دور الغابات في تخفيف الاحترار العالمي
2014 الاقتصاد وتحدي ظاهرة الاحتباس الحراري
تشارلزس . بيرسون
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
الاحترار العالمي علوم الأرض والجيولوجيا
إن محور نقاشنا هنا سيكون حول كيفية تجسيد التعبير رقمياً في تحليل الكلفة–العائد، من خلال النظر في دور الغابات في تخفيف الاحترار العالمي.
والأرقام [هذه] يمكن أن تكون مشجعة للغاية. وقتئذٍ لا نحتاج إلى تطوير أية تكنولوجيا جديدة أو غريبة(12).
فمن حيث المبدأ، يمكن للعوائد أن تبدأ عمباشرة لى الأغلب فوراً. والأموال لربما ستتدفق بشكل فاعلٍ ومنصف من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة حيث تجري فيها أغلب عمليات تجريف الغابات.
و"الفوائد الضامنة" (Collateral Benefits) للحد من إزالة الغابات – التنوع البيولوجي، وحماية التجمعات المائية، والحد من تسرب المواد الغذائية، وترسب الطمى في مصب الأنهار، والفيضانات، والحفاظ على استخدام الغابات المستدامة- قد تكون كبيرة. لكن العواقب القانونية والسياسية والمؤسساتية هي أيضاً كبيرة ومعقدة.
إن الفكرة الأساسية تتسم بالبساطة وإلى قدر كافٍ. فقد قُدر أن تجريف الغابات في المناطق المدارية قد تسبب بحوالي 25% من انبعاثات الكربون البشري، وبما يصل إلى نحو 17% من كل انبعاثات غازات الدفيئة.
فإذا كان بالإمكان تخفيض هذه النسب بصورة كبيرة وبكلفة معقولة، واحتمال السيطرة على تغير المناخ فينبغي أن يحدث ذلك تحسناً كبيراً.
وقد أدى ذلك إلى [ظهور] العديد من المقترحات، فالبلدان النامية من شأنها أن "تكسب" اعتمادات خفض انبعاثات الكربون للحد من إزالة الغابات، وانخفاض انبعاثات الكربون لما هو تحت مستوى خط الأساس.
ويمكن لهذه الاعتمادات أن تُباع للدول الغنية لاحقاً مقابل التزاماتها المتعلقة بخفض انبعاثات الغازات. وعندها ستكون الترتيبات مماثلة لآلية التنمية النظيفة على مستوى القطاع.
التعبير العام لهذه النماذج المعنية برسم السياسات المناخية هو "الحد من الانبعاثات الناتجة من إزالة الغابات وتدهورها" (Reduction of Emissions from Deforestation and [Forest] Degradation: REDD).
وقد تم توسيع هذا النموذج في كوبنهاغن لكي يتضمن ما يمثل الحفاظ والإدارة المستدامة للغابات وتُعرف الآن بـ (REDD+). وهذا المصطلح يتسم بالارتباك ولربما كان من الأفضل أن يسمى بالحفاظ على الغابات.
فكما هو الحال حينما تناولنا بالنقاش في وقت سابق التكيف، فنحن هنا مهتمون بكيفية استخراج الأرقام، وعما إذا كانت خطط الحفاظ على الغابات يمكن أن تجتاز اختبار تحليل الكلفة–العائد.
ومع ذلك، فقبل التحول إلى الأرقام، فمن المفيد أن نفكر في كيفية اختلاف المحافظة على الغابات عن المعايير الوصفية للحد الأقصى للتجارة، أو مخطط ضرائب الكربون.
الفارق الأول هو دفع إعانة لعدم القيام بأي عمل ما (تجريف الغابات)، ودفع غرامة الحد الأقصى للتجارة أو استخلاص ضريبة الكربون إذا ما تم فعل شئ ما من مثل (انبعاث الكربون).
فمن حيث المبدأ، الدفوعات المالية [الإعانات] لحفظ الغابات تخلق وتؤيد حقوق الملكية لأصحاب الكربون المحتبس بالغابات (التي ربما تكون قطاعا خاصا، أو ممتلكات حكومية).
وخطط الحد الأقصى للتجارة، تخلق وتؤيد حقوق الملكية للغلاف الجوي من قبل الحكومة، وعندها تُطالب (الحكومة) من هؤلاء الصناعيين المعنيين بانبعاث الكربون نتيجة أعمالهم اليومية الصناعية، القيام بالدفع بدلاًعن ذلك.
مرة أخرى من حيث المبدأ، التدفقات المالية في الاتجاهات المختلفة في الإعاناة مقابل النظام الضريبي، لا يتم حجبها، لكون تلك الميزة كثيراً ماتجد طريقها في المناقشات الدولية للحد من التجارة القصوى، أو مناقشات خطط الضرائب، لأن معظم الدول المعنية تفكر في بعض الآليات لدعم المشاركين من الدول الفقيرة (انظر الفصل الثامن)(13).
الفارق الثاني هو أن المحافظة على الغابات تُعتبر واحدة من استراتيجيات التخفيف المتعددة.
وعلى هذا المستوى، فإن تحليل الكلفة–العائد تسعى إلى تطبيق الطرق الأقل كلفة لغرض تحقيق هدف خفض الانبعاثات الإجمالية. ويتبع ذلك، أن تقييم المنافع المتري المناسب من المحافظة على الغابات هو مفهوم لـ "تجنب الكلف" (Costs Avoided).
فعلى سبيل المثال، إذا كان البديل عن المحافظة على الغابات هو الحد من انبعاث الوقود الأحفوري بكلفة 20 دولار أميركي لكل طن من الكربون المنبعث، ومن ثم فإن الفائدة الحدية لتجنب كل طن من الانبعاثات من خلال المحافظة على الغابات سيكون 20 دولاراً أميركياً.
وعلى الرغم من أن تلك ال 20 دولاراً أميركياً يجب مقارنتها بكلفة الفرصة البديلة للمحافظة على الغابات التي عملت على حبس طن من الكربون في الغابات، إلا أنها تتجنب المهمة الصعبة المتمثلة في تحديد وتسييل الأضرار نبشكل نقدي، وهو ما شأنه أن يعتبر أن أي الطن من الكربون المطلق في الغلاف الجوي قد تم خروجه [من نطاق الحسابات](14).
الفارق الثالث ينطوي على التوقيت والديمومة. فكل النُهج الثلاثة- ضريبة الكربون، والحد من التجارة القصوى، والمحافظة على الغابات- تنطوي على تحمل تكاليف اقتصادية راهنة في مقابل توقعها جني منافع في المستقبل، وفي بعض الأحيان المستقبل البعيد.
ولكن الأشجار التي لا يمكن قطعها اليوم سيتم قطعها غداً. فدفع الإعانات للحفاظ على الغابات الذي أُنجز اليوم هي رهينة لتغير الفكر والسلوك غداً من قبل مالكي الكربون المحتبس.
وإذا كان الدفع يسبق الأداء، فيجب أن تكون هناك ضمانات لحبس الكربون في الأشجار لمدة طويلة جداً. فميثاقٌ ملزمٌ لحفظ الغابات مرفقٌ بأراضي الغابات قد يكون ممكناً في عدد قليل من البلدان مع وثائق تفويض موثوقة لا شائبة فيها، إلا أنه أمرٌ غير مرجح الحدوث على أكبر تقدير.
وبدلاً من ذلك، يمكن أن يكون الدفع سنوياً، واعتباره استئجار خدمات حبس [الكربون] سنة بسنتها، ولكن الالتزام بعيد المدى للمشترين هو موضع تساؤل.
وإلى حدٍ كبير، لا تنشأ هذه المشكلة في التجارة القصوى الدولية، والنظام الضريبي، لكون المراقبة لربط المدفوعات مباشرة يمكن أن تكون مع الأداء في نفس الإطار الزمني(15).
الخطوة الأولى في وضع الأرقام على مخطط الحفاظ على الغابات هي إيجاد خط أساس للشروع بإزالة الغابات. فإزالة الغابات ليست عموماً فعلاً وحشياً للتدمير، إلا أنها محاولة عقلانية لتعظيم مردودات الفائدة من الأرض.
والحقيقة أن الأرض تخضع لعوامل خارجية معقدة، جزءٌ كبيرٌ منها ينشأ من عدم الكفاية في حقوق الملكية، وهو مجرد تعقيد للتحليل.
والفرضية الأساسية هي أن الأرض قد تحولت من الغابات لاستعمالات بديلة، أهمها الزراعة، كرد فعلٍ للإشارات الاقتصادية – الطلب بالنسبة للإنتاجية الزراعية مقابل إنتاجية الأخشاب [من الغابات] وصناعة الخشب.
المحددات الأساسية المتمثلة في النمو السكاني، والتغير في التكنولوجيا، والمدخلات والمخرجات لأسعار السوق وغيرها، والعوامل البيئية مثل تضاريس الأرض، والتربة، والمناخ، وعوامل أخرى تفضل الغابات على الزراعة. هذه المحددات هي مدخلات نماذج استعمالات الأرض.
ويمكن استخدام نفس النماذج لتقدير تحول استعمال الأرض من الزراعة والعودة إلى استعمالات الغابة مجدداً من خلال إعادة الغابات.
فمع خط الأساس لتوقعات إزالة الغابات الذي وضعته الدولة وبواسطة وحدات ميدانية مصغرة، تكون الخطوة التالية هي أن نُعرف بأسعار الكربون المختلفة، ومحاكاة معدلات إزالة الغابات مع أسعار الكربون الإيجابية.
ووفقاً لهذا التوقع فسيكون سعر الكربون أعلى، وهو ما يعني المستوى الأعلى للمحافظة على الغابات.
