ظاهرة القصص والحكايات الأَسطورية لدى الإنسان
1997 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الثاني
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
ظاهرة القصص والأساطير الفنون والآداب المخطوطات والكتب النادرة
لا شَكَّ أنَّنا نتذكَّرُ ما كانَتْ تَرْويه لنا جَدَّتُنا من حكاياتٍ مُمْتِعَةٍ وقصصٍ قديمةٍ خَيَالِيِّةٍ عن حيواناتٍ تتكلمُ، أوعن أبطالٍ عِظَامٍ يقومون بأعمالٍ خَارِقَةٍ، ثم قَرَأْنا فيما بَعْدُ قِصَّةَ "علاءِ الدّينِ والمصباحِ السِّحْرِيّ" و"السِّندِبَادِ البَحْرِيّ" وحكاياتِه الغريبةِ
ونحن نعرفُ أن هذه الحكاياتِ لا يمكنُ ان تكونَ واقِعِيَّةً ولِذَلك نُسَمِّيها أساطيرَ أو خُرَافَاتٍ.
وهذه القِصَصُ وَرِثْنَاها عن القُدَماء الذين أخذوا يتَنَاقَلُونَها جيلاً بعد جيلٍ حتّى وصلَتْ إلينا.
وهذه الظاهرةُ شائعةٌ عندَ شعوبِ الأرضِ جميعاً، فليس هناك شعبٌ إلاّ ولَهُ قِصَصٌ وحكاياتٌ أسطوريةٌ. وقد أشارَ القرآنُ الكريمُ إلى (أَسَاطِيرِ الأَولين) أي ما سَطَرُوه أو قَامُوا بِرِوَايَتِه.
ولكنْ من أينَ جاءَتْ هذه الحكاياتُ، وكيف تَشَكَّلَتْ في هذهِ الصُّورةِ؟
لنَعِشْ قليلاً مع الإنسانِ القَديمِ قبلَ أن يَتَمَكَّن بما وهبه اللّه من عَقْلٍ، من أن يفهَم كلَّ ما يدورُ حوْلَه.
أخذَ الإنسانُ القديمُ يتأمَّلُ في نفسِه وكيفَ جاءَ، وينظرُ حَوْلَه في نِظَامِ الكَوْنِ، ويَرَى أنَّ هناكَ ظواهرَ طبيعيةً لا يستطيعُ تفسيرَها.
فلقد شاهدَ مثلاً أن الشَّمسَ تظهرُ نَهَاراً، بينما لا يَظْهَرُ القَمَر إلا ليلاً، فهما لا يَلْتَقِيَان. ولاحظ أنَّ القمرَ يظهرُ ومَعَهُ النجومُ، بينما تظهرُ الشمسُ وَحْدَها دونَ نجومٍ.
ولكي يُفَسـِّر هذه الظاهرةَ هداه تفكيرُه إلى قصةٍ تقولُ إن الشمسَ والقمَر كانا متلازميْن، ولكلِّ واحدٍ منهما أبناءٌ هُمُ النجومُ.
وقد ضاقَ كلٌّ من الشمسِ والقمرِ بهؤلاءِ الأبناءِ فاتَّفَقَا على التَخَلُّصِ منهم بقذْفِهِم في البحرِ. قامتْ الشمسُ بتنفيذِ هذا الاتّفاقِ، أمّا القمرُ فلَمْ يفعلْ واحتفظَ بأبنَائِه، لهذا فهو يَظْهَرُ معَ هؤلاءِ الأبناءِ إذا ظَهَر في السَّمَاءِ.
فغضبتْ الشمسُ من القمرِ وخاصَمَتْه، ولهذا لا تظهرُ لا مَعَه في وقتٍ واحد، فهي تظهرُ نهاراً بينما يظهرُ القمرُ ليلاً.
ومثلُ هذه الأساطيرِ وُجد عند العربِ، فقد لاحظوا مثلاً أن هناك نجمةً في السماءِ تبدو وكَأَنَّها حزينةٌ باكيةٌ، فعلَّلُوا بكاءَها بأنها كانتْ أخْتاً للنجْمِ سُهَيْلٍ وكانا متجاوِرَيْن ولكنَّ سهيلاً انحدرَ إلى اليَمَينِ وبقيتْ هي وحيدةً تبكِي حُزناً عليه فَسَمَّوْها "الغُمَيْصَاء".
وقد تكونُ هذه الأساطيرُ أحياناً لتمجيدِ الأبطالِ العِظَام الذين يَخْدُمون شعوبَهم ويُقَدِّمون لها أعمالاً جليلةً، فيقومُ الخيالُ الشعبيُّ بتكريمِ هؤلاءِ الأبطالِ بأنْ يَرْوِي قِصَصَ بُطُولاَتِهم التي تَتَطَوَّر مع الأيامِ ويصبحُ لهؤلاءِ مكانةً عاليةً.
ومن هذه الحكاياتِ قصةُ "مَلِكِ الرِّيح" اليونانيةِ. فقد رُوِي أن مَلِكَ الريح كانَ في الأَصْل مَلِكاً على مجموعةِ جُزُرٍ،
ولمْ يَكُن الانتقالُ بينَها مُمْكِناً لأنَّ الناسَ آنَذَاك لم يكونوا يَعْرفون السُّفُنَ، ولكنَّ هذا الملكَ استطاعَ أن يعلِّمَهم كيفيةَ استخدامِ السُّفُن، وكذلكَ عَرَفُوا على يديْه كيفَ يستفيدون مِنْ حَرَكَةِ الرِّيحِ فتمَّ اكتشافُ الأشرعةِ، ولهذَا أطلقُوا عليهِ "إلهَ الرِّيح".
وتدورُ هذه الأساطيرُ عادةً حَوْلَ الأبطالِ العِظَامِ، كما ذكرنا. ولكنْ هناك أيضا الحكااياتُ الخرافيّةُ والتي تكون شخصيّاتُها من الوُحوشِ أو الجَمَاداتِ، ومن ذلك قِصَصُ "كليلةَ ودِمْنَةَ" التي تدورُ حولَ الحيواناتِ.
كما أن هناكَ نوع من القِصَص التي تدورُ حولَ الإنسانِ البطلِ الذي يصنعُ الأشياءَ المستحيلةَ بفَضْلِ بطولتِه وجهدِه. فيخْلُقُ خيالُ الشَّعبِ حولَهُ قِصَصاً تُمَجِّدُ هذه البطولةِ. وَمَثَلُهَا في تُراثِنا العربيّ قصةُ "عَنْتَرَةَ بِن شَدَّاد" و"سيفِ بِن ذي يَزَن".
ولأن هذه الأساطيرَ والقصصَ والأحاديثَ تَرْوي أحداثاً خَارِقَةً للعادةِ فمن الصَّعْبِ قبولُها عَقْلَيِاً. وهذه القصصُ والحكاياتُ الشعبيةُ ليس لها كاتبٌ معروفٌ فقد ألَّفها وزادَ عليها ناسٌ كثيرون.
وقد تختلفُ طُرُقُ روايتِها والأماكنُ التي وَقَعَتْ فيها لأنها تعتمدُ أصلاً على الرِّوايةِ الشَفَهِيَّةِ والتي يشتركُ فيها كثيرٌ من الناسِ، على أنَّ هنَاك أُنَاساً يختصّون أحياناً بِروايَتِها لأنَهم يملكون قدرةً على حِفْظِ هذه الأساطيِر ويُحْسِنُون عَرْضَها عَرْضاً مُشَوِّقاً ومثيراً وهم مَنْ ندعوهُم بالقَصَّاصِين الشعبيِّين أو (الحَكَواتِيَّة).
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]