تفسير قضية “العلم لمن”
1998 تقرير1996 عن العلم في العالم
KFAS
قضية العلم لمن العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة
لمن ينبغي أن ينتج العلمُ معلومات عن الطبيعة وعن العلاقات الاجتماعية؟
إنَّ طرح هذا السؤال يوجه الانتباه إلى أنماط من الجهل المتفشي التي تتولد لدى كل شخص عندما تُستبعد مصالح مجموعات اجتماعية، مثل النساء، من عملية اتخاذ القرارات التي تحدد المشكلات التي هي بحاجة إلى حلول علمية كما تحدد الكيفية التي تصاغ بها هذه المشكلات.
ويشك معظم المراقبين في مختلف أنحاء العالم في أن نقل العلم والتقانة الحديثين "جاهزين" إلى المجتمعات النامية كان، أو يمكن أن يكون، حلاً لما هو سائد في العالم من تفاوت في التنمية ومن إجحاف.
فهذا الشكل من أشكال العلم والتقانة صُمِّم لظروف طبيعية واجتماعية مختلفة عن تلك السائدة حاليًا في معظم أنحاء العالم النامي، ولأهداف طبيعية واجتماعية مختلفة عن الأهداف التي تهم المجتمعات النامية.
والواقع إنه بالنظر إلى ما أتاحه العلم والتقانة الحديثان خلال الخمسين سنة الأخيرة من قدرة على تدمير البيئة والبشر، أصبح الكثيرون من الناس يخشون من أن هذه الأجزاء، على الأقل من العلم والتقانة الحديثين، لم تعد مناسبة حتى للمجتمعات المتقدمة النمو ذاتها.
ومما لا شك فيه أن كثيراً من القضايا التي أثيرت في الفصول السابقة ذات أهمية حاسمة لزيادة رفاهية الذين هم أكثر الفئات ضعفًا من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من النساء والرجال في مختلف أنحاء العالم.
غير أن التركيز بصورة كلية أو أساسية على كيفية زيادة فرص البنات والنساء في المجتمعات النامية والمتقدمة النمو في الحصول على وظائف في ميدان العلم والتقانة الحديثين سيبدو للكثيرين كمشروع مشكوك في قيمته الاجتماعية بالنسبة إلى معظم شعوب العالم، ما دامت القضية الأوسع نطاقاً وهي قضية "العلم لمن؟" متروكةٌ دون معالجة.
ففي الأوساط العلمية والتقانية، أمكن في بعض الأحيان للعالمات إيجاد طرق يستخدمن فيها خبراتهن واهتماماتهن خارج المختبر أو بعيداً عن العمل الميداني، لإنارة جوانب من الطبيعة كانت من قبلُ موضع تجاهل – وأوضحها جسم المرأة وتفاعلاته مع البيئة، ومجالات أخرى تتأثر بالطبيعة والعلاقات الاجتماعية معًا.
فالتساؤل عما إذا كان بعض النساء على الأقل يملن إلى تفضيل أساليب مختلفة لأداء البحث العلمي أدى إلى تقدير إمكانيات إثراء معرفتنا عن طريق زيادة فهم المواهب والقدرات البشرية.
وما برحت الأوساط العلمية المعاصرة تعترف بأهمية إشراك الناس الذين يميلون إلى التفكير بطرق متنوعة بغية النظر إلى الطبيعة من أكبر عدد ممكن من الزوايا. ويمكن للفروق بين الجنسين أيضًا أن تزيد هذا التنوع (انظر أدناه).
كما أن بعض الخصائص النوعية التي تجعل العلوم الحديثة بالغة الفعالية في إيجاد حلول لبعض أنواع المشكلات تحد من مدى فائدتها لمشكلات أخرى.
انظر مثلاً، حالة العلوم البيئية. لقد أشار المراقبون في هذا الميدان إلى أنها كثيراً ما تستبعد النظر في الأنواع نفسها من التحاليل الاجتماعية التي تعد أساسية لفهم أنماط المحافظة على البيئة المحلية وأنماط تدهورها.
