زواج العالم “فاراداي” وتحليه بصفتي التواضع والكرامة لنهاية حياته
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني
صبري الدمرداش
KFAS
زواج العالم فارادي صفات العالم فارادي التاريخ المخطوطات والكتب النادرة
هل حقاً يحوِّل الحب الفلاسفة .. إلى بُله ؟!
خفق قلب فاراداي للحب. حب من يا ترى ؟ إنها فتاة رقيقة تدعى "سارة برنادر" .
وكان فاراداي في باكورة حياته يهاجم الحب. وقد جرَّحه في مذكراته قائلا: " ما هو الحب؟ إنه شيء مقلق لراحة كل الناس، ما عدا الطرفين اللذين يهمهما الأمر" .
ولكنه أصبح الآن مصراً على إعلان حبه حتى ولو أقلق راحة حبيبته! وعندما أرسل إليها خطاباً يعرض فيها الزواج منها . كتبت هي في هامش الخطاب "إن الحب يحول الفلاسفة إلى بُله" .
ولكن الفيلسوف أصر على بلاهته، ووافقت سارة، وكان ذلك بدء سعادتهما التي استمرت طوال حياتهما ، فقد أتضح أن هذه الزوجة بمثابة النصف المكمل لزوجه تماماً .
فإذا كان فاراداي لا يهتم بالمال أبد، فإن سارة لم تكن تكترث به كذلك. وقد استمرت ما يقرب من نصف قرنٍ وهي تعتني بجسمه وتحنو ، تاركة عقله حراً طليقاً يحلق في دنيا البحث العلمي .
تواضعٌ … وكرامة
اعتلِّت صحة فاراداي بين عامي 1838 و1841، فذهبت به زوجه إلى سويسرا طلبا للشفاء، فقضى فيها عامين استرد فيهما شيئاً من صحته ثم عاد إلى وطنه لمتابعة مباحثه.
وكانت جمعيات العالم العلمية قد انتخبته عضو شرف، ومنحته أوسمتها، وانهالت عليه ألقاب الشرف من الجامعات والحكومات والملوك.
ولكنه كان وديعاً متواضعاً لم يسع قط إلى أي من لقب أو وسام . حتى أنه رفض رئاسة الجمعية الملكية بلندن، وكاد أن يرفض معاشاً قطعته له الحكومة الإنجليزية في وزارة السير "روبرت بيل"، لولا أن اقنعه أصدقاؤه أن هذا المعاش ليس إحساناً وإنما هو حقٌّ وتقدير.
ولكن السير روبرت تخلِّى عن منصبه قبل أن يبت في الأمر فحل محله لورد "ملبورن" . ولما كان هذا اللورد يجهل قيمة فاراداي كأحد العمالقة في تاريخ العلم والنجوم الزاهرات في سمائه، فقد كلَّمه كلاماً جرح كرامته . ومن ثم تركه مغاضباً ، بعد أن حسبه أنه دعاه ليكرِّم العلم في شخصه ! .
ولفت نظر الوزير فندم على ما فعل . وجرَّبت سيدة مجتمع أن تصلح ذات البين ولكن فاراداي أبى.
ولما سألته السيدة عما يطلب، قال : "ما لا أنتظر تحقيقه. إني أطلب اعتذاراً خطيِّاً من الوزير" . ومن عجبٍ ان الوزير خطَّ الاعتذار . وبعدها قبل عالمنا المعاش الذي قطعته له الحكومة.
بسيطٌ … حتى النهاية
بدأت قوى فاراداي، التي أجهدتها التجارب ونالت منها السنون، تخور من جديد، ومع تضاؤل قواه بدأ يلاحظ ضعفاً تدريجياً في ذاكرته. و
هو يشير إلى تلك العلَّة، بما عُرف عنه من دعابة ، في إحدى رسائله إلى صديقه "شينباين" بقوله : " ليس لدي شك في أن ردِّي على خطابك كان غير كافٍ مطلقاً، ولكن أرجو يا صديقي العزيز أن تتذكَّر أنني أنسى وأنني لا يمكنني أن أمنع ذلك إلاّ بمقدار ما يمنع الغربال واسع الخروق الماء من النفاذ من خلاله!" .
وبطبعه الفكاهي اللطيف أخذ يرقب نبع حياته وهو يغيض. وقد قال : " المهم أن نعرف كيف نتقبل كل شيء في هدوء" .
وحدث ذات يوم أن أُرسل أحد موظفي دار المسكوكات الملكية ليجري تجربة في معمل المعهد الملكي، فلفت نظره رجلٌ يلبس حلِّة رثَّة وهو يرقبه وفي عينيه نظرة عجيبة، قال له الموظف: أظن أنك تعمل هنا من سنين؟.
وأجاب فاراداي : سنين طويلة .
– وما عملك هنا ؟ فرّاش .. أم شيء من هذا القبيل ! .
– شيء من هذا القبيل ! .
– وما اسمك يا صديقي ؟
– ميشيل فاراداي
أجل، إنه ميشيل فاراداي، البسيط حتى النهاية .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]