة الشمس ومنعها من الوصول إلى الأرض.
وهكذا فإن النظرية الأولى أوضحت أن التغير في الأنظمة الكونية يؤثر تأثيرا مباشرا في مناخ الأرض، ويكون هذا التأثير شموليا بحيث يؤثر في الكرة الأرضية بأسرها.
وعلى الجانب الآخر، فإن النظرية الثانية عزت نشأة العصر الجليدي إلى تغير محتوى الجو من ثاني أكسيد الكربون والمواد العالقة. وإن كانت هذه المؤثرات لها طبيعة كيميائية، ولكن تأثيهرا كان فيزيائيا، متمثلا في حجب طاقة الشمس عن الكرة الأرضية.
والسؤال المطروح الآن هو: هل يستطيع الإنسان من خلال أنشطته المختلفة أن يؤثر في المحيط الحيوي تأثيرا شموليا عاما، كما حدث من قبل في الحقب الجيولوجي الرابع؟
ويبدو أن الإجابة عن هذا السؤال تأتي من إدراك أن التاثيرات الناتجة عن أنشطة البشر، وما لها عواقب بيولوجية (نتيجة إزالة الغابات الجور على الأراضي الزراعية الخصبة، الطلب الشديد على الحيوانات ذات النفع الغذائي للإنسان..الخ)
وأيضا لها عواقب أو تأثيرات كيميائية نتيجة إلقاء المخلفات الصناعية والزراعية، سواء كانت صلبة أو سائلة أو غازية المجاري المائية أو في الهواء.
إن الجور على الأراضي الزراعية، وتحويلها إلى مدن سكنية، بالرغم من كونه تاثيراً بيئياً لا يحدث إلا في بعض الدول، فإنه يؤثر سلبيا في المساحات الخضراء، وتنوع المزروعات.
ولا يوجد أدنى شك في أنه إذا امتد هذا النشاط المحموم من قبل الإنسان ليشمل مناطق كثيرة من الأرض، فإن اضراره ستؤثر في بيئة العالم أجمع.
ومن الجدير بالذكر أن تجريد الأراضي من بساطها الأخضر – هو من الناحية العلمية تأثير بيولوجي – ينعكس اثره على القوانين الحرارية للأرض نتيجة للتغير في كمية الأشعة المرتدة من سطح الأرض، ومن ثم فإن إزالة الغابات والمساحات الخضراء يؤدي إلى تغيرات شاملة تعترى مناخ الارض.
كما أن الاعتداء على المساحات الخضراء يزيد من معدلات تلوث الهواء، ويكون لذلك أثر سلبي في مناخ العالم ككل على المدى البعيد.
فملوثات الهواء تكون في الغالب مواد كيميائية، لها تأثيرات سلبية مرهونة بنوعها وتركيزها ومدة بقائها في الهواء الجوي.
وابسط مثال على ذلك الأمطار الحمضية التي تهلك مساحات شاسعة من الغابات والأراضي الزراعية، خصوصا في الشمال الغربي لأوربا، فمدة بقاء أكاسيد الكبريت والنتروجين في الهواء (عدة أيام) تسمح بانتشارها عبر الحدود، ولكن لا يمتد أثرها ليشمل العالم.
أما إذا زادت نسبة المواد العالقة من غبار وأتربة ومجموعة الغازات الحابسة للحرارة، وظلت لفترات طويلة منتشرة في الفضاء، فإنها تؤثر في الاتزان الحراري للأرض، ويكون تأثيرها في هذه الحالة شموليا، حيث يتأثر به العالم أجمع.
ويندرج تحت هذه النوعية من الملوثات غازات منها: ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكسيد النتروز وغيرها.
ويتجاوز أثرها الفيزيقي أثرها الكيميائين حيث يتضح أثرها الفيزيفي في الاحتباس الحراري الشامل والموحد على نطاق الكرة الأرضية ككل، ويترتب عليه تغيرات جوهرية في بيئة الأرض ولا سيما مناخها.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]