دور أخلاقيات العلم في العديد من المجالات
1998 تقرير1996 عن العلم في العالم
KFAS
أخلاقيات العلم العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة
قد تجدر الإشارة إلى أن <J. مونود> كان من علماء البيولوجيا. وواقع الأمر، إن التقدم في علم الوراثة هو الذي أدى إلى ظهور حركة الأخلاقيات في الستينات.
صحيح، إن الفيزياء النووية كانت قد أدت في وقت سابق إلى نشوب مجادلات عنيفة بعد إسقاط القنبلتين الذريتين في عام 1945. غير أن ذلك الحدث لم يتبعه حينذاك أي رد فعل منظم على غرار ما حدث بالنسبة إلى حركة أخلاقيات علم البيولوجيا.
فقد غدت الهندسة الوراثية، بحكم كونها سيرورة ترمي إلى تبديل سمات الكائنات الحية، موضع نقاش منذ نشأتها. ولعل ما يبرر الإشارة بصورة خاصة إلى ما سبق، هو كون أول تساؤلات تطرح حول مرامي هذه التقانة ومخاطرها قد صدرت عن علماء الوراثة أنفسهم. ويمكن بذلك القول إن هؤلاء العلماء شهدوا، إلى حد ما، مولد أخلاقيات العلم بمعناها المعاصر.
وفي مؤتمر عقد في أزيلومار بالولايات المتحدة الأمريكية، قرر من حضره من علماء الوراثة تعليق نشاطهم البحثي. وقد استهدف هذا القرار، بصورة أساسية، الإعلان عن توقف مؤقت عن العمل بغية إتاحة الوقت الكافي لتفهُّم ما يجرُّه استخدام الكائنات المعدلة وراثيًا من أخطار على كل من البيئة وصحة الإنسان.
واستمر هذا التوقف سنة واحدة. وقد عمدت أغلب الدول حاليا إلى إصدار تشريعات تحدد قواعد السلامة الواجب اتباعها في حالات الاستخدام محدود النطاق للكائنات المعدلة وراثيا أو نشرها العمدي.
إضافة إلى ذلك، فقد غدا من الدارج تمامًا إعلان تعليق النشاط في أحد الجوانب البحثية أو التطبيقات التقانية المعينة، إلا أن مثل هذا الإجراء لم يكن معروفا حتى وقت انعقاد مؤتمر (أزيلومار). وبالفعل، ليست ثمة تقانات أخرى عُلَّق العلم بتطبيقاتها منذ نشأتها بناء على رغبة مخترعيها.
وإضافة إلى الهندسة النووية وعلم الوراثة، ثمة مجال مفصّل آخر للتفكير المتعمق في الجوانب الأخلاقية، ألا وهو مجال تقانات المعلومات، وهي تقانات آخذة في التوسع على نحو مثير من خلال استخدام الحواسيب والأقمار الصنعية (السواتل) وسائر الوسائل العصرية الأخرى لجمع البيانات وبثها.
وإلى أمد قريب كان الاهتمام منصبًا بصورة أساسية على أخطار التعدي على خصوصية الناس وحريتهم الشخصية من خلال اقتناء واستخدام البيانات الشخصية، لا سيما ما يتعلق بأوضاعهم المالية والأسرية وصحتهم وعاداتهم الاستهلاكية أو آرائهم.
وقد أدى هذا الاهتمام بعدد من الدول إلى تبنّي تشريعات لحماية البيانات، وهي تشريعات تساندها حاليا القوانين الدولية، لا سيما ضمن إطار مجلس أوروبا Council of Europe والاتحاد الأوروبي. وفي المستقبل القريب، وقد تنشأ ضرورة تطبيق هذه الضوابط نفسها على استخدام تقنيات الصورة الافتراضية virtual image التي تفتح آفاقا جديدة تماما لتشكيل الواقع ومن ثم محاكاته.
وحاليًا ثمة قلق متعلق بالأخلاقيات تجاه الآثار الهائلة المحتملة، الفكرية منها والأدبية، للاتصالات السمعية البصرية audio- visual في جميع أرجاء العالم. ولما كانت هذه التقنيات قد حطمت قيود الزمن والمسافة، فقد غدت تقنيات ثورية، تمامًا كما كانت الحال بالنسبة لاختراع الطباعة في زمانه.
ومما يجدر ذكره أن حرية الاتصال إذا ما مورست مع احترام تعددية المذاهب الفكرية ومراعاة المتطلبات الأساسية للعرض الصادق للمعلومات، فلن تعدو عندئذ مجرد سمة من سمات الديموقراطية بل سترقى الى ركيزة من ركائزها أيضًا.
ومع ذلك فقد انطوى التطور في وسائل الإعلام على مثلبتين: تتمثل الأولى في النزول بالمعلومات إلى مستوى العامية، أما الأخرى وهي الأهم، فتكمن في المخاطرة بحدوث توحيد قياسي للرأي العام أو حتى التلاعب به.
وبانفتاح العلم بنحو متزايد على الإعلام فهو معرض أيضا لهذه الأخطار، حاله في ذلك حال تعرض المجالات الأخرى لها تماما. لذلك، تقع على عاتق الباحثين مسؤولية اجتماعية خاصة من حيث إبلاغ الجمهور بنتائج أبحاثهم وتوضيح القضايا الفعلية التي تنطوي عليها (French National Ethics consultative committee, 1994).
ويتمثل الواجب الأساسي للباحثين في هذا الخصوص، في الالتزام بمتطلبات الصرامة والحيطة التي تقوم عليها جلالة فنّهم ونبالته. ومن أهم الشروط الإلزامية للأخلاقيات المهنية للأبحاث، عدم نشر أية نتائج بحثية إلا إذا كانت مستوفية الإجراءات الأساسية للمراجعة والتصديق.
وبالطبع، هناك دائما إغراءات بجني فوائد إعلامية أو مالية من وراء نشر نتائج بحثية على الرغم من كونها غير مكتملة أو مشكوكًا فيها.
ولم يعد الاهتمام بالأخلاقيات، الذي نتج من تنامي الوعي بالتحديات العالمية للعلم، حركة نظرية فحسب، بل بلغ مرحلة التحوّل إلى الكيان المؤسسي من خلال ما يتم إنشاؤه من هيئات مختصة بالأخلاقيات.
إضافة إلى ذلك، فهناك تحرك ملموس نحو "تقنين الأخلاقيات"، إذ يتزايد ما يصدر من القوانين الوطنية وما يتخذ من المواقف الدولية التي تسعى كلها إلى إعادة تحديد الطريق التي يمكن من خلالها حماية حقوق الإنسان تجاه تحديات العلم والتقانة.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]