البيولوجيا وعلوم الحياة

الكيفية التي تتم بها عملية تصنيف الكائنات الحية وتطورها عبر الزمن

1995 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء السادس

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

عملية تصنيف الكائنات الحية البيولوجيا وعلوم الحياة

لعلك تدرك أن كل من يتعامل مع أعداد كبيرة من الأشياء أو الأسماء لا بد له من تقسيمها وتصنيفها في مجموعات، لكي يسهل عليه الإلمام بها والإفادة منها في وقت قليل وبجهد يسير.

فتلاميذ المدارس لابد أن يتم تنظيمهم في صفوف وفصول حسب أسمائهم أو أعمارهم أو مرحلة تعليمهم.

وفي المتاجر الشاملة تجد قسماً للبقالة، وآخر للملابس وثالثاً للعب الأطفال ورابعاً للأدوات المنزلية، وبداخل كل قسم منها أركان أكثر تخصصاً، مثل ركن اللحوم، وركن الألبان، وهكذا.

وبهذه الطريقة يصبح من السهل الوصول إلى الكتاب المطلوب أو السلعة المرغوبة. لكن ماذا يحدث لو اختلطت تلك الأشياء معاً، وأصبحت في حيز واحد بلا فواصل؟ بالطبع أنت تعرف النتيجة!.

 

فما بالك بالحيوانات التي يزيد عدد أنواعها على المليون، والناباتات والأحياء الدقيقة التي فيها هذا العدد نفسه من الأنواع!!

ومن أجل ذلك أصبح التصنيف ضرورياً في عالم الأحياء، فنحن البشـر جزء من عالم الأحياء، ونحتاج للتعامل مع كافة الأنواع لما لها من أثر مباشر أو غير مباشر على البيئة وعلينا.

فمن الكائنات الحية الكثير مما يفيدنا في الغذاء أو الكساء أو غيرهما من صور النفع المختلفة، كما أن منها ما يسبب الضـرر والخسارة لنا، مما ينقله أو يسببه من أمراض، أو يتلف المحاصيل والأثاث.

 

وقد قسَّم أجدادنا الأوائلُ عالم الحيوان مثلاً إلى مجموعتين: مجموعة نافعة، استفادوا من لحومها وجلودها ولبنها، فقاموا بتربيتها وبذلوا الجهد لاستئناسِها ورعايتها، ومجموعة ضارة تجنبوها وحَمَوْا أنفسهم منها وبذلوا الجهد لمكافحتها والحدِّ من أضرارها.

وبحلول القرن الرابع قبل الميلاد، قام الفيلسوف الإغريقي «أرسطو» بأول تصنيف للأحياء على أساس مـن الخصائـص والتراكـيب التي عرفت في وقته.

فقسّم الحيوانات إلى ذوات الدم وعديمة الدم، ثم إلى حيوانات تلد وأخرى تبيض، ثم إلى مجنحة وعديمة الأجنحة، وهكذا، كما قسم النباتات إلى اشجار وشجيرات وأعشاب.

 

ومضى وقت طويل حتى ظهر العالم العربي «الجاحظ» في القرن التاسع الميلادي، فقسم الحيوانات حسب بيئاتها إلى مجموعة تطير في الهواء كالعصافير والحشـرات، ومجموعة تعوم في الماء كالأسماك والحيتان، وأخرى تزحف على الأرض كالسحالي والثعابين.

وهكذا.. وتلاه «القزويني» في القرن الثالث عشر الميلادي، فصنَّف الحيوانات البرية إلى مجموعات الدوابّ، والنَّعَم، والسباع، والطيور، والحشرات. أما الحيوانات المائية فصنفها إلى رئويات، ولا رئويات..

 

وقد استفاد العلماء من ذلك كلِّه، حتى جاء البريطاني «راي» في القرن السابع عشـر، وبذل أول محاولة للتصنيف على أساس علمي من التشابه والاختلاف في الصفات التشريحية للحيوانات.

كما وضع تعريفاً علمياً للنوع الحي باعتبار أنه الوحدة الأساسية للتصنيف. فقال إن النوع هو مجموعة من الأفراد المتشابهة التي تتناسل معاً، وتنتج أفراداً خِصبة تشبهها.

