البيولوجيا وعلوم الحياة

ردود أفعال متباينة حول تكنولوجيا “الدنا المترابط”

2013 لمن الرأي في الحياة؟

جين ماينشين

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

البيولوجيا وعلوم الحياة

أوردت العديد من التواريخ الممتازة النقاشات المبكّرة بشأن الدنا المترابط بالتفصيل. ولا حاجة إلى تكرار القصص هنا، لكن يجب أن نقدّر أهمية هذه الحادثة التي غيّرت بسرعة دور البيولوجيا في المجتمع.

بالتوصّل إلى تكنولوجيا الدنا المترابط، "نمت" البيولوجيا وأصبحت علماً غزير التمويل يقدّره الجمهور ويسيطر الآن على المشهد حول معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في كامبردج، ماساتشوستس، والعديد من المناطق في كاليفورنيا، وأماكن كثيرة متزايدة في ما بينهما.

وقد تحدّى هذا العمل أيضاً ما نعنيه بكلمة "حياة". إذا كانت حياة الفرد معرّفة من خلال المادة الوراثية الموروثة ويعبّر عنها بالتطوّر الجنيني، هل يتغيّر ذلك التعريف عندما نعيد تجميع الدنا؟ وهل نستحدث حياة جديدة أو مختلفة؟ إذا كان كذلك، هل للأمر أهمية؟ هل نعيد تعريف الحياة أو تصميم الحياة؟

في سنة 1973، عملت ماكسين سينجر (Maxine Singer) ، من المعهد الوطني للسرطان في ذلك الوقت، رئيساً مشتركاً لمؤتمر غوردون للبحوث في الحموض الأمينية. بدأ هذا المؤتمر في سنة 1931 وحمل اسم غوردون تكريماً للمساهمات الإدارية الطويلة لنيل غوردون (Neil Gordon) في سنة 1947، وقد وفّر منبراً مرموقاً لفرق الباحثين كي تجتمع معاً وتبحث أحدث الأعمال العلمية في المجالات الجديدة و"الساخنة".

القواعد واضحة بأن هذه الاجتماعات مخصصة لتبادل الآراء الجديدة في بيئة منفتحة وداعمة. ويوقّع المشاركون على اتفاقات بعدم الاستشهاد بالآخرين أو الاقتباس عنهم من دون إذن، وأن يتم التشديد على تعزيز الابتكار والتأمّل واستثارته. وكما يصرّح الموقع الإلكتروني للمؤتمرات، "توفّر مؤتمرات غوردون للبحوث منتدى دولياً لعرض البحوث المتقدّمة في العلوم البيولوجية والكيميائية والفيزيائية والتقنيات ذات الصلة ومناقشتها".

 

في هذا السياق للعلوم المثيرة للاهتمام على نحو المتوقّع، أفادت الكاتبة جون غودفيلد (June Goodfield) أن ماكسين سينجر وجدت مؤتمر الحموض النووية في سنة 1973 "مناسبة دراماتيكية جداً".

فقد بدأت احتمالات عمل الدنا المترابط ومشاكله بالظهور، وبحلول نهاية الأسبوع قرّر المنظّمون تخصيص خمس عشرة دقيقة في نهاية إحدى الجلسات في اليوم الأخير للإقرار بالنتائج المترتّبة على البحث. وقرّر العلماء في هذا الاجتماع المكثّف للبحوث أن تفحّص العواقب الاجتماعية للعلم موضوع مشروع للنقاش حتى في اجتماع علمي – لمدة خمس عشرة دقيقة على الأقل.

في نهاية هذا النقاش القصير، كتب المشاركون، بعد إدراكهم أن خمس عشرة دقيقة ليست وقتاً كافياً، رسالة إلى الأكاديمية الوطنية للعلوم تلحظ المشاكل المحتملة لبحوث الدنا المترابط. ولم يثر ذلك أي خلاف تقريباً. غير أن القرار بكتابة رسالة إلى مجلة ساينس التي توزّع على نطاق واسع وبالتالي "التوجّه إلى الجمهور" لعرض المخاوف لم يكن واضحاً جداً أو شعبياً جداً. لكن الغالبية وافقت، وظهرت الرسالة في 21 كانون الأول/ ديسمبر 1973.

أثارت الرسالة ردّاً شعبياً فورياً، أدى بدوره إلى تشكيل لجنة برئاسة بول بيرغ (Paul Berg) ، عالم الوراثة في جامعة ستانفورد، وضمّت جيمس واتسون، ودايفد بالتيمور (David Baltimore) وآخرين ظلوا ناشطين في العلوم وفي نظر الجمهور منذ ذلك الوقت.

