العلاج الجيني وكيفية تفادي خطر الأمراض
2013 لمن الرأي في الحياة؟
جين ماينشين
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
أسهمت القدرة على تسجيل براءات البيانات وتسويق النتائج – أو مجرّد وعد الحصول على نتائج – في نوع من "هوس الجينوم".
وأحدث قليل من التطوّرات الدراماتيكية الوهم بتحقيق نجاح عظيم. فقد اكتشف فريق نانسي وكسلر (Nancy Wexler) الجين الذي يحدث داء هنتنغتون: يسبّب تغيّر أحد الجينات إصابة المرء بالمرض أو عدم إصابته به.
كان ذلك في سنة 1983، قبل مشروع الجينوم، لكنه غالباً ما اتخذ نوعاً من النموذج. أولاً، أظهر أن بعض الأمراض ينشأ عن تغيّرات في جين واحد. ثانياً، أوحت صعوبة اكتشاف موقع الجين في الصبغي أن التحديد الكامل لسلاسل الجينوم ورسم خريطته سيكون ذا فائدة هائلة.
فعندما تكشف الدراسات العائلية والبحوث الوراثية أن جيناً محدداً هو موقع لمرض معيّن (أو حتى إذا كان هناك علاقة لجينين في الأمر كما يقول التعليل)، يمكننا إيجاد الموقع على خريطة الصبغيات ومعرفة المشكلة.
يعني ذلك الآن وربما لمدة طويلة لاحقة أن نعرف أكثر بطبيعة الحال. ويمكن أن تؤدي تلك المعرفة إلى القوة حتى من دون القدرة على "تصحيح" المشكلة. فمعرفة أننا نحمل جيناً معيناً يسبّب مرضاً أو تشوّهاً ما يتيح لنا انتقاء مزيد من الخيارات الرشيدة بشأن ما إذا كنا نريد إنجاب أطفال وفي أي الظروف.
الناس يقومون بهذه الاختيارات منذ مدة طويلة بالطبع، لكن الاختبارات الجينية تقدّم مزيداً من المعلومات لهذه الخيارات. ففي الأمراض التي تبدأ في عمر متأخّر، ربما يدفعنا ذلك إلى التصرّف بطريقة مختلفة في حياتنا، والاستفادة من فرص معيّنة ونحن في طور الشباب بدلاً من الانتظار حتى التقاعد. فالمعرفة مخاطر المرض على المرء عواقب عملية واضحة.
الأمل بطبيعة الحال أن نتمكّن في نهاية المطاف من تجاوز تشخيص الأمراض الوراثية إلى العلاج. ويمكن أن تتخذ المعالجة الجينية أشكالاً متنوّعة، من استبدال وظيفة جين "معيب" معين إلى استبدال جينات "رديئة" بجينات "صالحة".
كانت نانسي وكسلر ذكية وعميقة التفكير تهتم كثيراً بالأشخاص الذين تدرسهم، وتدرك تماماً القدرة على إساءة الاستعمال في هذا المجال.
الأشخاص السيّئون يمكنهم ارتكاب أمور سيّئة، والأشخاص ذوو النوايا الحسنة يمكن أن يتخذوا قرارات رديئة. ومن السهل أن يتأذى الأشخاص الحقيقيون بالقرارات الرديئة. البحوث والتحليلات الوراثية، وربما البحوث والتحليلات الجينومية للجينوم البشري بأكمله، قد تؤدي إلى قرارات رديئة.
غير أن الإقرار بهذه الاحتمالات بالنسبة إلى وكسلر لا يعني أن علينا أن نتخلّى عن الأبحاث أو أن تشلّنا مخاوفنا.
وقد لاحظت في سنة 1992 أنه "بعض الأشخاص يتساءلون، إذا كان هناك كثير من الأخطار الشخصية والاجتماعية والاقتصادية ولم تكن العلاجات الناجحة مضمونة، فلماذا نمضي قدماً في المشروع"؟
وأجابت على نحو قاطع، "كيف لا يمكننا ذلك"؟ كما قالت، "إنني متفائلة. ومع أنني أشعر أن تمكّننا من التنبّؤ فقط من دون الاجتناب يشكل فجوة صعبة للغاية – تؤكّد على النظم الطبية والاجتماعية والاقتصادية التي كانت تخضع بالفعل لإجهاد حادٍّ قبل مجيء مشروع الجينوم البشري – فإنني أعتقد أن المعرفة جديرة بالمخاطرة".
وهي تفضّل الدراسة التأمّلية للجينوم والتفسيرات الأكثر اعتماداً على المعلومات، ومزيداً من الإدراك العام للعلم ونتائجه. ومع ذلك فإنها ترى الحكمة في التقدّم إلى الأمام وتؤمن بما أصبح يراه الآخرون "هوس الجينوم" الذي أثارته نجاحاتها والقفز إلى الاعتقاد بأن نجاحات أخرى ستليها عن قرب بالتأكيد.
في أواسط تسعينات القرن العشرين كان كثيرون يستخدمون مصطلح "هوس الجينوم" (Genomania)، بازدراء عادة وإن يكن لتصوير الاهتمام بالجينوم في بعض الأحيان. وقد برزت في جانب المنتقدين روث هوبارد (Ruth Hubbard) اختصاصية البيولوجيا في هارفرد، وكانت في كامبردج في أثناء المناقشات بشأن أبحاث الدنا المترابط.
وفي هذه الحالة أشارت هوبارد إلى الآثار على الصحة العامة: "لن تكون التوقّعات القائمة على ‘معرفة جيناتنا’ غير مفيدة لمعظم الناس فحسب، وإنما ربما يفاقم هوس الجينوم المشاكل الصحية بالتشديد المفرط على المشاكل الصحية للأفراد وتقليل التشديد على الحاجة إلى ممارسات ملائمة للصحة العامة والاجتماعية".
وافق على ذلك جون أوبيتز (John Opitz) الذي يعمل في البيولوجيا التطوّرية والطبّ السريري. ففي ختام مؤتمر كبير عن معنى مشروع الجينوم وتأثيره، رأى أننا نفقد رؤية الكائن الحي في غمرة الاندفاع نحو علم الجينوم.
وبعيداً عن إعادة "الإنسان" إلى علم الجينوم، إذ يبدو أن مصطلح "هوس الجينوم" يفي بالغرض من ناحية الاشتقاق، فإننا نخاطر بالابتعاد كثيراً عن السبب الأساسي الذي يدفعنا لإجراء الأبحاث في المقام الأول.
وأبدى اعتقاده بأن "نِعم" مشروع الجينوم واضحة، لكنها ستكون نِعماً مختلطة إذا أدّت إلى التمييز الوراثي، أو تحسين النسل، أو الجبرية الوراثية في أوساط السكان. ومن المخاطر انخفاض الاهتمام بعلم الوراثة السريري أو البحوث السريرية على العموم، ونقص الدراسات الوظيفية وذات الصلة بالأنماط الظاهرية لصالح الدراسات البنيوية لعلم الوراثة، ورؤية عضوية اختزالية وليست شاملة للتطوّر.
عبّر آخرون عن المخاوف بشأن الأخلاق والعدالة التوزيعية، وهل ستتمكّن القلّة فقط من الوصول إلى المعرفة الوراثية والاستفادة على حساب الكثيرين الذين لن يتمكّنوا من ذلك. من سيستطيع الحصول على البيانات عن الأفراد أو العائلات؟ ومن سيحمي الحقّ بالخصوصية، ومن سيحمي مصالح من يشتركون طوعاً في الدراسات ليعرفوا بعد ذلك أن النتائج ستخبرهم بأشياء عن أنفسهم ليسوا واثقين مما إذا كانوا راغبين في معرفتها؟ وماذا نعرف حقاً عن دقّة "تحديد بصمة الدنا"، وكيف نستخدم هذه المعرفة، ومن الذين يعتبرون خبراء؟
هناك كثير من هذه الأسئلة عن الآثار الأخلاقية والقانونية والاجتماعية لمشروع الجينوم البشري. ولذلك كان المشروع مصحوباً ببرنامج الآثار الأخلاقية والقانونية والاجتماعية (إلسي ELSI) منذ البداية.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]