علم الفلك

خاصية الضوء المستقيم في استضاءة الجو وإظلامه

2009 البصائر في علم المناظر

كمال الدين الفارسي

KFAS

خاصية الضوء المستقيم في استضاءة الجو وإظلامه علم الفلك

((ولنورد أولاً ما قيل فيها على الجليل من النظر ثم ما يقتضيه دقيقة فنقول): لما كانت الشمس اعظم من الأرض فمخروط ظل الأرض طبقتان: الأولى مخروط تام قاعدته دائرة الفصل بين المضيء والمُظلم وراسه عند حدود ممرات القمر من منطقة البروج وهو ظل محض. 

والثانية تحيط به وتتسع وهو ظل مشوبٌ كما ذكر والهواء الذي يلي الأرض وهو المسمى كرة النسيم فيه كثافة ويخالط أجزاء هبائية أرضية كالغبار وأجزاء مائية مشفة كالبخار.

فأما الطبقة المجاورة للنير فلا تخلوعن الغبار وهو أحمر اللون على لون التربة غالباً، والطبقة التي فوقها لا تخلو عن أجزاء تضرب إلى البياض لصفائها وشفيفها وانعطافات الأضواء فيها وانعكاساتها عنها، ولأن الشعاع إذا امتد في مُشِفٍ متلون استضحب لونه.

فكرة الغبار ذات ظلٍ متلون بلونها وظلها المستدق يخالطه حمرة ظاهرة لأنه يكون بمنزلة أظلال أجزائها المشوبة المكتاثفة تحيط بالظل المحض وحواشي مخروط الظل المحض تستضيء بضوء الثاني الصادر إليها من ضوء الشمس المحيط به – أعني ظل كرة الغبار – ويكون متدرجاً من حُمرة ما إلى بياض.

 

فمخروط الظل المحض ينقسم طولاً قسمين: قسم لا يشوبه شيء من الأضواء الثانية، وقسم مشوبٌ بها وأجزاء المشوب القريبة من سطح المخروط أشد ضوءاً من البعيدة، والتي تلي ظل الخالص فيها يسير بياض ثم يتدرج إلى صفرة ثم حُمرة ثانية ثم إلى ظل كرة الغبار ثم إلى ظل كرة النسيم الخالص المستدقين.

ولأن الأرض يحيط بها طبقتا الهواء الكثيفتان فلن يخلص ضوء الشمس إلى وجه الأرض اصلاً، والواصل إنما هو ظل كرتي النسيم والغبار لامتداده فيهما إلى وجه الأرض وسموت امتداده فيهما مختلفة المقادير.

فإن قدر امتداد العمود اقل مما يليه ثم يتزايد إلى أن ينتهي إلى الاشعة المماسة للأرض والتي تتلوها وهي أعظم الامتدادات، ثم يتناقص إلى أن يماس كرة النسيم فيخلص الضوء عن شوب الظل فأضواء الشمس على وجه الأرض تختلف وكذلك عند إلإبصار. 

 

فإذا مال مخروط الظل على وجه الأرض آخر الليل فأول ما يبدو للبصر الضوء الثاني المحيط بطرف العمود الخارج من البصر إلى سطح مخروط الظل ثم يمتد طولاً ويستدق أعلاه وتستعرض قاعدته وتزداد عظماً بحسب قرب الشمس حتى تتصل بالافق.

واعلم أن سطح الطبقة الداخل من البياض، الثاني يكون فيه تحديب إلى داخلٍ وطرفاه الأعلى والأسفل يكونان أقرب إلى سطح المخروط المستدق لأنّ  الضوء المجاور لسطح المخروط يضعف في أعاليه لشدة شفيف الهواء وبعده عن الشمس ونفوذه في الهواء الذي يكون داخل المخروط يضعف عند القاعدة لفضل كثافة الهواء المجاور للأرض.

 

وإذ ذاك فيكون ثخن أواسط الطبقة أكثر من ثخن الطرفين فيحدث التحديب المذكورن ولأن الضعف اسرع إلى اللون عند وروده فأعالي طبقتي الحُمرة والصُفرة يكون إلى البياض ما هو أيضاً فيتصل البياض في أعالي الطبقات الثلاث وهو الذي يشاهد في أعالي الجوّ الشرقي قبل انتشار الضوء في أطراف الافق ويبقى ما يلي الأفق من جانب قاعدته هنيهة مظلماً لسببين:

أحدهما: بُعده عن البصر كما ذكر في علم الهيئة.

والثاني: وهو السبب الاقوى أن الهواء الذي يجاور الأفق أغلط وأكثف (أعني أن مسافة نفوذ شعاع البصر فيه أعظم من مسافة نفوذه في الهواء الذي يلي سمت الراس لأن الاول قريب من اثني عشر مثلاً للثاني على ما بيّن في تنقيح المناظر). 

 

فالضوء من ورائه لا يتبين إلى أن يتقوى فيظهر ذا عرضٍ يسيرٍ – هو أول الصبح الصادق – ثم يزداد العرض وبعد ذلك تظهر الصفرة ثم الحمرة ثم يطلع جرم الشمس ويكون ضوءها إلى الحمرة ما هو، وإن كانت في لسان الجمهور صفرة يقولون وقت الاصفرار فلا نزاع في اللفظ.

فإذا وقع على جسم نقي اللون من السحب والجبال والجدران ظهرت عليه الحمرة وبقدر ما يرتفع يقل ويرق ظل الطبقتين إلى أن يتوسط السماء وذلك أصفى ما يكون من ضوئها، وعند ذلك إذا كان الهواء صافياً فإنه لا يظهر من الهواء لون للبصر سوى البياض الرقيق الذي هو ظل كرة النسيم والحمرة الرقيقة التي هي ظل كرة الغبار.

وإذا ضعف الضوء واللون جداً أشبه الظلمة فيحدث الزرقة المدركة، ولا شك أنه إذا أحاط بالأفق بخار غليظ طرفي النهار فإن ضوء الشمس الوارد إلى وجه الأرض حينئذ يكون منعطفاً فيه وفي نهاية الانعطاف فلا أن يرى متلوناً إلى حمرة كما تحقق بالتجربة في أمثاله).

 

فإن كان الهواء صافياً ناصعاً  كان اللون صافياً ناصِعاً كما يُرى بعد وقوع المطر وإلا فكدراً بحسب كدُورة الهواء، وهذا المعنى وإن كان (أولى بإحداث الصفرة لكن الاول لما كان وقوعه أكثرياً قدمنا ذكره.

والحقيقة هو أن الانعطاف يوجب الاصفرار يوجب الاصفرار، والنفوذ في الغبار)  يوجب كدُورته وانكسافه والحاصل (أن مخروط ظل الأرض المحض يتوسطه ظل لا يشوبه ضوء من أضواء الشمس.

ثم تحيط به طبقة هي ظلٌ مشوبٌ بيسير بياضٍ، ثم طبقة يشوبها ضوء مع يسير صُفرة، ثم طبقة مشوبة بيسير حُمرة، ثم طبقة هي ضوء الشمس الأول يشوبه ظل كرة الغبار مع حمرة قوية، وتظهر تلك على صفحة القمر حالة خسوفه والضوء بعد ذلك يُعتدّ وضَحَ النهار، وإن كان فيه اختلاف أيضاً بحسب اختلاف ظلي كُرتي النسيم والغبار).

ومن هذه الصورة يسهل تصور ما ذكر:  

 

ومما ذكر يتحقق السبب لظهور حُمرة على هيئة نصف دائرة في جهة المغرب قبل طلوع الشمس مرتفعة عن الافق ويكون ما بينها وبين الافق ظلمة وهذه الحمرة تتدرج إلى فوق حتى تضمحل.

وبحسب قرب الشمس من الافق تتحرك نحو المغرب ويشتد لونها إلى أن توافي الأفق ترتفع ويضعف لونها قليلاً قليلاً إلى أن يضمحل بعد زمان قليلٍ وحركتها في الارتفاع والانحطاط تُرى أسرع نم حركة الفلك الأعظم .

ولهذا البحث تتمة ذكرت في تنقيح المناظر، (فهذا ما قيل في أمر الصبح الأول والثاني مع ما فرّعنا عليه، إلا أن هنا اموراً تناقض ما ذكروه، فمنها: أن البصر لما لم يمكنه إدراك ضوء الفجر أعني الطبقة الداخلة من البياض الثاني ما لم يَدنُ منه فلا يمكنه إدراكه إلا عن تلك المسافة.

فإذا رسمنا على مركز البصر كرة نصف قطرها بقدر تلك المسافة فيكون هذا الضوء إذا وافى سطح هذه الكرة في أي جهة  كانت إدراك فمخروط الظل إذا مال حتى ماس البياض سطح الكرة فإن نقطة التماس تكون على ارتفاع من سطح الأفق.

 

وإذا داخلها البياض حصل بين سطحي الكرة وطبقة البياض تقاطع على فصلٍ مشترك يحيط بشكل كالإهليلجي أطول قطريه يوازي الأفق وذلك لأن نصف قطر استدارة مخروط الظل بقرب القاعدة أعظم من نصف قطر الكرة المذكورة و إلا لظهر الضوء وسط الليل وسطح طبقة البياض لو كان مستوياً لكان الفصل المشترك دائرة فلما استدار عرضاً والتقعير مما يلي البصر زاد في قطرها المعترض فلزم أن يكون الشكل ما ذكر.

وإن ما يلي الأفق يبقى زماناً مظلماً كما كان لكثافة الهواء ثم يستضيء، وهذه الحالة خلاف ما يدرك من الصبح الأول لكونه مستطيلاً في المسافة القائمة على الأفق، ومن الصبح الثاني ايضاً لكونه متصلاً بالأفق أول ظهوره.

 

ومنها أن السبب في البياض الأول لو كان ما ذكوره لزم أن يكون سهمه أبداً في سطح دائرة الارتفاع إن كان السبب قرب الشمس من الأفق فقط.

وإن كان السبب كون خط ما من أضلاع المخروط أقرب الخطوط إلى البصر في ذلك الوقت فكان يلزم أن الشمس إذا حلّت إحدى نقطتي الاعتدال يكون سهم الصنوبرة في سطح معدل النهار؛ لأن سهم المخروط يدور حينئذ في سطحه فإذا مال المخروط على وجه الأرض كان أقرب أضلاعه من البقعة الفصل المشترك بين سطحه وسطح المعدّل لكنا شاهدناه في عرض ثمانٍ وثلاثين درجة حين كانت في الميزان على غاية من الانتصاب.

 

وفي سطح منطقة البروج بقياس الكواكب التي لا عرض لها أو عروضها يسيرة كقلب الأسد الملكي والسماك الأعزل وحين كانت في الحمل فلم ترَ منه أثراً وهو يرى في سطح البروج دائماً ما أمكن إدراكه إن مائلاً فمائلاً وإن قائماً فقائماً سواء اعتبر في جهة المشرق أو المغرب، وأيضاً فإن انحطاط الشمس لأول ظهور الصبح الأول يختلف بحسب أوقات السنة دون الثاني.

فهذه معان ينبغي أن يُطلب أسبابها فإما ما تصورته منها فهو ان الشمس يزداد قوة ضوءها وتأثيره في سطح منطقة فلكها الخارج المركز وهي في سطح منطقة البروج، فلذلك يزداد سمك أثره في الهواء المسامت لها ويقل بالتدريج في جانبيها.

والطبقة المجاورة للأرض من الهواء منها لطف يسير ويعلوها طبقة كثيفة وهي طبقة الزمهرير التي فيها تتولد السحب وبسببها ترى الكواكب في الخافقين اعظم ويتكون شعاع الشمس طرفي النهار إلى الاصفرار وتضعف ويعلوها طبقة لطيفة جداً هي الهواء الصافي فشعاع الشمس الوارد في الطبقة الثالثة العليا إذا انتهى إلى الثانية انعطف فيها وحدث لها ظل ضرورة.

 

ويمتد إلى سطح مخروط إحراقها على ما يتبين بعدن وينفذ في سمك ذلك الظل ضوء الشمس الثاني النافذ في سطح منقة البروج ويبدو لنا بحسب نفوذه من وراء الطبقة الثانية الكثيفة ، فإذا كانت منطقة البروج منتصفبة كان سمك الطبقة الثانية الحائلة بين البصر وطول البياض قليلاً فيظهر بيّناً وعلى انحطاط كثير من الشمس حتى يجاوز في العرض المذكور سبعاً وخمسين درجة.

وإذا كانت مائلة فيزداد السمك فيظهر ضعيفاً وعلى نحطاط حتى إنه قد ينقص عن خمسٍ وعشرين درجة، وإذا تناهى الميل فلا يُرى، وأمّا السبب في زيادة التاثر المذكور فلم اطلع عليه بعد ولعل الله تعالى يلهم الصواب فيه بفضله.

وأمّا الصبح الثاني فهو بياض نور الشمس في الطبقة الثانية إذا وافى الافق ظهر معترضاً وتفاصيل ما ذكر يُطلب من كتاب التنقيح).

 

تنبيه

ثم إن خسوف القمر لا يكون بالظل المنخرط إلى الحدة فقط بل وبما يحيط به من الظل المتسع، ويلزم ايضاً أن يكون بعض الظل الذي يقطعه جرم القمر رقيقاً يمازجه ضوء الوجود يشهد به.

لأنّ المعتبر إذا تأمل جرم القمر وقت انخساف بعضه فإنه يجد بعضه أسود شديد السواد ويجد حاشية السواد التي تلي الجزء الباقي من القمر أرق وأقل سواداً، أو يجد السواد يرق على تدريج ويخالطه حُمرةً وكلما رقّ السواد زادت ظهوراً.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى