توصيات مجلس الأبحاث الوطني حول مشروع تحديد سلاسل الجينوم البشري
2013 لمن الرأي في الحياة؟
جين ماينشين
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
قبل أن يبدأ المشروع، أصدر مجلس الأبحاث الوطني تقريراً أجري بتمويل من مؤسسة جيمس س. ماكدونيل (James S. McDonnell) لدراسة الموضوع.
وبوجود بروس ألبرتس (Bruce Alberts) ، من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو في ذلك الوقت، على رأس اللجنة، قام فريق مهم من اختصاصيي البيولوجيا واختصاصيي الأخلاقيات بدراسة مجموعة من الأسئلة بعناية. "هل يترك تحليل الجينوم بأكمله لأنظمة الدعم التقليدية غير المنسّقة والناجحة جداً التي تموّل الغالبية العظمى من بحوث البيولوجيا؟ أو هل يطوّر نظام دعم إضافي أكثر تنظيماً وتنسيقاً يقتصر على تشجيع تحديد سلاسل الجينوم البشري ورسم خريطته في نهاية المطاف؟ وإذا كان كذلك، كيف يمكن القيام بهذا الأمر من دون تشويه الأهداف الواسعة لأبحاث البيولوجيا المهمة لفهم البيانات الناتجة عن مثل هذا المشروع للجينوم البشري"؟
تجدر الإشارة إلى هذه القائمة لم تضم السؤال عما إذا كان يجب القيام بالمشروع أصلاً. فعندما تولّى مجلس الأبحاث الوطني المسألة كانت قد حسمت من الناحية العملية. وقد اتخذ القرار بالمضي قدماً بالمشروع، باختيار اللجنة المكوّنة من بروس ألبرتس، ودايفد بوتشتاين، وسيدني برنر، وتشارلز كانتور، وراسل دوليتل، وليروي هود، وفيكتور ماكوزيك، ودانيال ناتانز، ومينارد أولسون، وستيورات أوركن، وليون روزنبرغ، وفرانسيس رادل، وشيرلي تلغمان، وجون توز، وجيمس واتسون، وجميعهم باحثون متقدّمون في مجالاتهم.
ومع أن بوتشتاين وتلغمان وأولسون أبدوا القلق بشأن كيفية إجراء مثل هذا المشروع، فإن نقاش هؤلاء العلماء على وجه التحديد تركّز على الاستراتيجيات والنتائج وليس على إعادة إعمال الفكر. بدت الاحتمالات مشجّعة.
في أعقاب خلاصة تنفيذية، قدّمت اللجنة فصولاً عن مدخل للعملية والعلم، والنتائج الخاصة بالطب والعلم، وأوصاف الخريطة، وتحديد السلاسل، وإدارة البيانات، والتنفيذ، والنتائج المتأتية على المجتمع. وكان ذلك تقريراً جيداً ينهل من علم ممتاز ويقدّم تفكيراً معمقاً وتوصيات واضحة.
بالإشارة إلى التقدّم الحاصل في العلم والتقنيات، عبّرت اللجنة أيضاً عن ثقتها بأن هذه التقنيات ستتحسّن باستمرار، وأن أدوات أفضل ستتوافر لتسريع العملية وتحسين جودة النتائج.
ودعا التقرير إلى هدفين متصلين ولكن غير متشابهين: أن يسعى العلماء لتحديد السلاسل ورسم خريطة الجينوم بأكمله. تحديد السلاسل يحدّد التكوين الكيميائي لترابط الدنا، أو بعبارة أخرى، أي نوكليوتيد يتبع نوكليوتيداً آخر على طول الجديلة.
والخريطة تبيّن أين تكون هذه الترابطية وكيف ترتّب المكوّنات الوراثية الكبيرة في الصبغيات. كلا الأمرين مهم لأن الطب يمكن أن يستفيد من المعلومات المفصّلة عن جينات أو سلاسل محدّدة من الدنا ومن المعلومات عن الصبغيات بأكملها ومواقع جينات أو سلاسل معينة.
ويشبه ذلك القول إن تعداد السكان يجب ألا يحصي فقط جميع الأشخاص في منطقة ما وإنما أن يحتفظ بسجل عن مكان إقامتهم أيضاً. كل هذه معلومات جيدة، بل إن التمييز الأدنى يوفّر نقطة انطلاق. وكلما تحسنت جودة بيانات، وارتفع مَيز (Resolution ) الخريطة، كانت المعلومات أكثر فائدة.
