الرياضيات والهندسة

السطح السلسليّ والسطح اللّولبيّ

2000 الرياضيات والشكل الأمثل

ستيفان هيلدبرانت و انتوني ترومبا

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الرياضيات والهندسة الهندسة

درسنا في البنود السابقة سطوحاً أصغرية محدودة بمنحن مغلق واحد؛ أما الآن فإننا سنبحث في السطوح الأصغرية التي لها منحنيان حدوديان أو أكثر. وتقابل هذه السطوح ذات المساحات الأصغرية أغشية صابونية محدودة بعدة أسلاك.

ترى، ما الذي يحدث إذا قمنا بغمر سلكين مغلقين في محلول صابوني ثم سحبناهما منه؟ قد نحصل إذ ذاك على غشاءين صابونيين منفصلين، كل منهما داخل سلكه، ولكنه يحتمل إن حالفنا الحظ أن نرى غشاء صابوني مترابطاً واحداً محدوداً بكلا السلكين، كما هو مبين في اليسار. هذا وإن للغشاءين الصابونيين المرتبطين المصورين هنا نفس النمط الطبولوجي الخاص بالطوق annulus  الذي له نفس النمط الطبولوجي لكرة ذات ثقبين (انظر الشكل c في الصفحة 95).

وإذا حاولت إجراء هذه التجربة بنفسك، فقد تجد من المستحيل الحصول على هذين السطحين حين يكون السلكان متباعدين كثيراً؛ وحتى لو كانا متقاربين، فقد لا تحصل على فقاعة صابونية مترابطة ملساء، بل تحصل بدلاً من ذلك على منظومة من ثلاثة سطوح أصغرية، كما هو مبين في أعلى الصفحة التالية.

 

 ولما كان مثل هذه المنظومات من الأغشية الصابونية غير وارد في قائمتنا للسطوح الرياضياتية التي يمكنها أن تمتد على محيط حدودي، فإننا نجد أنفسنا مرغمين ثانية على توسيع تعريفنا للسطح. وفي التوازنات المستقرة، تتمتع الأغشية الصابونية بخاصة تتجلى في أن ثلاثة فقط من السطوح يمكن أن تتلاقى عند حافة سائل، وأنها يجب أن تتقاطع بزوايا 120°. وسنناقش هذه الظاهرة بتفصيل أكبر في البند القادم.

إن منظومة مكونة من ثلاثة من الأغشية الصابونية الممتدة بين سلكين هي قيمة أصغرية نسبية المساحة، لكن لهذه المنظومة مساحة أكبر من الغشاء الطوقي (الذي له هيئة الحلقة) المترابط connected  والأملس. هذا ولا يتطلب الأمر سوى حيلة بسيطة لإجبار السطح الطوقي، وليس المنظومة، على أن يتشكل في تجربة الغشاء الصابوني. ويكفي لذلك أن تضع عصا (أو إصبعاً) في داخل السلكين قبل أن تسحبهما من المحلول الصابوني؛ وإذ ذلك فإن السطح الطوقي سيظهر عند سحب السلكين.

 

ثمة علاقة مذهلة بين هذه المنطقة الطوقية ومنحن ميكانيكي معروف. لنأخذ السطوح الدورانية surfaces of revolution. إن إحدى أبسط الطرق في توليد سطح من هذه السطوح، هو أن تدور منحنياً حول محور مثبت، ترى، هل هناك سطوح أصغرية هي سطوح دورانية؟ من الواضح أن هناك مرشحاً هو المستوي. ويمكن الحصول على المستوي بتدوير مستقيم L حول محور يلاقي L عمودياً.