 

وبعد ذلك أتى العالم السويدي «لينيوس»، فصنف الكائنات الحية إلى «أنواع» على أساس تشابهها في الشكل والتركيب، كما وضعها سلفه العالم «راي»،

ثم جمع الأنواع المتقاربة في «جنس» واحد، والأجناس المتقاربة في فصيلة (عائلة) واحدة، والفصائل المتشابهة في «رُتبة» واحـــــــدة، والرتب المتقاربة في «طائفة» واحدة.

والطوائف المتقاربة في «شُعبة» واحدة، والشعَب المتقاربة، في «عالَم» واحد من عالَمي النبات والحيوان، وهكذا يكون هناك سبعة مستويات أساسية للتصنيف، تبدأ بالنوع وتنتهي بالعالَم.

 

لكن كيف نميِّز بين الأنواع الكثيرة بأسمائها؟

لقد ابتكر لينيوس نظاماً دقيقاً لتسمية الأحياء، عُرِف بالتسمية الثنائية. فقد اكتفى باسمين فقط لكل نوع من الأحياء بدلاً من استخدام كل المستويات السبعة السابقة في اسم الكائن الحي.

ومن مزايا توحيد التسمية عدم تعدد أسماء الكائن الواحد في اللغات المحلية الشائعة.

فالقط الأليف مثلاُ يُسمى علميا «فيليس كاتوس»، وذلك باللغة اللاتينية التي لم تعد تستخدم بين الشعوب حالياً لكنها تمثل لغة التسمية العلمية للأحياء، فيميزها العلماء من جميع أنحاء العالم عن غيرها من الأنواع.

ولو عددنا أسماء القط الأليف، مثلاً، في الوطن العربي لأصابتنا الدَّهشة.. فمن الهِرَّة إلى السِّنَّوْرِ إلى القَطْوة إلى البِسَّة إلى البزّونة فالقَطة، وهكذا في باقي الأنَواع.

 

والجزء الأول من التسمية الثنائية يشير إلى اسم الجنس، والثاني إلى اسم النوع.

فالجمل العربي اسمه العلمي «كاميلوس دروميداديوس» وبهذا نُميزه عن الجمل الآسيوي ذي السنامين والشعر الكثيف والأرجل القصيرة. والنوعان العربي الآسيوي يجتمعان في جنس واحد.

وهذا الجنس له قريب يعيش في أمريكا الجنوبية، هو جنس اللاما (لها شعر طويل وليس لها سنام).

والجنسان تجمعهما «الفصيلة الإبليَّة» التي تضمهما مع عدد غيرها من الفصائل، مثل الأبقار والغِزْلان والزَّراف «رُتبة الحافريات زوجية الأصَابع» (حيث تنتهي أرجلها جميعاً بحافرين).

 

وتجتمع هذه الرتبة مع رتب القطط والكلاب والقردة والحيتان وغيرها في «طائفة الثدييات» (التي تلد، وترضع صغارها).

وتتجمَّع كل من الثدييات والطيور والزواحف والبرمائيات والأسماك في «شعبة الحبْليات» (ذوات حبل ظهري يدعِّم جسمها).

وتتجمع شعبة الحبليات مع شعب أخرى كمَفْصِلِيَّة الأرجل والرِّخْويَّات والديدان والإسفنج والحيوانات وحيدة الخَلية، وغيرها في «عالم الحيوان».

 

هذا عن عالم الحيوان، فماذا عن التصنيف في عالم النبات؟

تنطبق التسمية الثنائية وباقي التصنيف السُّباعي على كافة أنواع النبات.

وكما يتضح من جدول التصنيف التالي، فإن نبات البصل المألوف يُسمى علمياً «أليوم سيبا». 

ويتدرج في التصنيف بشكل مماثل لما ذُكر في مثال الجمل العربي، حتى يصل إلى عالم النبات.

                        تصنيف كل من الجمل والبصل

أما نبات الفول البلدي فيسمى «فيشيا فابا» وينتمي إلى «طائفة ذوات الفلقتين».

 

وبزيادة الفحص والدراسة ظهرت كائنات حية دقيقة يصعب إلحاقها بأي من عالَمي النبات أو الحيوان. ونحن نستطيع أن نميِّز بين ما كان نباتاً أو حيواناً.

فالأول يصنع غذاءه بنفسه، من طاقة الشمس، ومن الماء، وثاني أكسيد الكربون (في عملية البناء الضوئي)، والثاني لا يستطيع ذلك، بل يستهلك الغذاء مُجهَّزاً من النبات.

 

كما أن خلايا النبات بها جدر من السليولوز وتحوي بلاستيدات خضراء لا توجد في الحيوان.

وعلى ذلك ابتدع العلماء عوالم أخرى، مثل «عالم البُدائيات» التي تَضم البكتيريا والطحالب الخضراء المزرقة (كائنات وحيدة الخلية تعيش في الماء)، و«عالم الطلائعيات»، الذي يحوي أوليات حيوانية ونباتية ذات خصائص مشتركة بين النبات والحيوان.

وهناك من يضع الفُطْريات (كفُطْر عَفَن الخبز) في عالم خامس، نظراً لعجزها عن صنع غذائها واعتمادها على التَّرمُّم في التغذية.

  

ولكي تستطيع القيام بعملية تصنيف لنبات أو حيوان شائع، عليك أن تَتَّبع نظاماً من الخطوات التي تسير وِفْق خصائص الكائن المطلوب تصنيفه وتراكيبه، كما يأتي:

ابحث عن اللون الأخضـر الذي يعُزى إلى وجود الكلوروفيل في الكائن، فإذا وُجد كان الكائن نباتاً، وإذا لم يوجد كان من الفُطريات أو الحيوانات.

فإذا كان مترمِّماً وغير متحرك كان فُطْراً، وإذا كان متحركاً ويلتهم الغذاء كان حيواناً.

 

وإذا كان من النباتات عديمة الجذور أو السوق كان من الطحالب، فإذا وُجدَت السوق والأوراق دون الجذور كان من الحَزازيات، وإذا وُجدَت الجذور وكانت الأوراق تَحمل بثَرات كان النبات من السَـّراخس، فإذا لم توجد البثرات كان من النباتات البِذْرية.

فإذا حمل مخاريط وأوراقاً إبرية كَان من «النباتات عارية البذور»، وإذا غابت المخاريط كان من «النباتات كاسية البذور». فإذا كانت الأوراق ذاتُ تعرُّق شَبكي كان النبات من «ذوات الفِلْقَتَيْن»، وإذا كان التعرق متوازياً كان من «ذوات الفِلْقَة الواحدة».

أما لو كان الكائن ينتمي إلى عالم الحيوان فابحث أولاً عن العمود الفَقَري في الجهة الظهرية – فإذا وُجد كان من «الفَقَاريات» التي تَعرف الفرْق بين طوائفها المختلفة (أسماك – برمائيات – زواحف – طيور – ثدييات).

 

فإذا لم يوجد العمود الفقري نبحث عن التناظُر الجانبي للجسم (أي تماثل الجانبين). فإذا وجد هذا التماثل ننظر في الزوائد، فإذا كانت مفصلية كان الحيوان من شعبة «المَفْصليَّات»، أما إذا لم توجد أرجل، وكان الجسم رِخْواً، وله صدَفة غالباً، كـــــــان مــــــن «الرِّخْويات».

وإذا كان الجسم دودياً مفلطحاً كان من «الديدان المفلطحة»، أما إذا كان خَيْطيا فهو من «الديدان الخيطية»، وإذا كان مُعقَّلاً كان من شعبة الحَلْقيات «ديدان الأرض ».

أما إذا التناظر شعاعياً والجسم مسامياً كان من «الإسفنج »، أما إذا وجدت له لوامس حول الفم كان من «جوفيات المِعَى». 

أما إذا وُجدت فيه أشواك على جلده كان من «شوكيات الجلد». وهكذا يمكنك الوصول إلى المجموعة الكبيرة التي ينتمي إليها الكائن الحي. وهذا هو أساس التصنيف.

 

ونحن إذا رتَّبنا مجموعات الحيوان متدرِّجة من الحيوانات البسيطة إلى الحيوانات الأعقد منها تركيباً وهكذا، اتضحت لنا صورة من القرابة بين بعضها وبعض.

ويمثِّل العلماء هذه القرابةَ برسم مجموعة الحيوان في شجرة تُشبه شجرة العائلة، التي تَضم الأجداد والآباء والأبناء والأحفاد

ونستطيع أن نعمل هذا أيضاً مع مجموعات النبات.

ولهذا السبب يَصف العلماء تصنيف الأحياء الذي نتَّبعه في الوقت الحاضر بأنه «تصنيف طبيعي»، يختلف عن تصنيفنا للأشياء غير الحية التي لا توجد بينها علاقة قرابة، كالكتب مثلاً.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى