تأثير الواقع العملي على فكرة التوقيع
1995 الحاسوب والقانون
الدكتور محمد المرسي زهرة
KFAS
فكرة التوقيع التوقيع الالكتروني العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة
إذا كان التوقيع هو الوسيلة الوحيدة ، قانوناً ، لتصديق وإقرار المعلومات التي يتضمنها السند ، فإن الواقع العملي ، "المتغير" دائماً ، قد يهتدي إلى وسيلة اخرى تقوم بذات الدور الذي يقوم به التوقيع .
ومن هذا القبيل " تذاكر" أو عقود النقل في وسائل المواصلات : الطائرة ، المترو ، القطار ، الأتوبيس… الخ. ففي هذه الأمثلة السابقة ، جرى العمل على الاكتفاء بشكل التذكرة ومظهرها الخارجي لتصديق البيانات الواردة فيها حتى ولو لم تكن موقعة – فالعرف قد جرى على الاستغناء – هنا – عن التوقيع كوسيلة لتصديق وإقرار المعلومات التي يتضمنها السند المثبت لعقد النقل ، واكتفى بمظهر او شكل معين للسند ذاته "التذكرة" للاعتداد به قانوناً.
قد يقال أن الحالات السابقة لا تعتبر استثناء من شرط التوقيع . فهي تدخل تحت الاستثناءات التي تتضمنها المادة 39 إثبات كويتي من مبدأ الإثبات بالكتابة ، ومن ثم لا ضرورة للتوقيع اصلاً .
فالمادة 39 قد اجازت مبدأ الإثبات الحر لكافة طرق الإثبات ، بما فيها البيئة والقرائن ، بالنسبة للتصرفات التي لا تزيد قميتها عن حد معين : 500 دينار كويتي ، والغالب أن قيمة عقد النقل "التذكرة" في الحالات السابقة لا تتجاوز هذا الحد .
لكن هذا القول ليس دقيقاً . فإذا كانت هناك حالات لا تتجاوز فيها قيمة عقد النقل الحد السابق ، ومن ثم يجوز إثباته بكافة طرق الإثبات ، فهناك حالات اخرى تتجاوز فيها قيمة العقد هذا الحد ، ومن ثم لا يجوز إثباته إلا بالكتابة أو ما يقوم مقامها .
ومع ذلك جرى العمل على الاكتفاء بشكل معين لتذكرة النقل كوسيلة لتصديق وإقرار ما بها من بيانات والاستغناء عن التوقيع .
وكان يجب ، للاعتداد بعقد النقل "التذكرة" في الإثبات أن تكون موقعة إذا تجاوزت قيمتها الحد السابق . لكن العمل جرى على استثناء هذه الحالات من شرط التوقيع .
ويمكن تبرير هذا الاستثناء ، عملاً ، بأن التمسك "بشكل" الورقة العرفية في مثل هذه الحالات ، ومن ثم ضرورة التوقيع كان سيُلقي على عاتق السلطة العامة عبئاً ثقيلاً قد تعجز عن القيام به .
خصوصاً أمام تكرار هذه الحالات بكثرة يومياً . وبذلك اكتفت ، في إثبات عقد النقل ، بتذكرة النقل ذاتها إذا استوفت شكلاً ومظهراً معيناً تحدده هي دون اشتراط التوقيع .
والحقيقة أن تطور المجتمع اقتصادياً واجتماعياً قد وضع البنوك والشركات الكبرى والإدارات والمؤسسات في موقف يتشابه تماماً مع موقف السلطة العامة بالنسبة لعقد النقل .
فهذه الشركات والإدارات والبنوك تتعامل مع كم هائل من المستندات نظراً لازدياد حجم النشاط الاقتصادي وتكاثره ، ومن ثم، حجم التعامل بينها .
وأمام هذه الزيادة الهائلة في حجم التعامل ، كان من الضروري بالنسبة لهذه الشركات والمؤسسات ، إدخال "الآلية" في مجال معالجة المعلومات . لكن التوقيع بالمعنى السابق لا يتفق متماماً مع ظاهر إدخال "الآلية" في مجال معالجة المعلومات .