هل ثمة سطوح دورانية أخرى ذات تقوس وسطي صفري إضافة إلى السطحين المستويين الواضحين: المستوي والقرص؟ هناك نمط آخر وحيد، وهاك الطريقة التي يمكن توليده بها، علق سلسالاً من طرفيه على عصا، وحين يصبح في وضع السكون، تكون قد ولدت السلسلي catenary  فإذا دورته حول محور موازٍ للعصا وموجود تحت السلسال. فإنك تحصل على النوع الوحيد من السطوح الأصغرية غير المستوية، وهو سطح دوراني، شريطة أن يكون ارتفاع أخفض نقطة من السلسلي فوق محور الدوران مساوياً  h =  ، حيث يرمز l إلى نصف طول السلسال، وb  إلى المسافة الفاصلة بين العصا ومحور الدوران. وقد اكتشف هذا السطح الأصغري، الذي هو السطح الأصغري الدوراني غير المستوي الوحيد، من قبل >أولر< عام 1744. ولأسباب جلية، فقد أعطي هذا السطح اسم السطح السلسلي  catenoid، وكما نرى في الأسفل. فإن السطح السلسلي يمكن أن يكون محدوداً بدوائر أنصاف أقطارها مختلفة.

لقد سبق أن ذكرنا أنه إذا كانت الدائرتان متباعدتين جداً إحداهما عن الأخرى، فلن يتكون سطح أصغري مترابط، ترى، ما الذي سيحدث إن نحن بدأنا بسطح سلسلي وقمنا بإبعاد دائرتيه الحدوديتين C1 و C2 إحداهما عن الأخرى؟ إذا ما أجريت هذه التجربة بغشاء صابوني، فستجد أنه حين تبلغ المسافة بين السلكين المتمحورين coaxial C1 و C2 طولاً حرجاً، ينقسم الغشاء متحولاً إلى قرصين يمتدان على C1 و C2 كل على حدة.

 

 

هذا وإن المسافة التي يجب أن يتصدع عندها السطح السلسلي معروفة بالضبط، وعلى سبيل المثال، فإذا كان للسلكين الدائريين C1 و C2 نصف القطر R نفسه، فإن المسافة الحرجة d تساوي نحو 1.325487 مرة من R .

وفي الحقيقة فإن الدائرتين تحدان سطحين سلسليين إذا كانت المسافة بينهما أقل من العدد الحرج  d، لكن واحداً منهما فقط يكون مستقرا (ينحني السطح غير المستقر نحو الداخل أكثر من السطح المستقر)، ومن ثم فإن غشاء صابونياً مترابطاً واحداً فقط يمكن أن يمسك بين السلكين الدائريين. والتشكل المستقر الآخر هو القرصان الممتدان على C1 و C2. وهكذا فإننا نرى ثانية أن وجود غشاءين صابونيين يقتضي وجود غشاء صابوني ثالث غير مستقر.

 

وبمقدورنا باستخدام السطح السلسلي إجراء تجربة مهمة. لذلك نصنع أولاً نموذجاً لهذا السطح من مادة لدنة (بلاستيكية). بعد ذلك نقطع هذا النموذج على طول أحد خطوط طوله ونبعد الطرفين المقطوعين أحدهما عن الآخر برفق، ثم نقوم بفتل النموذج كما هو مبين في الأعلى. وبهذه الطريقة، نستنتج حني السطح السلسلي بتحويله إلى قطعة من سطح أصغري شهير آخر هو السطح اللولبي helicoids وهذا التشويه (أو الحني) المتساوي المسافة (المتقايس) isometric  للسطح السلسلي الذي يحوله إلى السطح اللولبي هو أمر غاية في الأهمية، إذ إنه يمكن تنفيذ هذا التشويه، بحيث تكون جميع السطوح المشكلة خلال عملية الحني أصغرية أيضا !

إن السطح اللولبي، بعد السطح السلسلي، هو ثاني أقدم الأمثلة على سطح أصغري غير مستو. وقد كان هذا السطح معروفاً منذ عام 1776 عندما اكتشف عالم الهندسة الفرنسي مونييه Meusnier  أن له تقوساً وسطياً صفرياً. وقد استخدم المهندسون المعماريون أجزاء من السطح اللولبي في بناء سلالم دوارة نجد نماذج شهيرة لها في بعض المباني الأوروبية الضخمة.

إن فهم مبدأ إنشاء السطح اللولبي ليس بالأمر الصعب. ولهذا الغرض نأخذ مستقيماً L يلاقي محوراً مثبتاً A عمودياً، ثم ندور L بسرعة ثابتة حول  A، ونحرك في الوقت نفسه النقطة  P، حيث يقاطع L المحور  A، بسرعة ثابتة على A. عند ذلك ينتج من تركيب هاتين الحركتين حركة لولبية للمستقيم  L، ويكون السطح الذي يمسحه L سطحاً لولبياً. ويبين الشكل الأوسط في الأسفل جزء السطح اللولبي الموجود داخل أسطوانة محورها A. ويقطع السطح اللولبي هذه الأسطوانة بلولبين C1 و C2 يكوِّنان معاً لولباً مضاعفاً. تصور الآن أنه استعيض عن كل منحن بشريط رفيع من الورق، كما في يمين الشكل السفلي عند ذلك نجد شكلاً هندسياً يصلح أن يكون نموذجاً لجزيء الحامض النووي (دنا)  DNA، وهو حامل الشفرة الوراثية.

ويمثل السطح السلسلي أبسط مثال على سطح أصغري محدود بمجموعة مؤلفة من أكثر من منحن مغلق واحد. وهناك مثال آخر مرسوم في الشكل العلوي إلى اليمين من الصفحة 117، حيث يمتد السطح الأصغري على سلكين متشابكين. وتوفر أيضاً منظومة من الأسلاك مثالاً على مجموعة منحنيات يمكن أن تحد عدداً غير منته من سطوح أصغرية من النمط الطبولوجي نفسه.

 

    سطح أصغري يمتد على سلكين متشابكين

(وقد تذكر أن هذا واحد من الأسئلة المركزية الواردة في موضوع السطوح الأصغرية). لنختر كحدود مجموعة من ثلاثة أسلاك دائرية متمحورة أنصاف أقطارها متساوية وتفصل بينها مسافتان صغيرتان لكن متساويتان. يمكننا عندئذ إثبات وجود طائفة غير منتهية من السطوح الأصغرية جنسها صفر ومحدودة بهذه الأسلاك؛ ويمثل الرسم الأوسط في اليمين أحد هذه السطوح. ونجد جميع عناصر هذه الطائفة بتدوير بسيط لأحدهما حول محور الدوائر. وهكذا فقد يحاج المرء في أن هذا ليس مثالاً معاكساً (مناقضاً) counterexample حقيقياً للتناهي finiteness.  وهذا الاعتراض له لبعض ما يسوغه، ذلك أننا نقول عن سطحين إنهما "مختلفان حقا" إذا لم يكن يإمكاننا توليد أحدهما من الآخر بحركة للفضاء. أما السؤال عن عدد السطوح الأصغرية "المختلفة حقاً" التي هي من نمط طبولوجي واحد والتي يمكن أن تمتد على مجموعة مفروضة مؤلفة من منحن واحد، منحنيين، ثلاثة منحنيات،….، فإنه سؤال ما زال مطروحاً ولم يحل حتى الآن

الحافات السائلة والزوايا الأساسية الثلاث

90° و °120 و"16 '28 °109

لننظر في الغشاء الصابوني المرسوم في أسفل يمين الصفحة. إن هذا السطح الأصغري المستقر يختلف عن تلك السطوح التي قابلناها: فحدوده لا تقع كلها على سلك محدد، لكنها تقع جزئياً على سطح مفروض (يسمى السطح الحاملsupporting surface ) ومن ثم فإن حدود مثل هذا الغشاء الصابوني ليست محددة بكاملها، كما هي الحال في مسألة پلاتو، لكنها يمكن أن تتخذ وضعا أمثلياً optimal على السطح الحامل.

