المراحل الأساسية لدوران الدم في الجسم والدورة الدموية لابن النفيس
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول
صبري الدمرداش
KFAS
دوران الدم ابن النفيس الدورة الدموية البيولوجيا وعلوم الحياة
ابن النفيس… والدَّوران في الإنسان
• الصورة قبل ابن النفيس:
ارتبط اسم ابن النفيس بدراسته كيفية حركة الدم في جسم الإنسان .
وحين نذكر حركة الدم حريٌّ بنا أن نميِّز بين (الحركة ) و (الدوران)، ذلك أن فكرة (الدورة) Circulation، أي الحركة في دائرة، لم تنشأ إلَّا في القرن التاسع عشر وأن كلمة دورة استعملها (سيزالبينو) أول مرة في عام 1571 في هذا المعنى.
وقبل أن نعرض لنظرية ابن النفيس في هذا الخصوص، حريٌ بنا أن نستعرض أولاً النظريات التي دان بها العلماء من قبله.
ويمكننا تحديد ملامح الصورة حول دوران الدم في مراحل خمس أساسية هي:
1-المرحلة الأولى: وهي السابقة لأبقراط وجالينوس، وهي حقبة أطباء مصر الفرعونية: والمعلومات التي وصلتنا عنها بتراء، تتمثل في النتف القليلة التي وردت في برديات (إبرز) و (سميت) و (برلين) من كتابي (القلب) و (الأوعية) بسبب سرية التعاليم الطبية وعدم إفشائها للأغراب.
ومع ذلك فإن تلك النتف تدل على أن المصريين القدماء عرفوا النبض بل لعلهم عدُّوه كذلك، وأنهم فطنوا إلى علاقته بالقلب، فقالوا إن القلب يتكلم عن طريق النبض في كل الأعضاء، وأن الأمراض تسري عن طريق الأوعية إلى كل أنحاء الجسم.
2-المرحلة الثانية: مرحلة العهد الإغريقي القائم على أبقراط: الذي قال إن الكبد هو الأصل في الدم وفي حركته.
فيصل الغذاء (الكيلوس) إليه من الأمعاء عن طريق الوريد البابي، فيتحول فيه إلى دم مشحون بالروح الطبيعي، ثم يتنقل منه عن طريق الوريد الأجوف إلى البطين الأيمن ومنه إلى بقية الجسم عن طريق الأوردة، أي أنه في حركة مد وجزر متواصلة تختلف كل الاختلاف عن الحركة الدورية.
أما القلب فكأنه جيب من الوريد الأجوف لا أثر له في حركة الدم، يدخله الدم ليتخلص مما يكون قد علق به من شوائب ثم يعود مطهَّراً إلى الأوردة ومنها إلى الأعضاء. أما الشرايين فكانت عند أرسطو، تحوي هواء ومن هنا كانت تسميتها Artery المشتقة من هواء Air، ووظيفتها نقل الدم من الرئتين اللتين كان يقتصر عملهما على التبريد.
3-المرحلة الثالثة: في العصر السكندري القائم على (هيروفيلوس) و (أيرازسترافوس): اللذين أوشكا أن يصلا، في القرن الثالث قبل الميلاد، إلى نظرية الدورة الدموية.
فهيروفيلوس، وإن كان متأثراً بنظرية الروح، إلا أنه عرف أن الشرايين هي أوعية دموية ولا تحتوي على هواء، كما أنه أظهر دور القلب في حدوث النبض، وشبَّه حركات القلب بحركات الرئة، وميز بين الدم الوريدي والدم الهوائي (الشرياني)، وذكر أن التنفس لا يحدث في الرئة وإنما في الأنسجة. وهي نظرية تنطوي على بعض الخطأ ولكنها تدعو إلى التعجب لاقترابها من كيمياء الأنسجة الدقيقة!.
أما إيراز سترافوس فقد اقترب أكثر من الحقيقة. إذ إنه وصف سير الدم من الكبد إلى القلب عن طريق الوريد الأجوف ثم من القلب إلى الرئتين عن طريق (الشريان الشبيه بالوريد)، ووصف صمامات الأورطي والقلب ووظيفتهما وتصور القلب على هيئة مضخة توزع الدم (المُهوَّى) إلى الجسم كله.