كما أن التركيز على النهوج العلمية لحل المشكلات البيئية يُبعد التحليل عادة عن الخبرات المعاشية والأحوال المحلية في بيئة ما ويوجهه نحو خبرات خارجية تقلل من شأن المعرفة المحلية، وتفسيرات عامة تكون محدودة الفائدة في الأحوال المحلية.
وأخيراً، يمكن للنهوج العلمية أن تعطي العلماء والجمهور على السواء انطباعًا عن كيفية عمل الطبيعة وعن الحلول المقترحة للمشكلات فيه قدر كبير من اليقين ثم يتبين غير ذلك فيما بعد (Seager, 1993).
ويؤدي الاعتراف بهذه الأنواع من أوجه القصور في الحلول العلمية للمشكلات البيئية إلى إدراك أهمية نظم المعرفة المحلية وعلى وجه الخصوص أدوار النساء في نظم المعرفة هذه، التي لا تلقى التقدير الكافي
لقد نوقشت نظم المعرفة المحلية بمزيد من التفاصيل في موضع سابق. وغالبًا ما تُقارَن نظم المعرفة المحلية هذه، بصحة ادعاءات العلم الحديث السائدة بوجه عام، وهذه المقارنة تبرز مظاهر مهمة للنظامين.
ولكنها مع ذلك تطمس أيضًا خصائص مهمة لكل منهما وللعلاقات بينهما. ومما يشكِّل معارفَ العلم الحديث أيضاً المصالحُ "المحلية" وتقاليد المعرفة المحلية (كاهتمامات "الخبراء"، مثلاً، في الحياة الوظيفية والمساقات العلمية والنظرة العالمية).
يضاف إلى ذلك أن العلم الحديث اشتمل على كثير من نظم المعرفة المحلية السابقة في أوروبا وأسيا والأمريكيتين وأصقاع أخرى من العالم – الأعداد العربية، أو المفاهيم الهندية في الرياضيات، أو المبادئ الزراعية لسكان جبال الأنديز في زراعة البطاطا.
إضافة إلى ذلك، عندما اتسع نطاق الثقافات الأوروبية تمكَّن العلم الحديث من التأمل في المشاهدات المتعلقة بالطبيعة التي سجلتها الشعوب في أنحاء كثيرة من العالم مستفيدة من تقاليد ثقافية مختلفة كثيرة في السعي وراء المعرفة.
وفي كثير من الأحيان أصبحت المعارف التي تطورت في سياقات محلية صحيحة على صعيد عالمي من خلال هذه السيرورات (العمليات) التاريخية، (Goonatilake, 1984)، والواقع إن العلم الحديث لا يمكن أن يتطور ليُستعمَل فيما بعد إلا في سياق محلي – حتى وإن كان السياق المحلي يمتد من قاعدة كيب كنافيرال إلى القمر أو كوكب المشتري.
لقد أصبح صانعو العلوم ومستخدموها ومراقبوها، خلال عقود التنمية الثلاثة الماضية، مدركين بأن التغيرات العلمية والتقانية التي يمكن أن تحسِّن الأحوال الاجتماعية أكثر من كل ما عداها هي التغيرات التي كان محل الاهتمام الأول فيها تحقيق قدر مناسب من التفاعل بين المعرفة المحلية والمبادئ المجردة.
وبما أن بيولوجية النساء مختلفة عن بيولوجية الرجال، والأنشطة المخصصة لهن اجتماعياً مختلفة، والطرق التي ينظِّمن بها إنتاج المعرفة مختلفة أيضاً، كذلك تختلف اهتماماتهن وآمالهن وتفاعلاتهن مع البيئة الطبيعية والاجتماعية، وبذلك يمكنهن أن ينتجن معارف إضافية.
ولأن النساء في مختلف أنحاء العالم يوفِّرون الغذاء والرعاية للأجيال الثلاثة التي تعتمد على خدماتهن اليومية، وكذلك للمجتمعات الأكبر التي هنَّ جزء منها، فإن العلوم الموجهة للنساء أيضاً – للنساء كما هي للرجال – يمكن أن تزيد موارد كل مجتمع زيادة كبيرة بمفعول مضاعف.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]