الحتمية الوراثية
2013 لمن الرأي في الحياة؟
جين ماينشين
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
عندما كان مشروع الجينوم البشري الخبر العلمي اليومي، أصبح كثير من الأشخاص مشوّشين بشأن الجينات والمجموعات الجينية، بحيث نسوا موضوع الكائنات الحية.
وتغافلوا عن البيئة التي تكون فيها هذه الجينات مهمة، وأغفلوا حتماً تعقيدات التطوّر والتمايز. لقد كان كثير ممن دخلوا بحماسة سباق الجينوميات متخصصين في البيولوجيا الجزيئية، ومنغمسين في التقنيات الجزيئية وطقوس المختبر.
لم يكن يهمّهم إذا كانوا يدرسون ذباب الفاكهة، أو الديدان المسطّحة، أو الخراف، أو البشر. وبعض هؤلاء الاختصاصيين لم يدرسوا عن البيولوجيا العامة إلا القليل، ولا يعرفون إلا القليل عن الكائنات الحية، والقليل عن التطوّر، ولا شيء على الإطلاق عن الأخلاق والتأثير الاجتماعي للعلم. لقد كانوا خبراء، وخبرتهم في علم الوراثة الجزيئي.
ليس هناك ما يضير في ذلك، باستثناء أننا بحاجة أيضاً إلى خبراء يستطيعون الترجمة بين مجالات الخبرة المختلفة. ونحتاج إلى من يذكّرنا بأن علم الوراثة ما هو إلا جزء صغير من الحياة.
وكما أشار ويلموت واختصاصيون بارزون آخرون في البيولوجيا، مثل ريتشارد ليونتين (Richard Lewontin) ، مراراً وتكراراً وبصبر وربما بحزن عندما بدا أن الناس غير مستعدّين للاستماع: الحياة ليست جينات، الحياة لا تبدأ وتنتهي بالجينات، والجينوم لا يعرّف الحياة، ولا يستطيع أحد نسخ الحياة. وقد ذكّر فيلسوف العلم فيليب كيتشر (Philip Kitcher) قراءه في مختلف السياقات أنه "لن يكون هناك تكرار لك البتة". ومن المهم جداً إدراك ذلك.
مع ذلك أسرع الجمهور والصحافة إلى الاستنتاجات على الفور. النسائل نسخ، نسخ وراثية، لذا يجب ألا تكون إلا نسخاً عن كائنات حية أخرى. وعنى ذلك أنهم أسرعوا إلى الاستنتاج بأن النسيلة توأم وراثي. غير أنه توأم متأخّر في الزمن، لأن أحد التوأمين أكثر تقدّماً في التطوّر من الآخر. ولا يفترض بالطفل أن يكون الأخ الوراثي للرجل.
إن تصوّر الأمر بهذه الطريقة – هذه الطريقة غير الدقيقة والمضلّلة تماماً – يجعل الاستنساخ يبدو غريباً حتماً. بدا الأمر مستهجناً للعديدين الذين رأوا أن الشخص المستنسخ سيفقد استقلاله.
وبالنظر إلى التركيز الاجتماعي السياسي الحالي على الحتمية الوراثية، فإن بعض العلماء الذين يعلمون أكثر من غيرهم يتحدّثون أيضاً كما لو أن الجينات هي التي تحدّدنا، كما لو أنه إذا كان لشخصين الجينوم نفسه فيجب أن يكونا الشخص نفسه بمعنى ما.
يبدو أن الفكرة تهدّد الاستقلال وتجعل الناس عصبيين. ومثل هذه الاستجابات لم تكن فقط ردود الفعل الطوعية والجاهلة لجمهور يفتقر إلى المعلومات، لأننا نستطيع أن نشير إلى العلماء الذين قالوا أشياء مماثلة عن قوة الجينوم في أثناء المناقشات بشأن التمويل العام لمشروع الجينوم.
ضغط اختصاصيو الوراثيات الجزيئية واختصاصيو الكيمياء الحيوية بشدّة لصالح الأهمية المركزية للجينوم، كما لو أن معرفة سلاسل الجينات يمكن أن تحل المشاكل الطبية. وانضم اختصاصيون آخرون في الوراثيات الجزيئية ربما يعرفون أو لا يعرفون أكثر إلى إجراء البحوث. ربما كان بعضهم يؤمن بأن الجينات أساسية في تحديد حياة كل فرد، كما بدا لي سيلفر وكما اقترح ريتشارد دوكنز في معظم محاجّاته بأن الجينات والتطوّر يشكّلوننا. لذا لم يكن من المفاجئ أن يسارع الجمهور إلى الاستنتاجات ومساواة نسخ المعلومات الوراثية بنسخ الأشخاص.
بعض العلماء الذين يفترض أنهم يعرفون أكثر والذين كان في وسعهم المساعدة استجابوا للاستنساخ بالتشديد على أن التوأمين أكثر تشابهاً من الناحية الوراثية من النسائل، لأن النسائل في النهاية تختلف في الدنا الميتوكوندري للأم. لكن هذه المقولة أغفلت المراد وحافظت على التشديد المضلّل على الجينات نفسها. الحياة لا تتعلّق بالجينات وحدها.
ولا يسعنا إلا تكرار ذلك. أدرك ذلك توماس موراي (Thomas Murray) الذي استدعي للشهادة أمام جلسة استماع للكونغرس باعتباره رئيس مركز هاستنغز للأخلاقيات البيولوجية في نيويورك. ومع أنه أصيب باضطراب بسبب مقتل ابنته قبل عدة أشهر فقط، فقد أقرّ بأن الاستنساخ لا يمكن أن يعيدها. وتحدّث في مقالة افتتاحية بحكمة كبيرة عن البيولوجيا البشرية. "عن أن الشيء الوحيد الذي يمكننا التيقّن منه هو أننا أكثر بكثير من مجموع جيناتنا" لأن "كلاً منا مزيج من الحظ والخبرة والوراثة.
ففي الرحم حيث يوجد الجنين، ما تأكله الأم أو تشربه، والضغوط التي تكابدها، وسنها – كل ذلك عوامل تؤثّر في تطوّر الجنين. الجينات نفسها تؤدّي رقصة مصمّمة بدقّة، حيث تنشّط وتسكّن، وتبلّغ جينات أخرى بعمل الشيء نفسه استجابة لإيقاعاتها الداخلية ولنبضات العالم الخارجي. ولا يزال كيف نصبح ما نحن عليه لغزاً غامضاً".
وكما قال موراي في 5 آذار/ مارس في شهادة أمام اللجنة الفرعية للتكنولوجيا في مجلس النواب، "الأخلاق الصالحة تبدأ بالوقائع الصالحة". من المدهش أن بعض اختصاصيي البيولوجيا الجزيئية المتحمّسين جداً لمشروع الجينوم لم يكن لديهم خبرة جيدة في الوقائع التطوّرية.
كما أن العديدين يفضّلون عدم مناقشة قضايا مثل العواقب الاجتماعية أو الأخلاقية للاستنساخ أو بحوث الخلايا الجذعية، قائلين إنهم علماء يعملون في المختبر وينتجون معرفة "خالصة" و"موضوعية".
ويؤكّد هؤلا العلماء أن تفسير كيفية استخدام العلم يرجع للآخرين. يبدو ذلك جيداً، لكن إذا كان كل عالم على هذه النحو طوال الوقت وفي جميع الأوضاع، فسيكون محكوم علينا بأن يتخذ القرارات من يفتقر إلى المعلومات العلمية أو حتى الأميين في العلوم.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]