وفوق كل هذا فإنه افترض وجود منافذ نهائية بين الجهازين الشرياني والوريدي، تعادل ما نسميه الآن الأوعية الشعرية، إلا أنه ظل يعتقد أن حركة الدم تنشأ في الكبد، كما لم يميز تمييزاً دقيقاً بين الدم الشرياني والنفث الهوائي.
وهذه التعاليم لهذين العالمين السكندريين، والتي كانت تداني الحقيقة ثم نسيت فيما بعد، كانت قد تأثرت بالتعاليم المصرية القديمة كتلكم التي تناولت النبض.
4-المرحلة الرابعة: وهي التي قامت على جالينوس في القرن الثاني الميلادي: وفيها اتخذ جالينوس نظريات الدورة القديمة قاعدة بنى عليها نظريته المشهورة، بعد أن لاحظ أمرين جديدين: أولهما أن الأوردة الواردة إلى القلب أكثر اتساعاً من الأوعية الصادرة عنه، وثانيهما أن قطع الشريان يؤدي إلى نزف دموي، وأضاف إلى الصورة تنقيحاً و (رتوشاً) مهمة.
إذ أوضح أن الدم بعد وصوله إلى البطين الأيمن يمر عبر الحاجز الموجود بين البطينين عن طريق مسام غير مرئية إلى البطين الأيسر، حيث يمتزج بالهواء الحامل للروح الحيوي القادم من الرئتين عن طريق الأوردة الرئوية (التي كانت تسمى الشرايين الوريدية).
إن هذا الدم، بعد أن يتشبع بالروح الحيواني في المخ، يُوزَّع على الجسم بأكمله عن طريق الشرايين، ثم يعود إلى القلب عن طريق الشرايين ذاتها، أي أنه يخضع لحركة مد وجزر.
فكأن الجهاز الوريدي في هذا التأويل منفصل تماما عن الجهاز الشرياني، فيما عدا المسام المزعومة في حاجز البطينين، وكانت الحركة في كلٍ من الجهازين مدَّاً وجزراً من القلب والرئتين إلى الأحشاء والعكس.
وقد استقرت تلك النظرية طوال القرون الوسطى الأوروبية حتى القرن السابع عشر على الأقل في التعليم الرسمي، وسجلها ليوناردو دافنشي في لوحاته التشريحية المشهورة.
5-المرحلة الخامسة: القائمة على ابن سينا: فقد أخذ الشيخ الرئيس بصفة عامة بنظريات جالينوس ولكنه – وقد انتمى إلى الفلاسفة المشَّائين- أضاف إلى هذه النظريات بعض المعلومات الخاطئة التي استقاها من أستاذه أرسطو. تلك المعلومات التي كان جالينوس قد أنكرها وبيَّن زيفها قبله بنحو ثمانمائة سنة أو يزيد. ومن ذلك قوله إن قلب الإنسان به ثلاثة بطون. وهو ما يوافق قول أرسطو من أن عدد البطينات يتوقف على حجم الحيوان!.
• ابن النفيس والدورة الدموية الصغرى:
تضاربت الآراء، كما تقدم، على مر الزمان حول كيفية انتقال الدم في جسم الإنسان بدءاً من الفراعنة فالإغريق فأطباء المدرسة السكندرية، فابن سينا.
ولكن ابن النفيس حسم الأمر: إن الدم يدور. فهو يمر من التجويف الأيمن إلى الرئة ويخالط الهواء بها، ثم يعود من الرئة عن طريق الشريان الوريدي (الوريد الرئوي) إلى التجويف الأيسر بالقلب ومنه يوزع على سائر الجسم.
بهذا الرأي قدَّم عالمنا لعلم الطب نظرية جديدة تقول بدورة للدم بين القلب والرئة، وبين الرئة والقلب. فوضع بذلك أساس (الدورة الدموية الصغرى) أو (الدورة الرئوية).
ولو تقدم ابن النفيس خطوة بكشفه هذا لقال أيضا بالدورة الدموية الكبرى في سائر الجسم، من القلب إلى الجسم، ثم من الجسم إلى القلب ثمن من القلب إلى الرئة، ثم من الرئة إلى القلب، ومن القلب إلى بقية الجسم …. وهكذا.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]