فالتوقيع بالمعنى المفهوم في قانون الإثبات لا يكون إلا على مستند ورقي ، ومن ثم فهو لا يسمح باستعمال "مخرجات" الحاسب الإلكتروني كالميكروفيلم Com، والشريط الممغنط ، والأسطوانات الممغنطة وغير ذلك من المخرجات .
ومن ناحية أخرى ، فإن التوقيع "المكتوب" لا يستوعب الوسائل الجديدة لنقل المعلومات . مثل الـــ Teleraitement ونقل المعلومات بوساطة الشريط الممغنط . ويمكن بطريقة الـــ Teletraitement أن يتم التعاقد بين الطرفين عن بعد a distance . ولكن التوقيع بالمعنى التقليدي يقف "عقبة" أما انتشار هذه الوسائل .
وأخيراً ، فإن التوقيع بمفهوم قانون الإثبات الحالي لا يستطيع مسايرة السرعة الناتجة عن معالجة المعلومات معالجة إلكترونية .
فلا شك أن إدخال الحاسب الإلكتروني في معالجة المعلومات يؤدي إلى سرعة إنجاز المعاملات خصوصاً في ظل تعدد الإجراءات الواجبة ، وتكرارها .
ويبدو التوقيع التقليدي في ظل هذه الإجراءات الواجبة، وتكرارها. ويبدو التوقيع التقليدي في ظل هذه السرعة "عقبة" تعرقل سير الإجراءات بالسرعة اللازمة .
ولكل هذه الأسباب ، وربما لغيرها ، كان من الطبيعي أن توجد "فجوة" بين الواقع والقانون : فالقانون يتطلب ، حتى تكون الكتابة دليلاً كاملاً ، أن تكون موقّعة ، وأن يكون التوقيع ، كقاعدة ، مكتوباً بيد الموقِّع ، بينما يتجه الواقع إلى معالجة المعلومات معالجة إلكترونية بالحاسب ، وإدخال الوسائل الحديثة لنقل المعلومات ، وهي طرق ووسائل لا تتكيف بسهولة مع التوقيع المكتوب .
وأصبح من الضروري ، في ظل هذه الظروف ، أن يعاد التفكير في القواعد القانونية الموجودة حالياً لكي يؤخذ في الاعتبار استعمال هذه الوسائل الحديثة في الإدارة ، والمحاسبة ونقل المعلومات وتخزينها ، ولا نقصد بذلك إلغاء فكرة التوقيع ذاتها .
فلسنا ننكر الفائدة العملية الكبيرة التي تؤديها – كما راينا – فكرة التوقيع ، بل أن هذه الفكرة لو لم تكن موجودة ، لوجب البحث عن فكرة أخرى تكون بديلاً لها.
ولكن نريد ، فقط ، إدخال قدر من المرونة (كما سنرى) على فكرة التوقيع حتى يمكنها أن تتلاءم مع المستجدات الحديثة التي "غزت" حياتنا العملية سبب انتشار الحاسب الإلكتروني .
والتوقيع ، وإن كان ظاهرة اجتماعية يحميها القانون ، إلا أنه يجب ألا نُغرقه في شكليات لا فائدة منها ، ضررها أكثر من نفعها . وحتى يستطيع التوقيع القيام بدوره الهام كإجراء لإقرار محتوى السند الموقَّع ، ووسيلة لتمييز شخصية الموقِّع .
فالمهم – في نظرنا – هو الدور الهام الذي يقوم به التوقيع . ولا يهم ، بعد ذلك، شكل هذا التوقيع – فالمشرع ، في مصر وفرنسا والكويت ، قد أجاز أن يكون التوقيع ، من حيث الشكل ، مكتوباً ، أو بالختم ، أو ببصمة الأصبع . فلماذا لا يكون للتوقيع "شكل" آخر طالما أنه يؤدي ذات الدور ، وربما بدرجة أفضل ؟
فهو إذن إجراء وحيد – في نظر القانون – لتصديق وتوثيق المعلومات التي يتضمنها السند . لكن هل هو الإجراء الوحيد في الواقع العملي ؟ هذا ما ستراه في الغصن التالي .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]