ذكرى وفاة العالم “موزلي”
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول
صبري الدمرداش
KFAS
العالم موزلي التاريخ المخطوطات والكتب النادرة
الفاجعة…
في صيف عام 1914، وبينما مدرسة العلماء البريطانيين معنية بالبحث عن أسرار العناصر، دخل أحد تلاميذ الأستاذ تونزند بأكسفورد عليه ليودعه.
كان الفتى مسافراً إلى أستراليا لحضور مؤتمر المجمع البريطاني لتقدم العلوم. وكانت تصحبه أمه، وهي الآن زوجة الدكتور صلَّس أستاذ الجيولوجيا بأكسفورد.
وصل الفتى إلى أستراليا يوم أُذيع نبأ إعلان الحرب بين إنجلترا وألمانيا. وكان يود لو أتيح له الانضمام في الحال إلى الجيش البريطاني، ولكن ارتباطاته السابقة حالت دون ذلك.
فاشترك في سيدني وملبورن في اجتماعات العلماء. وقرأ في أحدها-برئاسة رذرفورد- رسالته في (طبيعة العناصر) . وقفل بعد انتهاء المؤتمر عائداً إلى بلاده لينتظم في الجيش. وكان قد فُرض عليه أن يشتغل في أحد معامل البحث العلمي التابعة للحكومة فرفض مؤثراً الخدمة في الميدان.
في تلك الأيام العصيبة لم يدرك رجال الجيش أنهم بقبولهم طلبه يعرضون للهلاك عقلاً من أعظم العقول العلمية التي أنجبتها إنجلترا بل والعالم في العصور الحديثة. فأُلحق بفرقة المهندسين الملكية. وفي 13 يونية عام 1915 أرسل مع الجيش الذاهب إلى جليوبولي.
كان الفتى صريحاً شجاعاً متواضعاً فأحبه إخوانه ورؤساؤه في الخنادق والمضارب. وكان يبعث إلى أمه برسائل من ساحة الوغى ملؤها البشر والإيناس، ضارباً فيها صفحاً عن مصاعب الحرب وأخطارها في ساحة الدردنيل. بل على الضِّد، كان يملأ رسائله بمشاهداته الطبيعية في تلك البلاد الغريبة التي تعلوها غمامة الحرب، لأنه كان –كأبيه- يحب الطبيعة ويعشق أزهارها وأطيارها.
ومضت الحال على ذلك نحو شهرين، وفجأة انقطعت رسائله، وتلا ذلك النبأ العظيم. لقد مات الفتى (مات ميتة الأبطال وهو يلازم موقعه حتى النهاية. فلقد أصابته رصاصة في رأسه وكانت الإصابة قاتلة. وبفقده فقدت الفرقة ضابط إشارات ممتازاً وصديقاً وإنساناً لا يُعوَّض). – كما جاء في رسالة أحد إخوانه الضباط بعث بها إلى أم الفقيد.
وكان اليوم 10 أغسطس عام 1915 على مقربة من خليج سوفلة، وقد نعى الضابط موزلي إلى أفراد فرقته وهو يخاطبهم عبر التليفون.
وهذا نعيٌ آخر، نعي ملِّيكان : (…باحث علمي قليل النظير سوف يتاح له الخلود في تاريخ العلم الحديث، لما اتصف به من ألمعية في التصوير وبراعة في التنفيذ وخطورة في النتائج. كل هذا قام به شاب في السادسة والعشرين، ففتح النوافذ أمامنا لنلمح ما هو جارٍ في عالم الذرات بوضوحٍ ووثوقٍ لم نك نحلم بهما من قبل. ولو لم يكن للحرب الأوروبية من أثر سوى إطفاء شعلة الحياة في ذلك الشاب لكان ذلك كافياً لوصفها بأنها أشنع جريمة ارتكبها الإنسان في التاريخ!).
وذلك نعي إربان –أتذكره؟- في رسالته إلى رذرفورد أستاذ موزلي : (كم عجبت وأُعجبت لمَّا زرته في أكسفورد، إذ وجدت شاباً حديث السن قادراً على أن يُتمَّ عملاً عظيماً كهذا. إن جدول موزلي حقَّق في بضعة أيام نتائج أبحاثي المتواصلة طيلة عشرين سنة).
طبت حياً للعلم..وميِّتا!
كان موزلي في مماته، كما كان في حياته، وفياً للعلم ومخلصاً. إذ ثبت أنه أوصى في وصيته، التي كتبها في ميدان الحرب، بكل أدواته العلمية وماله الخاص للجمعية الملكية لتستعملها في إثراء البحث العلمي وتطويره.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]