انتشر خبر أن شبكة الجيل الخامس 5G هي التي تسببت في فيروس كورونا أو أنها كانت سببًا في انتشاره عالميًا. بشكل خاص، فإن انطلاق فيروس كورونا من الصين كان بسبب وجود هوائيات الجيل الخامس 5G Antennas، ولعل من أبرز الفيديوهات التي انتشرت بهذا الصدد موجود على يوتيوب، بل إن حتى المفتي علي جمعة من جمهورية مصر العربية صرح بأن الكهرباء لها علاقة في شيوع الفيروسات وأن الكهرباء سبب تكونها، وأن الجيل الخامس قد يكون سببًا في فيروس كورونا، وأن الموجات الكهرومغناطيسية هي التي تهيئ الأجواء لانتشار الفيروس.
الإجابة المختصرة: الجيل الخامس للاتصالات والكهرباء لا علاقة لهما بالفيروسات، فقد كانت الفيروسات والأوبئة موجودة منذ قديم الزمان، وقبل أن تكون هناك أي شبكة اتصالات من أي نوع، ولا حتى كهرباء، بل أتت الأوبئة الأشد قبل إنتاج الكهرباء التي نعيش عليها اليوم. وإضافة إلى ذلك، فإن غالبية من تكلم في نشر إشاعة تأثير شبكة الجيل الخامس 5G غير مختص بعلم الفيروسات أو حتى الاتصالات، ولا حتى أنه استدل على أبحاث محكمة من مجلات علمية رصينة.
الإجابة التفصيلية: يدعي البعض أن الأوبئة في السنوات المئة والخمسين السابقة حصلت بعد قفزة نوعية في كهربة الأرض، وأنه في نهاية 1917 وبداية 1918 أدخلت موجات الراديو في جميع أنحاء العالم. و كلما تعرضت خلايا الجسم لموجات كهرومغناطيسية، فإنها تسممها، فتقتل بعضها، وتجعل بعضها الآخر في حالة من الحركة المعلقة. ولذا، فهي تعيش لفترة أطول، ولكنها تكون مريضة، وبإطلاق أجهزة الرادار انتشر وباء آخر في وقتها. وفي عام 1986 رُبط الوباء “إنفلونزا هونغ كونغ” بانتشار الأقمار الاصطناعية حول العالم، ويكتمل هذا الربط والادعاء أن انتشار فيروس كورونا كان بسبب تركيب شبكات 5G، ويكمل الادعاء بأن أول مدينة غُطيت بالجيل الخامس من الشبكات هي مدينة وهان.
وللأسف، فإن كل الادعاءات المذكورة ليس عليها أي دليل علمي، كل ما طرح يعتمد على السرد القصصي، والقصص المذكورة كلها تعتمد على العاطفة بدلاً من العقل، ومع ذلك سنكمل المقالة بالرد على ما طرح من حيث المبدأ.
لعل أبرز رد على الإشاعة أن الجيل الخامس 5G سببٌ إما في تكون الفيروس أو انتشاره هو أن الفيروسات موجودة منذ قديم الزمن، وقبل أن تتوفر الكهرباء لدى البشر ناهيك عن شبكات الاتصال، بل إن الأوبئة التي انتشرت سابقًا كانت أشد فتكًا من فيروس كورونا بمرات عديدة. والصورة التالية من موقع Visual Capitalist للكاتب Nicholas LePan تبين أن الكثير من الأوبئة الفتاكة أتت قبل عصر الكهرباء بكثير، بل إن الكثير من الأوبئة حصدت ملايين الناس، كمثل طاعون دملي الذي حصد نحو 200 مليون نسمة، ووباء الحصبة الذي فتك بنحو 56 مليون نسمة. وكذلك، فإن طاعون جاستنين أمات 40-50 مليون شخص. فكل هذه الأوبئة وأوبئة عديدة أخرى حصلت قبل اختراع الكهرباء وحتى الاتصالات بعشرات إلى مئات السنين (الرسمة التالية لـ Nicholas LePan تبين تاريخ الأوبئة).