اعترفت اللجنة بأن بنوك البيانات الموجودة تكافح لمجاراة حجم المعلومات الناتجة، حتى في منتصف ثمانينات القرن العشرين، لذا دعت إلى منشأة تعاونية لجمع البيانات والحفاظ عليها، بالإضافة إلى الإشراف على معايير رسم الخريطة. وبدلاً من وجود قواعد بيانات متنافسة في جميع أنحاء العالم، قالت اللجنة إننا بحاجة إلى قاعدة بيانات واحدة.
وأظهرت خاتمة التقرير الإدراك الفطن لأهمية البيولوجيا الحسابية وتعقيدات إدارة البيانات: "يتطلب التعامل مع المعلومات والمواد تنظيماً وتوحيداً للمقاييس أكثر من أي قسم آخر في مبادرة الجينوم البشري. ويجب أن تسود سياسة توحيدية واحدة إذا أريد تحقيق الدقة في الحصول على المعلومات وتخزينها وتحليلها وتوزيعها".
ولإقامة المنشأة الواحدة التي تصوّروها، دعت اللجنة إلى عملية تنافسية "تقدّم فيها جميع الفرق المهتمة تطبيقات مفصّلة أو تفاصيل برنامج تجريبي". وتلك ليست الطريقة التي اعتادت البيولوجيا اتباعها في العمل، مع أن المشاريع الواسعة النطاق في الفيزياء واستكشاف الفضاء والطب شكّلت سابقة.
دعت اللجنة إلى توزيع المشاريع التي يراجعها النظراء على المختبرات الصغيرة والكبيرة، وبالتالي احترام نهج البيولوجيا التقليدية "البعيد المدى". ومع ذلك فإن أعضاءها رأوا أيضاً وجود حاجة إلى التنسيق والتعاون، بما في ذلك التعاون الدولي. وإقراراً بوجود بدائل، أوصت اللجنة أن تقدّم جهة اتحادية كبرى القيادة للمشروع، مع أنها لم توصِ بجهة محددة. وأن يقدّم مجلس استشاري علمي التوجيه.
شغل الفصل المخصص للعواقب الاجتماعية خمس صفحات من التقرير فقط. مع ذلك، أقرّت اللجنة بوضوح بالتحديات المحتملة هنا. فالحجج التجارية والقانونية بشأن الملكية وبراءات الاختراع، والمخاوف الأخلاقية من استخدام وإساءة استخدام البيانات، والعواقب على العدالة الاجتماعية أثارت جميعها مخاوف واجهها العلماء واختصاصيو الأخلاقيات من قبل.
وختمت اللجنة تقريرها بالإشارة إلى أن تعدّد أشكال أطوال المترابطة المقتطعة سيستمر بالتطوّر، وستصنع الخرائط، وستحدث الاستشارات الوارثية حتى من دون جهد منسّق لرسم خريطة الجينوم البشري وتحديد سلاسله. والتنسيق الكبير ومراقبة الجودة الناجمين عن الجهد المنسّق سيفيد الجمهور في الواقع بتقليص فرص إساءة استخدام المعلومات الضعيفة التنظيم.
ودعت اللجنة أيضاً إلى إدخال دراسة الكائنات الحية الصغيرة في المبادرة. ورأت أنه من دون المقارنة ستكون البيانات أقل قيمة، وأوصت بالخميرة وجرثومة الإشريكية القولونية (E. coli) والدودة المسّطحة (C. elegans) – التي أجريت عليها جميعاً أبحاث كثيرة – باعتبارها مواد ممتازة للدراسة المقارنة. وكما رأت اختصاصية البيولوجيا الجزيئية شيرلي تلغمان (Shirley Tilghman) ، أصبحت رئيسة جامعة برنستون لاحقاً، بعد مرور أكثر من عقد، فإن ذلك كان من أفضل القرارات التي اتخذتها اللجنة. "كانت الكائنات الحية النموذجية استثماراً استثنائياً.
فقد تعلّمنا كيف نحدّد السلاسل على هذه الكائنات البسيطة. والأهم من ذلك أننا حصلنا على عرض مسبق للجينوم البشري بتحديد سلاسل هذه الكائنات الحية".
دفع التقرير والتشريع والمخصّصات التي تلته وزارة الطاقة و"معاهد الصحة الوطنية" إلى وضع ترتيبات تعاونية أكبر وأكثر وضوحاً. فأشرفت "معاهد الصحة الوطنية" حتى منتصف تسعينات القرن العشرين على رسم الخريطة وتحديد السلاسل في حين عملت وزارة الطاقة على الابتكارات التكنولوجية وإدارة البيانات، بالإضافة إلى تطوير علاقات عمل فعالة بين جميع الأطراف المتعاونة.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]