الطب

تعريف مرض “الحمى الصفراء”

1995 أمراض لها تاريخ

حسن فريد أبو غزالة

KFAS

مرض الحمى الصفراء الطب

جميع الداخلين إلى ميناء بورسعيد في شمال قناة السويس، التي تربط البحر الأحمر مع البحر الأبيض المتوسط بشريط مائي طوله 173 كيلومتراً، يستقبلهم تمثال المهندس الفرنسي فرديناند دي لسبس الذي حفر قناة السويس في عهد الخديوي سعيد، ثم الخديوي إسماعيل فيما بين سنتي 1859م وسنة 1869م رمزاً لعظمته وإجلالاً لانجازه الهندسي العظيم.

هذا الرجل "دي لسبس" حاول مرة أخرى عام 1881م أن يكرر إبداعه في ربط مياه المحيط الهادي (الباسيفيكي) بمياه المحيط الأطلسي عبر قناة أخرى تمر في أراضي "بنما". 

غير أن بعوضة صغيرة تدعى "ايدس ايجبتاي" يترجمونها باسم "عايدة المصرية" ، أنكرت عليه أن يقتحم عليها معاقلها، وأن يعكر هدوءها ولم يستمع إلى نصيحة أحد الفرنسيين المهاجرين حين علم بتطلعاته إذ قال له: "إذا حاولت أن تحفر قناة فلن يكون هناك في بنما شجر يكفي لصناعة الصلبان لتضعها على قبور الموتى من رجالك". 

 

وقد صدقت نبوءة الرجل، فانتقم منه البعوض خلال ثماني سنوات من المحاولة الفاشلة، وقتل من رجاله ما يقدرونه بعشرين ألفاً، أصيبوا بالحمى الصفراء والملاريا، إذا كان يموت في اليوم ما بين الثلاثين والأربعين عاملاً، مما ملأ قلبه يأساً لم يجد معه بداً من الرحيل والعودة إلى بلاده.

الحمى الصفراء مرض كما يوحي اسمه يتميز بارتفاع درجة حرارة الجسم، واصفراره مما يسمونه باليرقان، واليرقان هذه كلمة إغريقية عتيقة، تدل على دودة تعيش على أوراق الأشجار الخضراء، تتغذى عليها فتحيل خضرتها إلى صفرة، وقد أطلق الأوربيون اسم "الاكتيروس" على لون الجسم الأصفر والعيون الصفراء.

كانوا قد أطلقوه على طائر يتوطن غابات البرازيل، يختلط لون ريشه الأصفر باللون الأخضر، ويتميز بصوت عذب جميل، وكان أصلح الأسماء له هو "الصافر الذهبي" أو طائر "الاكيتروس" على التسمية الاغريقية، يقابل هذا وذاك اسم الجوندسي" janundice عند الإنجليز الذين اقتبسوه من جيرانهم الفرنسيين، وكان هؤلاء قد اصطلحوا على اسم "الجونيس" janunice فأخذه الإنجليز وحرفوا الكلمة فأضافوا لها حرف الدال، فصارت "جونديس" لتقابل اليرقان الإغريقية أو لون طائر الاكتيروس البرازيلي.

 

على أي حال فالحمى الصفراء التي حاروا فيها في مطلع الأمر، وسماها كل قوم بما كان يهوى ويشاء، فأطلقوا عليها مثلاً اسماً لاتينيناً هو "التيفوس الأصفر". 

فيما سماه الإنجليز باسم (جاك الأصفر) فيما ذهب الأسبان إلى إطلاق اسم (قيء الزنجي) لتميزها بقيء مدمم يصيب ضحيتها قبل أن يموت. 

والمتفحص لهذه الأسماء يجد في كل منها دلالة تشير إلى واقع الداء، فهو وباء يتميز بصفرة الجلد، وصفرة العينين، تصاحبه حرارة مرتفعة وتنتهي بقيء دموي يسبب الموت.

أما صفة الزنجي الأسبانية فربما كانت هي الاقرب إلى حقيقة الحال، لأن الحمى الصفراء لم تعرف سكان الاراضي الجديدة إلا بعد مقدم كريستوفر كولمبس عليها عام 1492م وبعد أن بدأت التجارة المحرمة الدنسة تجارة العبيد.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى