الزمن والهندسة
2014 أبجدية مهندس
هنري بيتروسكي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
الزمن والهندسة (Time And Engineers). كان عليَّ، قبل سنوات، أن أذهب للقاء مهندسٍ تَحوّلَ إلى محامٍ في لندن وذلك في محكمة إنز (Inns of Court). وكنت ضيفه في لقاء جمعية قانون البناء، الذي كان يُعقد في قاعة ميدل تمبل بار (Middle Temple Bar) للمحامين، وأراد أن نقوم بجولة في محكمة إنز أولاً. وقد ترك اتجاهات محددة تقود إلى البوابة التي كنا سنلتقي عندها في السادسة مساءً، واتخذت لنفسي الكثير من الاحتياطات لأكون هناك في الوقت المحدد، باستخدام ميترو الأنفاق والسير بعدها مسافة عدة بنايات.
مع اقترابي من البوابة في الوقت المحدد، رأيت مستضيفي يقترب منها من جهة أخرى. لوّحنا لبعضنا وتصافحنا في السادسة تماماً. كانت كلماته الأولى هو أنه كان يعرف أنني سأكون هنا بلا أي تأخير لأنني مهندس. فالمهندسون والعلميون يحترمون الوقت. أما المحامون ومحامو المحاكم العليا، قال متذمراً، إنهم لا يصلون في الوقت المحدد إلى مواعيدهم أبداً، ولا ينهون مرافعاتهم في الوقت المخصص لهم أبداً.
لسنوات بعد لقاء لندن، كنت أبحث عن حالات أستطيع فيها اختبار صحة فرضية زميلي. وجاءتني الفرصة أخيراً في ورشة عمل عن الإثبات العلمي في بناء الأكاديمية الوطنية للعلوم(National Academy of Sciences) في واشنطن. تألف برنامج اليوم من عدة جلسات نقاش، كان فيها مديرو النقاش والمتحدثون والمعلّقون إما محامين أو علميين أو مهندسين. وكان برنامجاً حافلاً شارك فيه نحو عشرون متحدثاً، لذا كان من المهم بمكان أن يحافظ كل متحدث على الوقت المخصّص له لكي يتمكن الجميع من إسماع صوتهم. ولم أكن على علم بالوقت المخصص للمتحدثين؛ ولكن سرعان ما أصبح واضحاً للحضور أنه قد تم تجاوز الوقت من العلميين والمحامين على حد سواء.
كان من أوائل المتحدثين اختصاصيو الوبائيات والسموميات، وهؤلاء العلميون عرضوا مواضيعهم باستخدام برمجيات العرض الحاسوبية، باويربوينت (PowerPoint)، ولكن سببتْ مشاكل جهاز العرض تشتتاً وضياعاً كبيراً في الوقت لسوء الحظ، وبدأ البرنامج يتأخر عن المتوقع. وعلى الرغم من أن آخر متحدث في أول جلسة نقاش كان محامياً تحدث من دون استخدام مساعدات بصرية، لكن ذلك استغرقه وقتاً أكثر من الوقت المخصص له.
عندما يبدأ متحدّث ما بتجاوز الوقت من دون خلاصة قريبة، يقوم مدير الجلسة بالتحرك إلى يسار شاشة العرض سائراً ببطء من ورائها إلى اليمين حيث منصة المحاضر ليترك له قصاصة ورقية ومن ثم العودة إلى مكانه. وإذا تابع المحاضر لدقائق أخرى، كما يفعل الكثيرون، يكرر مدير الجلسة من كرسيه رحلته المتأنية عبر المنصة ليبقى واقفاً وراء المحاضر، وهو ما لا فائدة منه في بعض الأحيان.
هذا النمط سيتكرر في الجلسات التالية، وهو ما يبدأ الحضور باستغرابه، وربما بالتلهي، نتيجة هذه العلاقة بين المتحدث ومدير الجلسة. حيث إن مديري الجلسات يذهبون للوقوف طوعاً وبصمت خلف المتحدثين؛ مما ينجم عنه رد فعل يتراوح بين تجاهلهم التام إلى إضاعة وقت أكثر يشرح فيه سبب حاجته إلى وقت إضافي. نجحت إدارة ورشة العمل احترام البرنامج الزمني إلى حد ما وذلك بتحديد عدد أسئلة الحضور، واختصار فترات الاستراحة، وتقصير الفترة المخصصة لوجبة الغذاء.
بالنسبة لاختبار فرضية زميلي اللندني، يجب عليّ القول بأن ورشة العمل أثبتت إجمالاً المثال المضاد. فقد بدا لي أن العلميين والمحاميين على السواء تكلموا بأكثر مما كان مخصصاً لهم. واحد من المهندس؛ الوحيد الذي كان في الجلسة بدا وكأنه تحدّث بدقة وكان يراقب الوقت، ولكنه كان حالة بيانية وحيدة.
لكن تجربتي كانت أن المهندسين أيضاً لا يحترمون الوقت، وخاصة وقت الآخرين. ومن بين الشكاوى التي سمعتها من طلاب الهندسة هي تأخّر بعض الأساتذة دائماً في الوصول إلى الصفوف واسترسالهم في المحاضرة إلى ما بعد نهاية الوقت المخصص، مما يسّبب للطلاب التأخّر عن الدروس التالية.
طريقة أخرى يمكن ألا يُحترم فيها الوقت تكون بتأخير بدء الدرس أو المحاضرة أو ورشة العمل، بانتظار المتأخرين. وفي هذا استسلام للمتأخرين ومعاقبة من احترم الوقت. وعندما يعلن أن حلقة بحث ستبدأ في ساعة ما، يجب أن تبدأ عند الوقت المعلن بحيث يمكن للمتكلّم أن يستفيد من الوقت المخصص له تماماً من دون الطلب من هؤلاء الذين أتوا للاستماع للبقاء لمدة أكثر من المتوقّع. ويبدو أن العادة الأوروبية هي أن يبدأ البرنامج خمس عشرة دقيقة أو ما يقارب بعد الوقت المعلن، وبذلك يصل كل من يعرف ذلك متأخراً. ومهما كانت العادة فإن على المحامين والعلميين والمهندسين على السواء أن يفكروا في أن الوقت الذي يأخذوه وهو ليس وقتهم، سواء كان في لقاء زملاء أو في الصف أو في ورشة العمل. مأخوذ بتصرف من مقال: "Taking Time," ASEE Prism, March 2001, p. 13.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]