وقد يظن البعض أن الكهرباء هي من اختراع البشر، ولكن الحقيقة أن الكثير من الكائنات الحية تحتوي أجسادها على الكهرباء، فمثلا الإشارات العصبية الموجودة في الجسد تتنقل عبر إشارات كهربائية- كهرباء ينتجها الجسم على مدى حياة الفرد. وكذلك، فإن بعض الكائنات البحرية مثل الإنقليس الرعاد Electric Eels تنتج كهرباء شديدة تصل إلى 860 فولت، وهي أكبر شدة من كهرباء المنزل 240 فولت بقدر 3.6 مرة، قوة تفتك في الخصم. وحتى السمك الرعاد Electric Ray ينتج قوة كهربائية تصل إلى 220 أو ما يعادل قوة الكهرباء المنزلية. ولو كانت الكهرباء عاملًا في تسميم الخلايا؛ لكانت الكهرباء الموجودة في أجسامنا وسائر أجسام الكائنات الحية منذ الولادة إلى نهاية العمر أولى بتسميمنا؛ ولكانت الكهرباء الأكثر شدة التي تنتجها الكائنات الحية المتنوعة سببًا في تسميم خلاياها هي أيضا، الكهرباء معنا منذ ملايين السنين، فلماذا لم تكن عاملا في تدميرنا؟
قد يعتقد البعض أن الموجات الكهرومغناطيسية هي من اختراع الإنسان أيضا، ولكن الحقيقة أنها موجودة من حولنا قبل اختراع الأجهزة التي نستخدمها. فعلى سبيل المثال، الضوء الذي ينير الأشياء حتى نتمكن من رؤيتها هو في الواقع موجات كهرومغناطيسية، ولكنها منخفضة الشدة بحيث لا تحرق الجسد ولا تضره، ولكن بإمكانها أن تكون مضرة لو ازدادت شدتها. فعلى سبيل المثال، بالإمكان تركيز الضوء باستخدام عدسة مكبرة لتُكون الأشعة حارقة، أو بالإمكان صنع ليزر حارق، وهكذا. ولكننا نعيش على الأرض مع فيض غامر من الأشعة المنيرة من غير أن نتأثر بها سلبا، في المقابل، هناك أشعة لا نراها وهي ضارة، مثل الأشعة فوق البنفسجية، ولذلك يُنصح من يخرج للاسترخاء في الشمس بأن يغطي جسده بطبقة من الكريمة التي تحجب الأشعة الضارة.
مع ذلك، فإن الموجات الكهرومغناطيسية المستخدمة في الاتصالات أقل ترددًا من جميع أطياف الضوء المرئي، وهي بالتأكيد أقل من الأشعة فوق البنفسجية الضارة. وكذلك، فإن شدة الأشعة المستخدمة أقل بكثير من أن يكون لها التأثير المقترح في الإشعاعات المنتشرة. فمثلا بإمكان زيادة قوة الأشعة لتكون مثل الميكرويف الذي يطهو الطعام، والذي يستخدم قوة 1000 واط، بينما الشدة المستخدمة في المنازل لشبكة 5G نحو 0.1 واط، أي أن شدة أشعة الميكرويف أكبر من شدة 5G المستخدم للمنازل بقدر 10000 مرة. وحتى تعرف مدى تأثير قوة 0.1 واط فيك، ما عليك إلا أن تبحث عن راوتر واي في WiFi في منزلك لترى أن لديك حاليًا أجهزة تستخدم هذه القوة، وإلى الآن لم تتأثر منها سلبًا.
لا شك في أنه بإمكان الكثير من الأشعة أن تكون حارقة لو كان تركيزها شديدًا. ولكن هناك ضوابط لتخفيض شدة الموجات الكهرومغناطيسية تلتزم بها جميع المؤسسات والشركات حينما تصنع أي جهاز لا سلكي. وبإمكان كهرباء المنزل أن تضر بك لو لامستها مباشرة وكنت متصلاً بالأرض. ولكن نلاحظ أن جميع أسلاك الكهرباء معزولة ومغطاة بطبقة من المواد العازلة لحماية الإنسان من الصعق، وكل هذه أتت بسبب ضوابط وضعتها جهات رسمية. وفي حال عدم التزام الشركات المصنعة للأجهزة لها؛ تسحب منها الباجة الرسمية التي تدل على سلامتها.
ولو افترضنا،على سبيل الجدل، أن الكهرباء أو الموجات الكهرومغناطيسية المستخدمة في الاتصالات كانت سببًا في تكوّن أو انتشار الفيروس، فما هي الآلية لذلك؟ وكيف تؤثر الموجات في تركيب الآر إن إي RNA أو حتى تكون الغشاء المحيط في الفيروس؟ وكيف يمكن له أن يتكون من خلال هذه الترددات؟ بالطبع، فإن الإجابات عن هذه الأسئلة غير موجودة في الأبحاث العلمية المحكمة، والمؤامرات ليس حتى بمستوى يجعلها تكوّن فرضيات معقولة يمكن الاعتماد عليها لمتابعتها علميا؛ بل كل ما يتم طرحه هي تكهنات خاطئة، أو مغالطات منطقية، تعتمد على الربط ما بين زمن ظهور الكهرباء أو الاتصالات بالوباء، ربطًا تزامنيًا خاطئًا.
وإذا أردت معرفة المزيد عن تأثير الموجات الكهرومغناطيسية في الصحة، يمكنك الرجوع إلى بودكاست السايوير، فقد قدم د. محمد قاسم حلقة تفصيلية عن الموضوع.