الكيمياء

التجارب الكيميائية التي أجراها “سينجر” لمعرفة مكونات جزيء الإنسولين

2002 في رحاب الكيمياء

الدكتور نزار رباح الريس , الدكتورة فايزة محمد الخرافي

KFAS

مكونات جزيء الإنسولين سينجر الكيمياء

كان أستاذ الكيمياء البريطاني فردريك سينجر (F. Sanger) يجمع بين الصبر والأناة وصفات المخبر السري إضافة إلى قدراته العلمية . 

وقد تمكن من تحقيق نصر باهر جعل كل علماء الكيمياء الحيوية يعترفون بقدراته ومكانته .  ويتمثل إنجازه العظيم في نجاحه في توضيح تركيب "الإنسولين" الذي يتكون من 51 حمضاً أمينياً .

إن معرفة تركيب المواد الطبيعية ذات النشاط البيولوجي هو غاية في الأهمية ، لأن هذه المعرفة تساعد على اصطناع هذه المركبات التي قد تكون نادرة الوجود مثل الإنترفيرون . 

وعلاوة على ذلك فإن معرفة تركيب هذه المواد يساعد على تقدم علم الهندسة الوراثية الذي يبدو مستحيلاً دون معرفة تركيب مكونات الخلايا في الكائنات الحية .

 

إن الصعوبة البالغة للمهمة التي قام بها سينجر تتجلى في أنه بدأ في دراسة تركيب الإنسولين دون أن تتوافر لديه أية معلومات سابقة ، ولم يكن أحد يعرف عدد السلاسل التي يتكون منها هذا الجزيء . 

وقد اعتقد الكيميائيون سابقاً أن الوزن الجزيئي للإنسولين هو 12000 والذي حصلوا عليه من جراء ارتباط جزيئين منه ارتباطاً فيزيائياً .  ولقد استنتج سينجر من تجاربه أن سلاسل الأحماض الأمينية للإنسلوين ترتبط مع بعضها بواسطة قناطر كبريتية .

وقد تمثل مفتاح النجاح بالنسبة لسينجر في العدو اللدود لأصحاب السيارات وهو الصدأ ، والذي يحدث نتيجة تأكسد الحديد . 

وهكذا قام سينجر بإجراء تجربه قلد فيها ما يحدث للحديد عندما يصدأ ، وذلك عبر أكسدة الكبريت المتواجد في جزيئات الإنسولين باستخدام فوق حمض النمل ، حيث يقوم هذا الحمض بكسر القناطر الكبريتية وتحويل حمض السيستين إلى حمض سلفون السيستين وهكذا تمكن سينجر من فصل جزيء الإنسولين إلى سلسلتين مختلفتين . 

 

ومن خلال دراسة تركيبهما وتحليلهما توصل للوزن الجزيئي الحقيقي للإنسولين وهو 6000 وليس 12000 كما كان يظن من قبل .  وبعد إجراء مزيد من الاختبارات على سلسلتي الإنسولين وجد سينجر أن السلسلة "أ" هي سلسلة حمضية تحمل شحنة سالبة ، في حين أن السلسلة "ب" هي سلسلة قاعدية تحمل شحنة موجبة . 

ومع أن السلسلتين قد انفصلتا عن بعضهما البعض ولم تعودا مرتبطتين بالقناطر الكبريتية ، إلا أنهما يشكلان خليطاً مع بعضهما البعض بسبب الشحنتين المتضادتين اللتين تحملانهما .  وهنا تساءل سينجر كيف يمكن فصل هاتين السلسلتين من خليطهما والحصول على كل واحدة منهما على حدة ؟

 

وقد توصل إلى أن السلسلة "ب" صعبة الذوبان بينما السلسلة "أ" سهلة الذوبان ، وهكذا ، وبعد إضافة المذيب تمكن من ترسيب السلسلة (ب) وفصلها عن السلسلة (أ) التي ذابت في المذيب .

وكانت الخطوة التالية في رحلة سينجر مع الإنسولين هي التعرف على تركيب كل من هاتين السلسلتين .  وجاءت البداية في حلمأة كل من السلسلتين في وسط حمضي ، ولكن هذه الطريقة لم تؤدي إلى النجاح المطلوب.

 

فلجأ بعدها إلى الحلمأة باستخدام الإنزيمات كعوامل مساعدة ، وتمكن من تكسير السلاسل إلى بيبتيدات صغيرة قام بفصلها عن بعضها باستخدام كروماتوغرافيا الورق حيث تمكن من فصل العديد من البيبتيدات المختلفة عن بعضها البعض . 

لكن هذا لم يكن كافياً للتعرف على تركيب الإنسولين ، إذ لا بد من التعرف على تركيب هذه البيبتيدات التي حصل عليها من حلمأة الإنسولين ، وهنا تمكن سينجر من التغلب على هذه العقبة بطريقة فذة عن طريق استخدام مادة تتفاعل بسهولة مع الأطراف الأمينية للبيبتيدات وهي ثنائي نيترو فلوروبترين.

وهكذا تمكن من التعرف على مكونات هذه البيتبيدات من الأحماض الأمينية وترتيبها في السلسلتين ، فتمكن بذلك من تحديد تركي كل من هاتين السلسلتين .

 

وبقي أمام سينجر أن يحدد الكيفية التي تربط بها هاتان السلسلتان لتكونا جزيء الإنسولين .  وهنا أعاد سنجر دراسته لتركيب كل من السلسلتين .  ولاحظ أن السلسلة "ب" تحتوي على جزيئين من الحمض الأميني سيستين ، وأن السلسلة "أ" تحتوي على أربعة جزيئات من هذا الحمض الأميني .  

وهنا استنتج سنيجر أن السلسلتين ترتبطان من خلال قنطرتين من ثنائي الكبريتيد باستخدام كبريت جزيئي سيستين من كل منهما، وأن جزيئي السيستين المتبقيين في السلسلة "أ" يكوّنان قنطرة داخلية ، أي في نفس السلسلة .

 

ولم ينته الامر عند هذا الحد ، إذ كان على سينجر أن يحدد مكان ارتباط السلسلتين وموقع القناطر الكبريتية .  ومن أجل التوصل لذلك قام سينجر بإجراء العديد من التحاليل والتجارب التي استخدم فيها كل خبراته وقدراته إلى أن توصل إلى الحل المنشود وتمكن من التعرف على التركيب الكامل لجزيء الإنسولين .

وهكذا حقق سينجر هدفه الذي سعى إليه ولكن بعد مرور عشر سنوات من العمل المضني والمتواصل وكان هذا الإنجاز فتحاً جديداً في عالم الكيمياء الحيوية نال تقدير وإعجاب المجتمع العلمي ، واستحق عليه جائزة نوبل في الكيمياء بعد ثلاث سنوات من إعلان نتائجه .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى