الفرق بين التوقيع التقليدي والتوقيع الإلكتروني من حيث الدور والشكل
1995 الحاسوب والقانون
الدكتور محمد المرسي زهرة
KFAS
التوقيع التقليدي التوقيع الإلكتروني العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة
رأينا أن الواقع العملي يتجه – في بعض الحالات – إلى استبدال التوقيع المكتوب برقم أو بمجموعة من الإجراءات المتفق عليها .
وإذا كان الرقم "الرقم" هو البديل العملي للتوقيع التقليدي ، فهل يُعتبر أيضاً بديلاً قانونياً له ؟ بعبارة أخرى ، هل للتوقيع الإلكتروني ذات حجية التوقيع التقليدي من الناحية القانونية ؟
تتوقف الإجابة على هذا التساؤل على المقارنة بين التوقيع التقليدي والتوقيع الإلكتروني من حيث دور أو وظيفة كل منهما من ناحية ، ومن حيث "شكل" كل منهما من ناحية أخرى .
– دور أو وظيفة التوقيع الإلكتروني
رأينا أن التوقيع التقليدي هو علامة أو إشارة تُميز شخصية الموقع ، وتُعبر عن إرادته في الالتزام بمضمون السند الموقَّع وإقراره له .
فالتوقيع الكتاب "مُنبثق"، كما يرى البعض، عن شخص الموقِّع ، ويُعتبر امتداداً لشخصيته لدرجة يصعب معها صدوره عن شخص آخر . فهو إذن يُعبر عن الحقيقة بدرجة قد لا ترقى إليها أي وسيلة أخرى .
والحقيقة ، في اعتقادنا ، أن التوقيع الإلكتروني يمكن أن يقوم بذات الدور الذي يقوم به التوقيع التقليدي ، بل وربما بدرجة أفضل .
من ناحية ، فالرقم يُعتبر ، كالتوقيع تماماً ، وسيلة أكيدة لإقرار المعلومات التي يتضمنها السند ، أي النتيجة التي يهدف إليها صاحب الرقم .
فالسحب الآلي مثلاً يتم ، كما رأينا ، باتباع إجراءات معينة متفق عليها مقدماً بين الطرفين . وقيام حامل البطاقة بكافة هذه الإجراءات ، بما فيه إدخال الرقم السري وتحديد المبلغ المسحوب ، يعني – بالضرورة – إقراره لعملية السحب ذاتها .
ومن ناحية أخرى ، فإن الرقم يوفر "ذات القدر" من الامان والثقة التي يوفرها التوقيع التقليدي ، وبل وربما بدرجة أفضل . ومن هنا يمكن اعتبار الرقم ، كالتوقيع ، دليلاً على الحقيقة. ولعل "مفتاح إعلان الحرب النووية أكبر دليل على ذلك.
فرئيس الدولة هو الشخص الوحيد الذي يعلم هذا "المفتاح". وهو الذي يملك ، من ثم ، إعطاء إشارة بدء الحرب. وتتمثل إشارة البدء – هنا – في رقم يتم فك رموزه بوساطة الحاسب الإلكتروني .
وفي مجال كهذا تبدو نتائجه في غاية الخطورة ، يجب ألا يوجد أدنى شك حول "شخصية" مصدر أمر بدء الحرب ، وأهليته في إصداره . ولذلك رُئي أن يكون أمر البدء متمثلاً في رقم ولي توقيعاَ ضماناً للسرية .
وأخيراً ، فإن الرقم يسمح بإنجاز المعاملات بسرعة تفوق كثيراً التوقيع التقليدي . وهو لذلك يسمح بالتعاقد عن بعد a distance، وبدون حضور صاحب الرقم في مكان إبرام التصرف . على عكس التوقيع الذي يستلزم حتماً وجود الموقِّع نفسه أو من ينوب عنه قانوناً .
وقد يُعترض على "مصداقية" التوقيع الإلكتروني وذلك بسبب احتمال ضياع الرقم السري أو سرقته من صاحبه . والواقع أن هذا السبب لا يكفي وحده لاستبعاد التوقيع الإلكتروني . فكما أن الرقم السري يمكن ضياغه أو سرقته ، فإن التوقيع التقليدي يكن تزويره وتقليده .
و "سرية" تكفي للدلالة على صدور الرقم عن صاحبه بحسب الأصل ، وصاحب البطاقة ملتزم ، حسب الاتفاق المبرم بينه وبين الجهة المصدرة للبطاقة ، بالحفاظ على "سرية" الرقم ، والإبلاغ الفوري في حالة ضياعه أو سرقته .
وقد يُقال ، أيضاً ، إن "سرية" الرقم وإن كانت تحقق "أماناً" بدرجة كافية في عملية السحب الآلي ، فإن المسارات الممغنطة الموجودة على بطاقة السحب ذاتها يمكن تقليدها. لكنه حتى على فرض إمكانية هذا التقليد ، فإن الحصول على البطاقة وحدها لن يُفيد شيئاً بدون الرقم السري .
فالتلاعب يقتضي الحصول على البطاقة والرقم معاً . والحصول على أحدهما لا يُغني عن الآخر . ويكفي كضمان درءاً لهذا التلاعب أن الرقم السري لا يُسجل بوضوح على المسارات الممغنطة ، وإنما بطريقة خفية يستحيل معه التوصل إلى سريته.
ومن ثم ، فإن البطاقة المقلدة يستحيل استخدامها إلا بالحصول على الرقم السري من حامل البطاقة الاصية ذاته إما إرادياً ، أي بالتواطؤ معه ، أو بالغش .
وقد يُقال ، ثالثاً ، إن التوقيع الإلكتروني لا يصدر عن صاحب الرقم ، بل عن الحاسب الإلكتروني ذاته، على عكس التوقيع التقليدي الذي يُعتبر امتداداً لشخصية الموقِّع نفسه .
وما يسمى بالتوقيع الإلكتروني يصدر ، ليس عمن يحتج به في مواجهته وهو حامل البطاقة ، وإنما عن جهاز يخضع تماماً في استعماله لإرادة الجهة المصدرة للبطاقة .
والواقع أن التوقيع الإلكتروني لا يصدر عن الحاسب ، وإنما فقط ، عن طريقة ومن خلال الحاسب طبقاً لإجراءات وخطوات مُتفق عليها بين الطرفين مقدماً . ولا يعلم بالرقم السري سوى حامل البطاقة وحده . ويخضع جهاز الصرف – من هذه الناحية – لأوامر وتعليمات حامل البطاقة . ولا يُمثل – هنا – سوى "أداة" في يد حامل البطاقة لإنجاز المعاملات التي يريدها .
ودور جهاز الصرف يقترب – هنا – إلى حد كبير مع دور القلم او الختم أو إبهام اليد في التوقيع التقليدي . فكما أنه لا يمكن القول بصدور التوقيع عن القلم ، فلا يمكننا القول أيضاً ، وبنفس القدر ، بصدور التوقيع الإلكتروني عن جهاز الصرف الآلي .
أما القول بأن جهاز الصرف يخضع ، في استعماله ، لإرادة الجهة المصدرة للبطاقة ، فهو قول ، فضلاً عن أنه لا يتفق والواقع ، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالضمانات الموجودة لضمان عدم التلاعب. فإمكانية التلاعب تعني – قانوناً – أن الجهة المصدرة للبطاقة قد اصطنعت لنفسها دليل الإثبات ، ومن ثم يكون الدليل غير مقبول .
– شكل التوقيع الإلكتروني
رأينا أن التوقيع الإلكتروني يُمكنه ، في ظل ضمانات معينة ، أن يقوم بذات الدور الذي ؤديه التوقيع "التقليدي"، بل إن البعض يرى أن الرقم يفضل التوقيع بمعناه التقليدي ، الذي قد لا يجد له مكناً في ظل المعالجة الإلكترونية للمعلومات .
وبذلك يمكن الاعتماد على الرقم السري كوسيلة بديلة أو إضافية للتوقيع التقليدي يمكنها أن تقوم بالدور ذاته ، فضلاً عن ملاءمتها لنظم المعلومات Informatique.
لكن هل يكفي ذلك لقبول التوقيع الإلكتروني ، في ظل قواعد الإثبات الحالية ، كبديل للتوقيع التقليدي في بعض الحالات على الأقل ؟
يلاحظ أن القانون ، في الكويت ومصر وفرنسا ، لم يكتف بوضع ، شروط مضوعية لصحة التوقيع بطريقة غير مباشرة وإنما وضع أيضاً شكلاً معيناً للتوقيع المعتمد قانوناً . فالتوقيع المعتمد قانوناً يجب أن يكون في "شكل" إمضاء أو ختم أو بصمة .
والتوقيع الإلكتروني لا تتوافر فيه أحد هذه الأشكال . فهو ، أي الرقم ، ليس ختماً أو بصمة ، كما أنه ليس مكتوباً بخط يد الموقع أو من يمثله قانوناً ، ولا يشمل ، بداهة ، اسم الموقِّع ولقبه .
فالتوقيع الإلكتروني عبارة عن مجموعة إجراءات تؤدي ، في النهاية ، إلى نتيجة معينة . وهو وإن كان – من الناحية الموضوعية – يمكن أن يقوم بذات الدور الذي يؤديه التوقيع التقليدي ، إلا أنه – من الناحية الشكلية – يختلف عنه اختلافاً جوهرياً .
قد يقال إن التوقيع التقليدي ، أياً كان شكله ، ما هو إلا "نتاج" لحركة movement اليد . يستوي بعد ذلك أن يكون بالإمضاء أو الختم أو البصمة أو أي حركة "يد" أخرى .
فالإمضاء يكون باليد في شكل تعبير خطي ، والختم يوضع باليد ، والبصمة لا تكون إلا بإبهام اليد . كذلك إجراءات التوقيع الإلكتروني ، فهي "نتاج" حركة اليد .
والحقيقة أن مثل هذا القول غير دقيق . فالتوقيع وإن كان بالفعل "نتاج" حركة اليد ، إلا أن القانون قد حدد "شكل" هذه الحركة : إمضاء أو ختماً أو بصمة ، ومن ثم ، لا يعتد القانون بأي شكل آخر حتى ولو كان بحركة اليد .
هذا بالإضافة إلى التوقيع التقليدي يحمل ، أياً كان شكله ، أحد الخواص الشخصية للموقِّع : اسمه ولقبه في حالة الإمضاء والختم ، وملامح "جزء" من جسده في حالة التوقيع بالبصمة .
الخلاصة إذن أن التوقيع الإلكتروني ، وإن كان يمكنه القيام بذات وظيفة التوقيع التقليدي ، إلا أنه غير مستوفٍ "للشكل" الذي يتطلبه القانون . ومن ثم ، تبدو إمكانية قبول حجيته في الإثبات محل شك في ظل القواعد العامة للإثبات .
لكن رفض اعتماد التوقيع الإلكتروني ، اياً كان السبب ، سيؤدي إلى نتائج عملية خطيرة . فمثل هذا القول يعني – ببساطة – أن الجهات المصدرة لبطاقات الصرف الآلي ستجد صعوبة بالغة في إثبات مديونية حامل البطاقات .
فالشريط الورقي الذي يبقى في جهاز الصرف الآلي نتيجة للسحب النقدي ليس موقعاً ، بالمعنى التقليدي للتوقيع ، من حامل البطاقة . الأمر الذي يهدد البنك بضياع حقوقه . فإذا كان العمل بالنسبة لحامل البطاقة مديناً فيكون العمل مختلطاً ، ويجب – من ثم – على البنك إثبات حقه بدليل كتابي موقع بالمعنى التقليدي إذا تجاوزت قيمة النزاع خمسمائة ديناراً كويتياً .
أما إذا كان العمل تجارياً بالنسبة له ، فيجوز للبنك مصدر البطاقة ، عملاً بمبدا الإثبات الحر ، إثبات حقه بكافة طرق الإثبات . لكن يبقى أن يقدم البنك دليلاً مُقنعاً يثبت ادعاءه .
ويبدو أن البنوك قد خشيت – من البداية – خطورة هذا الوضع ، ولذلك حرصت على تنظيم عملية الإثبات بمقتضى اتفاق مع حامل البطاقة . وتُدرج في الاتفاق شرطاً مقتضاه إقرار العميل بصحة المعلومات الواردة في الشريط الورقي الناتج عن عملية السحب. وذلك حتى تتجنب الصعوبات السابقة .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]