 

في 24 تموز/ يوليو 1974، نشروا في مجلة ساينس ما أصبح يعرف باسم "رسالة بيرغ". دعت هذه الرسالة إلى تأجيل الأبحاث إلى أن يتمكّن العلماء من تقييم المخاطر المحتملة للعمل التي يمكن أن تشكّل تهديداً كبيراً للبشر. على العلماء ألا يضفّروا البلازميدات المقاومة للمضادّات الحيوية في الجراثيم، على سبيل المثال.

وعليهم أيضاً أن يتوخّوا العناية بتجارب "الرجم" (shotgun experiments) التي تأخذ دنا كائن حيّ بأكمله وتقطّعه إلى أجزاء عشوائية. بدا أن هذه التجارب تشكّل أعظم المخاطر: بما أنه لا توجد طريقة لمعرفة ما هي أغراض أجزاء رمز (code) الدنا، فإن هناك خطراً يترتّب على زرع أجزاء وجمعها بطرق خطيرة لا يمكن التنبّؤ بها.

وكان الموقّعون على الرسالة راغبين في النظر بوجوب عدم إجراء تضفير الدنا على الإطلاق. ولاتخاذ إجراء عملي، أوصوا بأن تنشئ معاهد الصحة الوطنية لجنة لتقييم الأخطار ووضع إجراءات لاحتواء الأبحاث والتحكّم بمخاطرها المصاحبة.

أدّت الرسائل والدعوات إلى التأمّل إلى عقد مؤتمر في مرفق المؤتمرات الرائع في أسيلومر بكاليفورنيا. وهناك ناقش العلماء ما يعرفونه عن العلم وقارنوا الملاحظات.

رأى من حضر المؤتمر أن الوقت غير ملائم للمحافظة على السرية أو حماية حقوق ملكية المعرفة، وإنما لبناء أساس متين للمعرفة ووضع المبادئ التوجيهية التي يمكن أن تجعل العالم سالماً لاستمرار بعض البحوث على الأقل. فكيف سنتعلّم المزيد إذا لم نجرِ أبحاثاً جديدة؟ بل كيف نعرف ما هي المخاطر حقاً؟

لا شك في أنه يجب أن يكون من الممكن وضع مبادئ توجيهية وطنية ثم دولية لاحتواء المخاطر المحتملة. وسرعان ما وضعت مجموعات من البروتوكولات للاحتواء الفيزيائي والبيولوجي إلى جانب مبادئ توجيهية ضمن إطار "معاهد الصحة الوطنية"، واستمرّت بعض الأبحاث الأقل خطراً في حين ظلّت بعض التجارب التي تنطوي على تضفير جينات بشرية متوقّفة.

 

أنشئت اللجنة الاستشارية للدنا المترابط في سنة 1975 وشملت ولايتها تقديم النصح إلى مدير "معاهد الصحة الوطنية" بشأن "القيام بعمل الدنا المترابط والإشراف عليه" والأنشطة الأخرى ذات الصلة بتكنولوجيا الدنا، استباقاً للتطوّرات المقبلة.

أنشأ كل مركز أبحاث يحصل على تمويل اتحادي في الولايات المتحدة لجاناً إشرافية وقيّم تكاليف ومزايا إنشاء مختبرات ذات مستويات ملائمة من الاحتواء الفيزيائي والبيولوجي للقيام بهذه الأبحاث الجديدة.

 ما مقدار ارتفاع التكلفة إذا أفلتت المادة الوراثية من مختبر ذي مستوى احتواء مرتفع، على سبيل المثال، وما مقدار ارتفاع المكاسب إذا حقّق الباحثون اكتشافات طبية ناجحة مالياً؟ اختارت معظم الجامعات مستويات احتواء منخفضة وسعت لطمأنة الجمهور ونقّاد مركز الأبحاث إلى يقظتها وحكمتها.

بدا الآن أن اتخاذ هذه التدابير ردّ فعل منطقي على علم جديد لا تُعرف آثاره المحتملة. بيد أنه كان من غير المعهود جداً أن يتصرّف فريق من العلماء عن وعي ذاتي وعمد بهذه الطريقة بحيث لم يكن الناس واثقين من كيفية الردّ.

صفّق قليلون للعلماء لأنهم كانوا أول من تأمّل في الاستخدامات أو إساءة الاستخدامات المحتملة لعملهم. واستجاب الكثير بطريق تبدو بالرجوع إلى الوراء مبالغاً فيها. وثارت مخاوف الكثير من وسائل الإعلام وأعضاء من عامة الناس الذين يهتمّون بالعلم.

