الحجارة الكريمة: استخداماتها في الحياة وأهمية الشوائب المتواجدة في مكوناتها
2013 الرمل والسيليكون
دنيس ماكوان
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
منذ بداية التاريخ المدوّن، أسبغت كل حضارة أهمية كبرى على المجوهرات كرمز للمكانة والازدهار، ولعل ما يجعل الحجارة الكريمة واحدة من ثروات الطبيعة هو ألوانها المتلألئة.
لقد برهنت علوم القرن العشرين على أن الألوان تنتج عن آثار من الشوائب في بلورات تكون مثالية من وجه آخر.
وفي مقابل الحجارة الكريمة، تعتبر جذاذة الحاسوب جوهرة فيزياء القرن العشرين حيث تُصنَّع كتلة البناء الأساسية في الصناعة الإلكترونية، أي الترانزستور، بإضافة كميات آثار من أجهزة الإشابة إلى بلورات السيليكون فائق النقاوة.
ناقش الفصل الأخير انتزاع الشوائب العشوائية التي تتواجد في المواد عند تنميتها، ويناقش الفصل الحالي كيف يكتسب الكوارتز والسيليكون بفضل إضافة آثار من أجهزة محددة، أجهزة الإشابة، القيمة كحجارة كريمة صنعية وكجذاذات حاسوب فريدة نعتمد عليها.
خلال آلاف السنين، اكتشف الإنسان عدداً لا حصر له من الفلزات المختلفة حيث تسمى الفلزات الأجمل والأقسى والأكثر ندرة بالحجارة الكريمة التي صُنِّفت عند بداية اكتشافها بالاعتماد على مظهرها الخارجي، أي تناظر ولون البلورات، وأعطيت أسماءً مثل الجمشْ (Amethyst) والعقيق (carnelian) واليشب* (Jasper). وفي الأزمنة الحديثة، انتهى العلميون إلى أن عدداً من الحجارة الكريمة يتمتع بنفس تركيب وبنية السيليكا وأنها تختلف عن الرمل فقط في شكلها ولونها وفي الحقيقة في شوائبها.
وقديماً خلال الألفية الثانية قبل الميلاد، صنع البابليون المجوهرات من العقيق (agate) والينع والجزْع (العقيق اليماني (onyx)) والكوارتز الدخاني المظهر (Aruz et al. 2008)، وهناك الحجارة الكريمة التي تُعلَّق على الثياب الاحتفالية المزينة والدرع المرصع بالجواهر الذي يحمله كبار الكهنة، ولعلّ أهم هذه الأحجار الكريمة بخلاصة القول هي: الجمشْت والعقيق واليشب والجزْع والصرد (عقيق أحمر برتقالي (sardius)) من الرمل.
ويعدد كتاب الوحي (21، 19-21) الحجارة الكريمة التي تزين أساسات جدران القدس وتشتمل على الجمشْت والينع والحجر شبه الكريم الأخضر الفاتح (chrysoprase) واليشب.
وفي الأزمنة الحديثة، يُنسَب حجر ميلاد كريم لكل شهر ويرتبط بعضها بالرمل مثل الجمشْت (شباط/ فبراير) واليشب الأحمر (آذار/ مارس) والجزْع العقيقي (sardonyx) (آب/ أغسطس) والأوبال (تشرين الأول/ أكتوبر).
من أجل توضيح كيف أظهرت فيزياء القرن العشرين التشابهات والفوارق بين الحجارة الكريمة القائمة على الرمل، لنعتبر مجموعة حجارة الكوارتز الكريمة في الشكل 1.4، ومع أنها مختلفة عن بعضها، تُظهر دراسات انعراج الأشعة السينية أن كل حجر كريم يمتلك نفس بنية الرمل (الكوارتز- ألفا).
إنها تختلف في ألوانها، وإذ تكون البلورة الصخرية عديمة اللون، فإن الجمشْت بنفسجي مائل إلى البني وحجر السيترين (citrine) أصفر اللون.
وترجع هذه الفوارق إلى الشوائب المحتبسة في الكوارتز.
إذا ظهر الجمشْت أرجوانياً أمام عيوننا، عندها، تمتص البلورة الألوان الأخرى في الضوء المرئي. وكما سيتم مناقشته في الفصل الخامس، يجزء الضوء في وحدات من الطاقة تسمى الفوتونات، وتتناسب طاقة الفوتون عكسياً مع طول موجته.
ويُمتَص الفوتون في المادة بانتقال طاقته إلى إلكترون ينتقل بدوره إلى طاقة أعلى أو إلى حالة مستحثة. وفي النظرية الكوانتية للأجسام الصلبة التي طُورت في أعوام 1930، لا يمكن لطاقة الإلكترون في البلورة أن تمتلك قيمة عشوائية، وهناك قيم طاقة مسموحة تقع في ما يسمى "عصابات الطاقة المسموحة" التي يفصل بينها الطاقات غير المسموحة المسماة "فجوات الطاقة".
في عازل مثل الكوارتز، تملأ الإلكترونات كل حالات الطاقة المسموحة في عصابات الطاقة الأخفض. ولكي يحدث امتصاص الفوتون، يجب أن يمتلك الطاقة الكافية لرفع الإلكترون من داخل عصابة مشغولة إلى عصابات غير مشغولة.
تبلغ فجوة الطاقة في الكوارتز 10.2 eV (الإلكترون فولط eV هو الطاقة الحركية المكتسبة بواسطة إلكترون حر مُسرَّع في فرق فولطية كهربائية قدرها 1 فولط) وهذا ما يوافق طول موجة قدره 122 نانومتر (النانومتر nm هو واحد من ميليار من المتر).
ويتألف الضوء المرئي من ضوء تقع أطوال أمواجه بين 380nm و760nm. وحيث أن أطوال الأمواج هذه أطول من 122nm، فإن الكوارتز النقي لا يمتص الضوء المرئي.
تكون البلورة الصخرية عديمة اللون لأنها من الكوارتز النقي، وتأتي ألوان الجمشْت والسيترين من كميات قليلة من شوائب الحديد المحتبسة في البلورات خلال النمو.
ويمكن لهذه الشوائب أن تمتص الضوء المرئي لأن عصابات طاقتها تتقارب فيما بينها ولأن فجوات طاقتها توافق أطوال أمواج تتقاطع مع أطوال أمواج الضوء المرئي.
يُحتبس الحديد في الكوارتز وفق ثلاث طرائق، فذرات الحديد يمكن أن تحل محل ذرة سيليكون في بلورة كوارتز (مواقع استبدالية) أو يمكنها أن تقع في أنفاق بنية الكوارتز (مواقع ما بين المواقع).
أخيراً، يمكن أن يتواجد مناطق مجهرية من أوكسيد الحديد الموزعة داخل بلورة الكوارتز. وتمتص كل من هذه الأنواع المختلفة من مواقع الحديد الضوء في حيزات أطوال أمواج مختلفة (Rossman 1994).
في الجمشْت، تحتل شوائب الحديد مواقع استبدالية وما بين المواقع على السواء، لكن، من أجل أن تمتص الضوء، يجب أن تتعرض بلورة الجمشْت إلى اشعاعات مؤيِّنة (أشعة سينية أو أشعة غاما).
وفي الجمشْت الطبيعي، تأتي الإشعاعات من الأشعة الكونية ومن التفكك الإشعاعي للفلزات المشعة المجاورة خلال النمو. وتتعرض بلورات الجمشْت الصنعية للتشعيع مباشرة خلال الإنتاج.
يؤدي التشعيع إلى إعادة تنظيم معقدة للإلكترونات بين شوائب الحديد التي تحتل مواقع شبكية أو التي تقع بين مواقع شبكية.
ويمتص ما يسمى المراكز اللونية الناتجة الضوء عند حيزات أطوال أمواج تتمركز في عصابات حول 357nm و545nm و950nm. وبالنتيجة، لا يحصل امتصاص أطوال الأمواج بين هذه العصابات (أطوال الأمواج حول 460nm و720nm) مما يعطي الجمشْت لوناً بنفسجياً مائل إلى البني.
تفقد بلورات الجمشْت ألوانها مع الزمن لأن المراكز اللونية تصبح غير مفعَّلة، كما ينتج عن تسخين بلورات الجمشْت إلى عدة مئات من الدرجات المئوية فقدان اللون البنفسجي المائل إلى البني و تحول اللون إلى أصفر حجر السيترين.
في حجر السيترين، تكون شوائب الحديد على شكل جسيمات مجهرية من أوكسيد الحديد التي تمتص الضوء عند أطوال أمواج أصغر من 500nm تقريباً (فجوة الطاقة في أوكسيد الحديد) مما يعطي حجر السيترين اللون الأصفر.
إن هذه الفوارق الطفيفة في البنية الالكترونية لشوائب الحديد في الكوارتز هي التي تعطي الجمشْت وحجر السيترين ألوانها. ويعتبر ذلك توصيفاً مبسطاً، لكنه يوضح كيف يفسِّر ميكانيك الكم امتصاص وإصدار الضوء من مواقع الشوائب اكتساب حجارة الكوارتز الكريمة ألوانها.
إنها الشوائب المكون المفتاحي في تشكيل الحجارة الكريمة، وإنها الطبيعة التي تُنجز هذا الفعل الفاتن في توزيع الشوائب كي تمنحها حُلّة الألوان. وخلال القرن العشرين، تعلَّم العلميون كيفية تنمية تنوعٍ واسع من الحجارة الكريمة الصنعية بالتحكم بتركيز الشوائب.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]