علاوة على ذلك، إذا كان أداء الأسواق جيداً، فإن المحافظة على أراضي الغابات ستكون كلفة فرصها البديلة أقل ضمن شروط الاستعمالات الزراعية الضائعة.
وإن نقص هكتارات الغابات المزالة (أي هكتارات الغابات المحافظ عليها) ستتحول لتقليل انبعاثات الكربون باستخدام بيانات مواقع محددة حول محتوى الكربون المحتبس في الغابات.
وفي هذا الشكل، يمكن تحديد التكاليف الحدية لتخزين الكربون الخاص بكل بلد – أو منطقة بعينها.
فمع ثبات العوامل الأخرى، إذا كانت الكلفة الحدية للكربون الباقي محتجزاً في الغابات (تكليفه البديلة) فهو أقل من الكلفة الحدية لجهود التخفيف الأخرى.
وإذا كانت هناك بعض الضمانات بشأن أن الكربون محتبس بصورة شبه دائمة، فإن تدابير المحافظة على الغابات قد اجتازت اختبار تحليل الكلفة–العائد. ففي الأسواق النموذجية، وإذا كانت كل البلدان تواجه سعراً مشتركاً للكربون، فإنها ستعادل تكاليف تخزين الكربون الحدية، وإن جهود المحافظة على الغابات قادر أن يكون فعالاً على المستوى العالمي.
قدم كايندرمان وزملاؤه (Kindermann et al. 2008) مثالاً جيداً لهذا النوع من التحليل. حيث استخدموا ثلاثة نماذج مختلفة من "نماذج الغابة-الزراعة" (Forestry-Agricultural Models) للتقدير التفصيلي لمعدل خط الأساس لإزالة الغابات لسنة 2030م.
وتتراوح إزالة الغابات المدارية السنوية فيما بين مدى 10.6 مليون هكتار إلى 12.2 مليون هكتار، بالاعتماد على النموذج. ومحتوى الكربون للهكتار الواحد يتراوح ما بين 48 طن إلى 132 طن، بالاستناد على المنطقة والنموذج.
أما الخط الأساس السنوي لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون من إزالة الغابات، وبغياب سياسات جديدة، فقد قُدر بـ 3.2 غيغا طن إلى 4.7 غيغا طن (الغيغا طن (Gigaton) هي مليار طن). وللمقارنة، قُدرت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية من جميع المصادر بـ 28.4 غيغا طن في عام 2007م.
كانت أسعار ثاني أكسيد الكربون تتراوح ما بين الصفر وال 100$، ومن ثم عُرفت لغرض تعقب منحنيات الكلفة الحديةة وفق النموذج والبلد. ويمكن التعبير عن النتائج بطريقة مختلفة.
فمع 20$ للطن الواحد للكربون، تكون تقديرات النماذج للانبعاث منخفضة بنسبة 1.6 إلى 4.3 غيغا طن سنوياً من ثاني أكسيد الكربون للفترة ما بين 2005 و20230م.
وبدلاً من ذلك، فإن سعر 10$ للطن الواحد من ثاني أكسيد الكربون سيحول كقيمة إيجار سنوي تتراوح ما بين 85 مليار دولار إلى 252 مليار دولار في السنة، والتي قد ذكره المؤلفون بأنها أعلى كثيراً من الإيجارات للأراضي الزراعية لذات المناطق.
وفي النهاية، فقد قارنت الدراسة الكلفة لكل طن من التخفيض من خلال المحافظة على الغابات مع الكلفة البديلة لتدابير التخفيض المركزة على الطاقة.
وعند الكلفة المتجنبة المفترضة لـ 9$ للطن من ثاني أكسيد الكربون – كلفة الطرق البديلة لتحقيق هدف تركيز بـ 550 لجزء من المليون- يكون الحفاظ على الغابات والذي سيقلل من عملية إزالة الغابات بواقع 10% إلى 50% للفترة حتى 2030م، مما يسهم بصورة كبيرة في خفض الانبعاثات الشاملة بطرق الكلفة-الفعالة.
في بعض النواحي، ينبغي النظر إلى هذه النتائج المثالية بحالة فُضلى. فقد افترضت الدراسة كلفة تعامل صفرية، وتنفيذ كفء، وعدم تسرب للكربون ( تحويل إزالة الغابات من مناطق مشاركة إلى مناطق غير مشاركة). وقد افترضت أن انخفاض الانبعاثات هو انخفاض دائم.
ومن جانب آخر، فهي لم تُضف ضمانات المنفعة المتعددة للدول المعنية، وإلى المجتمع الدولي الناتجة عن المحافظة على الغابات لكونه إضافة لخزن الكربون.
استنتاج
ليس هناك من شك أن العديد من الأرقام التي تمت مناقشتها في هذا الفصل هي أرقام لا يمكن التعويل عليها. ولكن هذا لا يجعلها عديمة القيمة، بل نقول وبكل بساطة يجب توخي الحذر عند استخدامها. وندعو النقاد إلى الحصول على نتائج أفضل من تلك الأرقام.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]