إذا كان العلماء يعترفون بأن التجارب تعرض بعض المخاطر، بل إن أخبر الخبراء لا يعرف ما يمكن أن تكون هذه المخاطر، فربما يتعيّن علينا وقف مثل هذه البحوث العلمية الآن وإلى الأبد. وربما يجب أن توضع حدود لما يسمح لعلماء الأبحاث القيام به. وربما، كما اقترح سنشايمر لاحقاً، يجب أن تكون هناك حدود للتقصّي الحرّ من أجل الصالح العام.

يكشف أخذ هذه الفكرة على محمل الجدّ تحوّلاً كبيراً في التفكير في العلم ودوره في المجتمع. في غمرة النجاح الفوري للحرب العالمية الثانية – أو ما اعتُبر نجاحاً للفيزيائيين الذين منح الكثيرون لقنبلتهم النووية الفضل في إنهاء الحرب وإنقاذ حياة عدد لا يحصى من الأميركيين – أصبح العلم مرتبطاً بالتقدّم في العقلية الأميركية.

 

وقد أكّد فانيفار بوش (Vannevar Bush) ، مستشار الرئيس أيزنهاور (Eisenhower) ، أن الولايات المتحدة بحاجة ماسة إلى العلم المموّل من قبل الحكومة. إننا بحاجة إلى أبحاث العلوم الأساسية في شتى المجالات العلمية، لأن التقدّم الطبي والتكنولوجي يقوم على مثل هذه المعرفة الأساسية.

وسعى بوش إلى إقناع الرئيس والكونغرس بأن "التقدّم في العلم سيرفع مستويات المعيشة، ويؤدي إلى تجنّب الأمراض أو علاجها، وسيعزّز المحافظة على مواردنا المحدودة، وسيضمن وسائل الدفاع ضدّ العدوان. لكن لتحقيق هذه الأهداف – لتأمين مستوى مرتفع من العمالة، والمحافظة على موقع قيادة العالم – فإن تدفّق المعرفة العلمية الجديدة يجب أن يكون مستمراً وكبيراً".

هناك في الواقع "مجالات لانهائية" مثيرة للتحدّي ومليئة بالفرص للعلماء المشتركين في التقصّي العلمي الأساسي المفتوح. ويعني ذلك كما يرى بوش، أن العلماء يجب أن يكونوا أحراراً في استكشاف العلوم وأن النتائج ستكون جيدة للمجتمع أيضاً.

 لذا على الحكومة أن تموّل الاستكشاف من أجل الصالح العام. وعلى المواطنين الشبّان الذين لديهم المواهب الضرورية أن يتقدّموا ويمارسوا العلم. كما يجب أن تبدأ الأمة برنامجاً لتعليم مزيد من العلماء ويجب أن تموّل تلك المبادرة التعليمية.

ما هو الدور الملائم للعالِم؟ هل هو عامل يعمل على إنتاج المعرفة التي تكون بحدّ ذاتها "نقية" و"جيدة"؟ أو هل المنتَج محايد على الأقل، بحيث إن ما يهم هو كيف يختار الجمهور استخدامه، باعتباره مستهلِكاً؟ وكما كتب صاموئيل فلورمان (Samuel Florman) في كتابه الرائع (Existential Pleasures of Engineering )، يمكن أن يصنع المهندسون دراجات نارية أو مزامير، ويعود للمجتمع والأفراد اختيار ما يريدون استخدامه، فالتكنولوجيا والعلم لا يمليان القيم على المجتمع. هل يجب منح العلماء الحرية الكاملة وتوقّع أن يراقبوا أنفسهم إذا انحرفت جهودهم؟ أو أن ذلك شبيه بترك المجانين يديرون مستشفى الأمراض العقلية؟ ما العقد الاجتماعي الملائم بين العلماء والمجتمع؟

دعا سنشماير إلى أن يتولى بعض العلماء على الأقل دور العلماء العامين ويتحمّلوا مسؤولية التفكير في النتائج المترتبة على الأبحاث والنظر في القيود أو الحدود المحتملة. فقد تساعد معرفة أن بعض العلماء يضطلعون بمثل هذه المسؤولية الجمهور في الثقة بالعلماء. لكن هل يجب أن يثقوا بهم؟ وإذا كان يجب ألا يثق الجمهور بالعلماء، وإذا كان للجمهور الحقّ في فرض الحدود على العلم بل يتحمّل المسؤولية عن ذلك من أجل الصالح العام، فهل يجب أن يثق العلماء بأن يؤدي الجمهور ذلك بحكمة؟ وإذا كان العلماء سيراقبون أنفسهم، هل يمكنهم أن يثقوا بعضهم ببعض؟ وكيف نتعامل مع إقامة التوازن الملائم بين الحقوق والمسؤوليات؟

 

في أواسط السبعينات، تكثّفت المناقشات العامة بسرعة. وفي حين شعرت سينجر وزملاؤها بأنهم يدعون إلى "وقف مؤقّت" معلّل للبحوث إلى أن نعرف المزيد، فإن آخرين فسروا ذلك بأنه دعوة إلى وقف مثل هذا العمل بأكمله. اشترك العلماء والجمهور في كامبردج، ماساتشوستس، في نقاش حيوي وغاضب في بعض الأحيان بشأن مقدار أبحاث الدنا المترابط التي يجب أن تجرى هناك وما هو نوعها. ما الذي يجب أن يسمح للجامعات الخاصة ذات الاستثمارات العلمية الكبيرة بالقيام به، وما القيود التي يحقّ لمجلس المدينة فرضها أو يتحمل مسؤولية فرضها؟

نظرت جامعة ميتشيغن في إقرار حظر خاص على بحوث الدنا المترابط. وتواصلت المناقشات بطرق مختلفة في جميع أنحاء البلد، بما في ذلك الكونغرس. وهناك قدّم السناتور إدوارد كنيدي تشريعاً لتقييد بعض بحوث الدنا المترابط. ك

ان تنظيم العلم عن طريق القانون بهذه الطريقة يفرض قيوداً فريدة ومزعجة جداً على التقصّي الحرّ، ربما بمثابة ردّ فعل على التأثير السياسي أو المخاوف العابرة الناجمة عن الجهل أو التشوّش. فشعر العلماء بالقلق.

في واشنطن، عقدت أكاديمية العلوم الوطنية جلسة استماع في آذار/ مارس 1977، عندما سعى بعض العلماء إلى إنهاء القيود وإرخاء المبادئ التوجيهية لمعاهد الصحة الوطنية. تحدّثت ماكسين سينجر صراحة ثانية عن جلسة الاستماع، وأفادت عن النقاش الحامي وتكرّر ما أصبح يبدو مخاوف غير معقولة وغير مبرّرة.

وخلصت إلى أن "من الصعب أخذ المطالب بحظر جميع بحوث الدنا المترابط على محمل الجدّ عندما تأتي ممن يطلبون الاستماع إليهم لكنهم لا يبقون حتى يستمعوا للآخرين". ولاحظت مستاءة بوضوح: "لقد عمل من يسمّون الآن ‘مناصرين’ للبحوث جاهدين لمدة طويلة لحظر تجارب معيّنة وتوفيق متطلّبات الاحتواء مع المخاطر المقدّرة التي تتهدّد الآخرين.

 

النهج التحليلي الحذر تكتيك محبط مضادّ للخوف الذي لا يقوم على العلم، والغموض، والانتهازية السياسية. لكن يجب أن يستمر، وإلا سيكون العلم نفسه في خطر". ورأت أن علينا ألا نسمح لمشاركة الجمهور بالذهاب بعيداً ولا أن تملي ردود أفعال مبالغ فيها أو قبل الأوان.

وتثير تأمّلاتها الآن وفي ذلك الوقت، بشأن مزيد من القضايا البيولوجية، أسئلة مهمة عن دور الخبرة في الديمقراطية الدستورية. كيف نفصل على أفضل وجه بين الادّعاءات المتنافسة في مجالات تخضع فيها الخبرة نفسها للتمحيص؟

في حزيران/ يونيو 1977، سحب السناتور إدوارد كنيدي اقتراحه بتنظيم البحوث وأعلن أن العلماء تصرّفوا بمسؤولية وبطريقة مسعفة. وحثّ على تمديد المبادئ التوجيهية لمعاهد الصحة الوطنية سنة إضافية وضرورة استمرار مشاركة الجمهور في النقاشات الخاصة "بتقييم تطور سياستنا الوطنية بشأن العلم والبحوث الطبية وتنفيذها".

وقد خلص فيليب أبلسون (Philip Abelson) باعتباره رئيساً لتحرير مجلة ساينس إلى أن "بحوث المترابط اليوم عالية الإنتاجية وعالية التنافسية. ويتعرّض العاملون لإغراء سلوك طرق مختصرة. لكن يجب أن يعملوا كما لو أن كل ما يقومون به يخضع للتدقيق، وهو كذلك – من المساعدين أو الزملاء أو المنافسين. العالِم الذي يقدّم الذريعة للتشريع التقييدي يمكن أن يعتمد على الإرادة السيّئة للعديد ممن يريد أن يؤثّر فيهم".

هذه السلسلة من ردود الأفعال مهمة لأنها تقدّم معلومات للاستجابات التي توجد لدى هؤلاء العلماء أنفسهم، وخلفائهم، بشأن البحوث الجديدة اليوم. وعندما تُرى أنها تعبّر عن أي مخاوف، فربما يعتبر الجمهور ذلك بمثابة دعوة للوقف المؤقّت أو لتشريع يفرض الرقابة على العلم.

وبالنظر إلى استمرار افتقار الجمهور لفهم العلم، فإن لدى العلماء القليل من الأسباب التي تجعلهم يثقون بأن أعضاء الكونغرس أو المنظمين سيكون لديهم فهم متنوّر لعلم الاستنساخ أو بحوث الخلايا الجذعية.

 

مع ذلك، كان لدى أعضاء الكونغرس والجمهور سبب للثقة بالعلماء في ما يتعلّق بالدنا المترابط. ففي النهاية راقب العلماء أنفسهم. ودعوا إلى وقف مؤقّت عندما ظنّوا أن هناك أسئلة. ودعوا إلى المبادئ التوجيهية والتفكير، وإلى اتخاذ خطوات صغيرة والنظر في أثناء ذلك في المخاطر والفوائد المحتملة. وساعدوا في وضع مبادئ توجيهية وآليات إشراف صالحة للتطبيق في المراكز الجامعية وفي المختبرات التي تمولّها المعاهد الصحية الوطنية. وكانت تلك لحظة رائعة في تاريخ العلم.

أظهر الجمهور نمطاً معهوداً من الاستجابة، يبدأ بالقلق الابتدائي الذي يليه بسرعة ردّ فعل شديد خوفاً من المجهول و"أداء دور الإله" – وهو مزيج من القلق والترقّب ظهر بطرق تشوِّش الجمهور ووسائل الإعلام المتلهّفة. وسرعان ما أفسحت هذه المشاعر الطريق أمام إحساس بالإلحاح في أوساط الداعمين للعلم لإيجاد طرق للسماح باستمرار البحوث بطريقة آمنة.

ربما يفوق الأمل بالتوصّل إلى معرفة جديدة المخاطر، ويشكّل عدم الإقرار بذلك خطراً بحدّ ذاته. لذا تلا الترقّب ردود الفعل الابتدائية على بحوث الدنا المأشوب، التي تراوحت بين القلق أو الجزع. هل ذلك صياغة وإعادة تصميم مشروعة للحياة؟ إذا كان كذلك، هل يجب علينا السعي لصياغة العلم والتحكّم فيه؟

تأمّل واتسون وتوز وكورتز في هذه الدورة في مقدّمة دليلهم في سنة 1981. وكشفت ملاحظة في التمهيد عن وجهة نظرهم الخاصة: "لم تكن السنوات الأولى التي تلت إنتاج أول جزيئات الدنا المترابط تتميّز بالسعادة التنافسية المحمومة التي تصحب عادة افتتاح حقبة علمية جديدة.

 

وبدلاً من الحلم إلى حدٍّ كبير بالاكتشافات الجديدة التي ستحملها الأيام أو الأشهر أو السنوات القليلة التالية، كان العلماء قلقون على الأغلب مما إذا كانوا سيُمنعون من تحقيق اكتشافاتهم لمدة غير محدّدة، بسبب وجود لوائح شديدة تحكم ظهور الدنا المترابط.

ومن حسن الحظ أنه تبيّن أن أسوأ مخاوفنا كانت من دون أساس، واليوم لم تعد معظم أشكال بحوث الدنا المترابط تخضع لأي شكل فعال من أشكال التنظيم". ولم يتضح إذا كانت "أسوأ مخاوفهم" تتعلّق بما يمكن أن يحدث إذا أخطأ العلم أو ما يمكن فعله لمنعهم من ممارسة العلم الذي يريدون القيام به – أو كليهما.

ومما يدعو للسعادة، من وجهة نظرهم، أن تلك "السنوات المضطربة" لمؤتمر أسيلومر والتنظيم قد انتهت. وعبّروا ضمناً عن أن الأفضل كان عدم قيام الجمهور بتقييد ما يستطيع العلماء القيام به.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى