البغدادي وموسوعته العلمية يجوبان العالم
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول
صبري الدمرداش
KFAS
البغدادي موسوعة العلمية التاريخ المخطوطات والكتب النادرة
كان البغدادي كثير التنقل دائم الترحال بين مختلف البلدان العربية والإسلامية المشهورة بعلمائها، مثل الموصل ودمشق والقاهرة والقدس؛ كي يتتلمذ عليهم.
فقد رحل إلى مصر ولقي علماءها، مثل ياسين السيميائي (أي المشتغل بالكيمياء) وموسى بن ميمون وكان طبيباً، وغيرهما.
ثم رجع إلى دمشق وأقام فيها زمناً، ثم تركها وعاد إلى مصر مشتغلاً بالتدريس في الأزهر في عهد العزيز حفيد صلاح الدِّين.
وقد وصف عالمنا المجاعة القاتلة التي حلَّت بمصر عام 1200م بسبب عدم فيضان النيل في ذلك العام، وكان ذلك في عهد الملك العادل، كما وصف زلزالاً مدمِّراً حل بها… مجاعة وزلزال – أقسى بلاء! ويبدو أن رحلته إلى مصر تركت في نفسه أثراً كبيراً فظلَّ يذكرها في كتبه ورسائله ومقالاته.
تحدَّث عن النيل والأهرام، واعتبرها معجزة الدهر، وذكر محاولة هدمها في زمن العزيز بن عثمان بن صلاح الدِّين، كما أثنى على قراقوش إذ كان رجلاً عظيماً خلَّد أعمالاً زاهرة في مصر. مثل بناء أربعين قنطرة من حجارة الأهرام كانت من العجائب.
كما أنه كان مصلحاً كبيراً، قضى على كثيرٍ من المظالم والمفاسد. كما أثنى على قدماء المصريين لما رأى من أعمالهم في صعيد مصر من عجب.
وقد أسهب في وصف نباتات مصر وحيواناتها، وأودع كل ذلك كتابه الشهير (الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحواث المعاينة بأرض مصر).
ثم رحل إلى بيت المقدس لمقابلة صلاح الدِّين الأيوبي ليهنئه بانتصاره على الصليبيين، حيث وصفه في هذه المقابلة، ثم إلى دمشق مرة أخرى.
وكان البغدادي يحمل معه من الكتب ما استطاع، ويضيف ويؤلِّف ويكمل ما ابتدأ به أنَّى حل وأقام. وكان شديد الذكاء، سريع الحفظ، واسع الاطلاع، غزير المعرفة، معتداً بنفسه، صريحاً جريئاً لاذعاً مما جعل الكثيرين يهاجمونه ويتحاملون عليه، وعُرف عنه تعصُّبه لعلماء العرب وخاصة العراقيين منهم يُعلِّى من قدرهم ويبالغ في تعظيمهم.
ورغم أنه كان علماً من أعلام النُّحاة, ومحدِّثا تخرج على يديه نفر غير قليل من المحدِّثين، وبليغاً في علوم البلاغة، فإن هذا الجانب الفقهي الخالص كان أضعف جوانبه! إذ قيمته تكمن كلها في العلوم العقلية كما كانت تسمى من : طبٍ، وحيوانٍ، ونباتٍ، وفلكٍ، وفلسفةٍ، وجغرافيا، وتاريخ .. كان موسوعة تمشي على قدمين!.
والبغدادي جُملةً عالم فذ ومن أعظم الموهوبين في عصره، ساهم بجهدٍ في جميع فروع المعرفة. وكان مستقلاً في الرأي، لا يأخذ بما سلَّم به علماء العرب من آراء علماء اليونان من مثل جالينوس في الطب وديسقوريدس في النبات وأرسطو في علم الحيوان وغيرهم، منتهجاً منهج ابن الهيثم وابن سينا في اعتمادة على الملاحظة المقصودة والمشاهدة المتأنية والتجربة العلمية المضبوطة والاستنباط المنطقي الدقيق وصولاً للحقيقة.
وكان عالمنا من الذين لا يملون القراءة، يقضي معظم وقته في مراجعة الكتب التي ألَّفها كبار علماء العرب، كالغزالي وابن سينا وابن حيَّان وابن وحشية وغيرهم.
فمثلاً أكبَّ على كتب الغزالي (المقاصد) و (معيار العلم) و (ميزان العمل) و (محك النظر) حتى إذا ما فرغ من الغزالي انتقل إلى كتب ابن سينا، صغارها وكبارها، فحفظ كتاب (النجاة) ونسخ كتاب (الشِّفاء) وبحث فيه. حتى إذا ما فرغ من ابن سينا انتقل إلى ابن حيَّان ثم ابن وحشيِّة، وهكذا!.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]