     لتوليد هذا المثال، أخذنا سطحاً S مصنوعا من الزجاج، ثم ربطنا نقطتين منه P1 و  P2 بسلك C بعد ذلك قمنا بغمر التركيبة <C.S> المكونة من السطح S والسلك الموصول به C في محلول صابوني، ولدى سحبها ، يتكون غشاء صابوني متصل بالسلك  C، بيد أن جزء من حدودها سيكون حافة سائلة على السطح الحامل S . وهذه الحافة السائلة . التي سنسميها ∑ ، مولدة بالغشاء الصابوني على نحو تكون فيه المساحة أصغرية. ونقول عن المنحني  إنه حدود حرة (طليقة free boundary (للغشاء الصابوني (أو للسطح الأصغري المستقر) على السطح الحامل S . ويبين الشكلان في اليسار غشاءين صابونيين تكون الحدود الكاملة لكل منهما حدوداً حرة على السطح S .

ليس في وسعنا أن نتكلم الكثير عن هيئة الحدود الحرة Σ ، إذ أن كل منحن تقريبًا علىيمكن أن يكون جزء من الحدود الحرة للغشاء الصابوني . ومع ذلك، يمكن تحقق صحة القانون التالي في جميع التجارب: إن الأجزاء الملساء من غشاء صابوني تقاطع عموديًا سطحًا حاملاً أملس، كما هو مبين في الشكل الأوسط يسارًا.

وقد توصل .A.H> شوارز> إلى برهان رياضياتي دقيق على هذه الحقيقة في حال السطوح الأصغرية التي

كان پلاتو قد لاحظها تجريبيا في الأغشية الصابونية، وهكذا فلدينا.

القاعدة 1. اذا كان لسطح أصغري حدود حرة Σ على سطح حامل S. فإن هذا السطح الأصغري يلاقي عمودياً S على طول المنحني Σ .

وهذه هي قاعدة الـ °90 التي سنقابلها مرات ومرات(1).

لقد طرحت أقدم مسألة حول السطوح الأصغرية ذات الحدود الحرة من قبل عالم الرياضيات الفرنسي  .D.J>جيركون Gergonne <عام 1816، وكان نصها هو التالي:

المطلوب تقسيم مكعب بسطح M (ممثل باللون الرمادي في الشكل السفلي يساراً) إلى قسمين بحيث يتصل M بالمكعب في قطرين متعاكسين C1 وC2  يقعان على وجهين متقابلين من المكعب، وبحيث يكون للسطح M مساحة أصغرية.

 

إن أول محاولة للإجابة عن هذا السؤال كانت على خطأ؛ وكان شوارز هو أول من وجد الحل عام 1872، وهذا السطح الأصغري M يسمى عادة "سطح جيركون" مع أن شوارز هو الذي أوجده. ويتصل M بالوجهين الاخرين S1 و S2 للمكعب عموديًا.

وفضلاً على ذلك، فقد وجد شوارز عددًا غير منتهٍ من سطوح ذات تقوس وسطي صفري يحدها الإطار، <C1,C2,S1,S2> وتقطع S1 وS2  عموديا " ومختلفة حقًا"، أي أنها غير متطابقة، مع أن لواحد فقط منها مساحة أصغرية. لذا فإنه يوجد لمسألة القيمة الحدية هذه عدد غير منته من الحلول.

(1)استهل دراسة نظرية الوجود المتعلقة بالسطوح الأصغرية ذات الحدود الحرة R>.كورانت< عام 1940، وفي عام 1951 أنجز H>.ليوي< lewy أول دراسة تفصيلية للحدود الحرة ∑ . بيد أن >شوارز< وعلماء الرياضيات الفنلنديين >نيوڤيوس< Neovius و >ستينياس< Stenius و >تالكويست< Tallquist أثبتوا وجود سطوح أصغرية تمتد على تركيبة S> و <C في الحالة التي يكون فيها S مضلعاً تقع رؤوسه على هذا المستوي.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى