علم الفلك

الكون الخفي

2013 أطلس الكون

مور ، السير باتريك مور

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

علم الفلك

الكون الخفي

لو تَعَّين علينا ترشيح أحدهم لمنصب أغرب فلكي في العصر الحديث لفاز بالتأكيد فريتز زويكي (Fritz Zwicky) فهو سويسري الأبوين، وبلغاري المولد، وأمريكي بالإقامة. ولا مجال للشك أنه كان من أبرع الفلكيين في القرن العشرين، ولكنه لم يبذل أي جهد لبناء شعبيته مع زملائه، إذ وصل لدرجة أنه هدد أحدهم، هو والتر باد (Walter Baade)، بالقتل. وفي ذات مرة أمر مساعده الليلي بإطلاق الرصاص عبر الشق المفتوح في قبة المرصد معتقدا أن هذا سيُحسن جودة الرؤية (لم تكن النتيجة كذلك). وفي عدة مناسبات، وُصف مظهره بأنه مخيف.

كان زويكي على علم بأن المستعرات العظمى لم تكن تُشاهَد كثيرا في مجرتنا، ولكنه قام بحسابات مفادها أنه يجب أن تحتوي كل مجرة رئيسية على مستعر أعظم واحد على الأقل كل 200 إلى 400 سنة، وتمكن من استخدام المقاريب الموجودة في جبل ويلسون، وسرعان ما أثبت فكرته. وكان قد توصل أيضا إلى أن بقايا المستعرات العظمى صغيرة جدا وعالية الكثافة، وكان محقا في هذا أيضا- ونحن نعرف البقايا اليوم على أنها نجوم نيوترونية. ثم قام بعد ذلك بدراسة حشود المجرات عن كثب، والبعض منها تحتوي على عدد أجسام تفوق مجموعتنا المحلية بكثير. أظهرت حساباته أن الأجسام التابعة للحشود لم تتصرف كما هو المتوقع منها، إذ كانت تتحرك بسرعة فائقة لدرجة أنها بعد مرور فترة ليست بطويلة، وفقا للمقاييس الكونية، تحتم على الحشد أن يتفرق. كان هناك شيئا ما ’يلصقها’ ببعضها البعض ويمنع هروب الأجسام من الحشد، وأطلق عليها زويكي اسم الكتلة المفقودة، في أول إشارة لوجود المادة المعتمة.

جاء التأكيد على ذلك من مشاهدات مختلفة في المنظومة الشمسية، فالكواكب تسير وفقا لقوانين كبلر التي تنص على أن الجسم يسير بأقصى سرعة له عندما يكون في أقرب نقطة له من الجسم الذي يدور من حوله. ولهذا، فإن كوكب الأرض يدور بسرعة أبطأ من الزهرة ولكن أسرع من المريخ، وأبطأ الكواكب هو نبتون. والمتوقع من النجوم الموجودة في المجرة أن تتبع نفس القانون وأن أقربها لمركز المجرة تكون أسرعها، ولكن الواقع ليس كذلك، إذ تدور الأجسام الموجودة على أطراف المجرة من حول نواتها بنفس سرعة الأجسام الأقرب لها وهذا يترك المجال لتفسير واحد فقط، وهو أنه لا يمكن لكتلة المجرة أن تتركز جميعها في مركز المجرة وأن هناك مادة خفية منتشرة في أرجاء المنظومة المرئية ومن ورائها.

أظهرت الحسابات أن المادة المرئية تُمثِّل فقط جزءا صغيرا جدا من الكتلة الكلية للمجرة، وفي 2005 كان هناك اكتشافا آخر إذ رصد المقراب الراديوي لوفيل البالغ قطره 76 متر (250 قدم) مجرة خالية من النجوم تماما، صُنِّفت كـ VIRGO 121، وهي مجرد كتلة من المادة تدور بسرعة وتقع على بعد 50 مليون سنة ضوئية. وكما قال المكتشف روبيرت منشن (Robert Minchin) من جامعة كارديف: “وفقا للسرعة التي تدور بها الجسم، علمنا أن VIRGO 121 تبلغ كتلته 1000 ضعف الكتلة التي يمكن أن نحسبها بناءا على عدد ذرات الهيدروجين الظاهرة وحدها. وهذا يشير إلى وجود مادة معتمة كامنة في السحابة بوفرة فلو كانت مجرة عادية لكان من المفترض أن تكون ساطعة جدا ومرئية لمقراب هاو جيد.”

والأدلة الموجودة اليوم هائلة، ولكن ما هي طبيعة هذه المادة الغامضة بالضبط؟ لا تنقصنا النظريات، منها أنها أعداد كبيرة لنجوم منخفضة الكتلة، أو أنها عبارة عن مواد محبوسة في ثقوب سوداء، أو كتل غير متألقة من الغاز العادي- وقد تم اختبار كل هذه النظريات وثبت أنها ناقصة. فالنيوترونات قليلة الكتلة ومتوفرة جدا ولكن من المستحيل أنها تشكل الكتلة الكلية. وقد دفع هذا العلماء إلى مناقشة أنواعا من المادة ’غير-الباريونية’، بما معناه أنها تختلف كثيرا عن أي مادة نعرفها ولهذا فهي غير قابلة للكشف بأجهزتنا التي نستخدمها اليوم. والفكرة المفضلة هي وجود الWIMPS- جسيمات كبيرة الكتلة ضعيفة التفاعل (Weakly Interacting Massive Particles)- ولكننا حتى اليوم لم نتمكن من رصد أي WIMP. والأفضل أن نُقر بأننا لا نعرف الإجابة.

المادة المعتمة غامضة بما فيها الكفاية، ولكن ما نسميه ’بالطاقة المعتمة’ هو أكثر غموضا. نحن نعلم أن الكون في اتساع مستمر، ويُفترض أنه يتمدد منذ الانفجار الأعظم من قبل 13,700 مليون سنة مضت. ومن المتوقع أن يتباطأ معدل الاتساع مع مرور الوقت، ولكنه يبدو أنه يتسارع. والدليل على ذلك نراه في نوع معين من المستعرات العظمى (اسمه المستعر الأعظم من الفئة 1a) وبما أن كلها لها نفس ذروة التألق فيمكن استخدامها ’كشموع معيارية’ كما تستخدم المتغيرات القيفاوية- ولكن بما أنها أقوى بكثير من القيفاويات فيمكن رؤيتها من الطرف الآخر للكون. وقد تم رصدها في مجرات نائية جدا، وعندما ترتبط مسافاتها بسرعات تراجعها التي تقاس من الانزياحات نحو الأحمر لأطياف المجرات المستضيفة لها، يتبين أنه من بعد نطاق معين فهي تقع على مسافات أبعد كثيرا مما هو متوقع ويقوم بدفعها إلى الخارج قوة تعمل بعكس الجاذبية. وكان آينشتاين قد أدخل في معادلاته قوة مثل هذه وسماها ’الثابت الكوني’، وقام بنبذ الفكرة فيما بعد وقال أنها كانت أكبر خطأ وقع فيه، ولكنه اليوم يبدو وكأنه كان على صواب، أو كان على الأقل متجها في الاتجاه الصحيح. هذه الطاقة الافتراضية هي التي نطلق عليها الطاقة المعتمة.

ووفقا لآخر التقديرات، فإن كتلة الكون الكلية تتكون من %74 من الطاقة المعتمة و %22 من المادة المعتمة وفقط %4 من المادة المرئية. وفي هذه الحالة، فإننا نعمل في الظلام بالمعنيين الحرفي والمجازي. وكل ما بوسعنا فعله الآن هو أن نستمر في طرح الأسئلة والسعي وراء إجاباتها، وأن ننتظر من الشمس الكونية أن تشرق وتقضي على الظلام!

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى