البيولوجيا وعلوم الحياة

عملية الإنجاب الصناعي وردود الأفعال المتباينة عليها

2013 لمن الرأي في الحياة؟

جين ماينشين

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

البيولوجيا وعلوم الحياة

في سنة 1985 تأمل بيتر سينجر ودين ويلز (Deane Wells) في "الحقبة الجديدة" في إنجلترا:

في 25 تموز/ يوليو 1978، ولدت لويز براون (Louise Brown) في كيرشوز كوتاج في أولدهام، لانكشاير. ومعها ولدت حقبة جديدة في إنجاب الأطفال. فحتى ذلك الوقت، كان كل إنسان يبدأ وجوده في عمق جسد المرأة.

هناك حيث لا تراه عيون البشر، ويكون محمياً من أي تدخّل خارجي، تلتحم البيضة والنطفة وتبدأ البيضة المخصّبة عملية الانقسام والنموّ التي تؤدّي، إذا تم كل شيء على ما يرام، إلى ولادة طفل بعد تسعة أشهر.

كانت لويز براون مختلفة. لم تكن مختلفة في الشكل، إذ إنها تشبه أي طفلة أخرى ولدت حديثاً. ولم يكن هذا المظهر السوي خادعاً بأي شكل من الأشكال. ولم يكن يوجد تحت السطح أي شيء مختلف حيالها. لقد كانت لويز براون وليدة سوية وهي الآن طفلة سوية. إنما كان تاريخها مختلفاً.

كان الوالدان الفخوران لزلي (Lesley) وجون (John) براون يريدان طفلاً، لكن البيوض التي ينتجها مبيضا لزلي براون واجهت إعاقة ولم تستطع الانتقال عبر قناتي فالوب لكي تخصَّب وتنغرس. ولم تحلّ الجراحة المشكلة كما هو الحال في الغالبية العظمى من حالات انسداد قناتي فالوب.

اعتُبر ذلك مشكلة، مع أن الحالة لم تُنتج أي أعراض أخرى ومع أن بعض النقّاد شكّكوا لاحقاً في ما اعتبروه "علاجاً" غير مرغوب فيه للإنجاب. كان الزوجان يريدان إنجاب أطفال، ولكن لم يستطيعا لأسباب بيولوجية.

وتلك مشكلة طبية بالنسبة إليهما، لذا سعيا للحصول على حل طبي. فتوجّها إلى الطبيب باتريك ستبتو (Patrick Steptoe) ، وهو طبيب نسائي في أولدهام.

 

يذكر ستبتو سنواته الأولى بمثابة طالب طبّ، وشعوره بحزن الأم عندما يخبرها الطبيب أنها لن تستطيع أن تنجب البتة. "بتاتاً". لم يكن في وسعه أن يمنحها الأمل في طفل، طفل منها على أي حال. في السنوات اللاحقة، تذكّر ستبتو كم كره الاضطرار إلى قول ذلك، لكنه لم يتصوّر في ذلك الوقت أنه سيكون من سيحوّل "بتاتاً" إلى "ربما"، بالاشتراك مع اختصاصي البيولوجيا روبرت إدواردز (Robert Edwards).

وقد تبيّن أن هذا الائتلاف بين طبيب يتوق إلى مساعدة النساء العاقرات، واختصاصي بيولوجيا يتوق إلى الجمع بين علم الوراثة وعلم الأجنّة والمناعة لتحقيق الإخصاب في المختبر، ائتلاف ناجح جداً. وتكشف سيرتهما الذاتية المشتركة – كيف التقيا، وكيف عملا معاً، وما فعلاه – عن صداقة قوية، مع احترام متبادل لاختصاص كل منهما وخبرته، وتعاون متطوّر متعدّد الاختصاصات.

مع أن المشكّكين قالوا إن من غير الممكن تخصيب البيوض البشرية خارج الجسم، فإن هذين الاثنين اعتقدا أن الأمر جدير بالمحاولة واستمرار المحاولة. ففي النهاية، استمرت النساء العاقرات في محاولة إنجاب الأطفال، وكان الرجلان يحبّان الأطفال.

أولاً كان لا بد من استنباط طريقة "للرؤية" داخل المرأة، لاسترجاع البيوض. كانت الدراسات الحيوانية سهلة، لا سيما على الفئران غير المكلفة، لأن في وسع الباحث أن يقتل الحيوان لاستخراج البيوض. أما النساء فإنهن بحاجة إلى نهج لطيف بطبيعة الحال.

من حسن الحظ أن تنظير البطن (Laparoscopy) قدّم بديلاً في ستينات القرن العشرين. كانت هذه الأداة الدقيقة تستخدم أساساً للتشخيص، وقد جعلت من الممكن الرؤية واسترجاع البيوض عبر شقّ صغير.

 

بدا ذلك سهلاً. لكن قبل القيام بالإجراء، يجب إعطاء المتطوّعات هرمونات للحثّ على الإباضة، وذلك إجراء دقيق ذو آثار جانبية مزعجة. وتشكّل هذه الخطوة أيضاً بعض الخطر على الإمكانية الإنجابية للمرأة على المدى الطويل، ولا تزال تثير الخلاف، لا سيما أن بعض العيادات تحثّ على "الإباضة المفرطة" لجني مزيد من البيوض دفعة واحدة. ويعني انتزاع عدد كبير من البيوض أيضاً أن بعض البيوض ستهدر إذا لم تستخدم كما هو مقصود، مع أنها يمكن أن توفّر للأبحاث.

كانت الخطوة التالية المحافظة على البيوض حيّة في طبق زجاجي وتخصيبها بطريقة تحثّ على الانقسام الخلوي العادي. واستغرق ذلك سنوات عدة من البحث عما أسماه إدواردز "وَسَط الزرع السحري"، وهو أساساً الوسط المستخدم لزرع بيوض الفئران.

وعندما نجح التخصيب، أصبح السؤال كيف يتم الحفاظ على حشود الخلايا المنقسمة حيّة مدة كافية لتصبح جاهزة للغرس في رحم الأم بحيث ترتبط بالرحم كما هي العادة.

كان هناك كثير من الخطوات التي يجب التوصل إلى حلّ لها، وكثير من التفاصيل. استمرّ ستبتو وأدواردز في المحاولة، ولا بد أن الرغبة الشديدة في النجاح كانت تدفعهما في وجه التشكيك الشامل تقريبا والمعارضة القوية من بعض النقّاد على أسس أخلاقية.

ومن حسن الحظّ أنهما حقّقا ما يكفي من المدد الدوري لمتابعة المسيرة: بيضة مخصّبة من هنا، وبضع انقسامات للخلايا هناك. وبعد ذلك أصبح هناك أربع كيسات أريمية (Blastocysts) (الخلايا بعد الانقسامات الخلوية الأولى). فمنحت هذه الخلايا الرجلين الأمل.

في سنة 1976، دخل لزلي وجون براون في الصورة. أشار ستبتو إلى أن الزوج "كان مخلصاً لمصلحة زوجته ولا يريدها أن تتحمّل مخاطر مرتفعة. وكانت هي تتحلى بالعزيمة والإصرار القوي، ومن المستبعد أن تجزع، ويمكنها أن تحتمل المطلوب بصبر وأناة.

كانا الزوجين المثاليين لمحاولة العلاج". فقد فشلت محاولات الزوجين الأخرى، كما أنهما احتملا الإجراءات والسفر والانزعاجات الهرمونية، والتدخّلات الجراحية الصغيرة. أوضح الطبيب والعالم أن محاولتهما قد تفشل أيضاً. بيد أن "ربما" كانت أفضل من "بتاتاً" بالنسبة إلى لزلي براون.

 

بعد أسابيع، نقلا البيضة المخصّبة وأعلنت لزلي براون أنها "شعرت بالحمل". وتبيّن أن العملية التي أجريت في وقت متقدّم من الليل علّمتهما أمراً مهماً جداً. بما أنهما كانا ينتظران أن تتطوّر البيضة إلى المرحلة الثامنة قبل نقلها، فإن العملية لم تبدأ قبل منتصف الليل. وفي وقت لاحق فقط أدركا لماذا نجح الإجراء في الليل ولم تنجح أي من المحاولات التي أجرياها في النهار: تبيّن أن الدورات النهارية لمستويات الهرمونات حاسمة.

بعد ثمانية عشر يوماً، جاءت اختبارات الحمل بنتيجة إيجابية، وكتب إدواردز في 6 كانون الأول/  ديسمبر 1977 إلى السيدة براون: "هذه ملاحظة قصيرة لإبلاغك بأن النتائج المبكّرة لعيّنات دمك وبولك مشجّعة جداً وتشير إلى أنك ربما تكونين في مرحلة الحمل المبكّر. لذا أرجو أن تخلدي للراحة – لا تزلّج، أو تسلّق، أو أي شيء مجهد جداً، بما في ذلك التسوّق للميلاد".

على الرغم من الحماسة التي شعر بها آل براون وستبتو وإدواردز، فإنهم لم يعلنوا عن الحمل على الملأ ولم يهلّلوا له. فقد قرّر الطبيب واختصاصي البيولوجيا أن هذا الوقت مكرّس لخصوصية المريضة. وأمام إلحاح صحيفة نيويورك بوست (New York Post) التي يبدو أنها حصلت على معلومة من أحد ما في المستشفى، أجاب إدواردز بأن "أي تقدّم في عملنا سينقل إلى زملائنا الأطبّاء والعلماء عبر القنوات التقليدية الملائمة".

لكن الصحيفة نشرت، لسوء الحظ، أن هناك "حملاً مستمراً"، وأكّدت المستشفى القصة على الرغم من جهود الطبيب لحملها على الانتظار، وبعد ذلك أصبح آل براون محطّ اهتمام المراسلين الدائم بحيث اضطرا إلى اللجوء إلى بيوت الأقارب. وقد زادت التقارير غير الصحيحة، وتسريبات الأخبار، وملاحقة الصحافة التوتّر في الوضع المثير للتحدّي أصلاً. وبذل ستبتو وإدواردز ما في وسعهما لحماية مريضتهما.

لا شك في أن الضغوط على آل براون كانت هائلة، وقد فاقمها تسمّم دم السيدة براون والإجهادات الأخرى. كان على الزوجين اللذين ينتظران الولادة الثقة بطبيبهما – خيارهما الوحيد بالنظر إلى طبيعة الحمل الرائدة.

 

وفي 25 تموز/ يوليو، اليوم الخامس من الأسبوع التاسع والثلاثين من الحمل، وُلدت لويز جوي براون في عملية قيصرية. صاح جون براون، "لا أستطيع أن أصدّق. لا أستطيع أن أصدّق". وهمست لزلي براون، "شكراً لك على طفلتي، شكراً لك".

ولاحظ الدكتور ستبتو أن "لويز جوي قدمت، إنها شخص جديد تماماً ليتمم هذه العائلة بعد طول انتظار. أشكّ في أن أشعر بمثل هذه اللحظة في حياتي مرة ثانية". لقد أثّر فيه اكتمال الوليدة والعائلة. وبرّرت ولادتها التجارب التي أجريت على الأجنّة وجميع التحدّيات والمخاطر. وشعر ستبتو وإدواردز وآل براون أن بكاء لويز الصغيرة الصحي قد بدّد التحدّيات التي أثارها المنتقدون.

وسرعان ما تبع أطفال آخرون لويز براون، ولم يمضِ وقت طويل حتى طوّر الأطبّاء الأستراليون إجراءاتهم الخاصة بنجاح. وفي سنة 1981، وُلد أول "طفل أنابيب" في الولايات المتحدة. واتضح بسرعة كبيرة أن عملية تخصيب البيوض في طبق يمكن أن تكون مفيدة في حالات أخرى غير انسداد قناتي فالوب.

وسرعان ما أنتج اختصاصيو الإنجاب نوعاً جديداً من الهجين. يمكن أن تنمو بيضة من مانحة ونطفة من مانح آخر تغرس في رحم امرأة ثالثة وتتطوّر إلى طفل معافى يربّيه والدان آخران تماماً.

على الرغم من اقتناع ستبتو وإدواردز بأنها يعملان لصالح العالم بحلّ هذه المشاكل الطبية لدى الأزواج المستحقّين، فإن هذه الترتيبات الجديدة "للأسر" أثارت مجموعة من التحديات القانونية.

من يملك البيوض؟ وما هي الظروف التي تجيز جني البيوض؟ ومن يقرّر كيف تستخدم؟

ففي سنة 1984 ولدت امرأة طفلاً لا يرتبط بها وراثياً للمرة الأولى، في حين قُدّر عدد البيوض التي تم التبرّع بها في سنة 1989 بنحو 5000 بيضة. وقرأنا عن امرأة تحمل طفلاً لشقيقتها أو عن جدّة تلد حفيدها، وهناك أخبار عن جميع أنواع الأجنّة "المصمّمة" بدءاً ببيوض ممنوحة مختارة بعناية. و

 

كما أشارت ريبيكا ميد (Rebecca Mead) في مقالة في مجلة نيويوركر (New Yorker)، في البداية أتيح المجال لقلة قلية من النساء لاستخدام البيوض الممنوحة. جاءت البيوض الأولى من البيوض الإضافية المتبقية من عملية الإخصاب في المختبر. وفي بعض الحالات كانت النساء اللواتي يخضعن للتعقيم بربط الأنابيب راغبات في التبرّع ببيوضهن من أجل الآخريات.

وكتبت ميد، "لقيت بعض النساء العاقرات مساعدة من شقيقاتهن الصغار أو صديقاتهن. لم يكن هناك كبير اهتمام بالمطابقة بين المانحات والمتلقّيات باستثناء الفئات العرقية الواسعة. ثمة متلقية تحدّثت إليها وكانت ذات شعر داكن، وبشرة سمراء، وقد تلقّت بيوضاً قبل عشر سنوات من امرأة طويلة شقراء اسكندنافية". وبحلول سنة 1999، كما أشارت ميد، باتت هناك سوق رائجة للبيوض البشرية، وبخاصة للبيوض "المرغوبة" من نساء ذكيات وشابات وجذّابات.

عندما يتم شراء البيوض عادة، يكون المشتري قد رتّب للمنح وتتقدّم العملية وفقاً للعقد. يسود العقد وقانون الولاية في مثل هذه الحالات، بالنظر إلى عدم وجود حكم قانون اتحادي لا يعتبر البيوض سلعاً يمتلكها المانح.

وهناك قوانين أخرى تحكم ملكية النطفة. وفي معظم الحالات تكون النطاف متوفّرة بكثرة ولا تعتبر مشكلة. لكن تطرح الأسئلة في حالات السُّبات (Comatose) أو الرجال المتوفين حديثاً الذين ترغب زوجاتهن في الحصول على أطفال من أصلابهم.

وفي سنة 1999، أوضحت لوري أندروز (Lori Andrews) أن استرجاع النطاف من المصابين بالسبات أو حتى من المتوفين أصبح أمراً روتينياً إلى حدّ ما.

مع ذلك من يمتلك البيضة "المخصّبة"؟ قضت المحاكم بأن مثل هذه أيضاً ممتلكات، مع أنها ليست سلعاً تباع مثلما لا نستطيع بيع الكلى أو القلوب. بيد أن هذه البيوض تكون موجودة في طبق بتري (Petri Dish) في عيادة للإخصاب.

 

لا شكّ في أن وضعها يكون مختلفاً هناك، أو في الثلاجة، عما يكون عليه عندما تغرس في امرأة. ويستطيع المالك المسمّى استخدامها، أو التخلّص منها، أو منحها. وبما أن تعريفاتنا لما يشكّل حياة تتغيّر، فمن المرجّح أن يستمرّ التنوّع الحالي لأحكام المحاكم في التطوّر، وسيقودنا تزايد التجارة بين الولايات إلى تشريع اتحادي يتعلّق بالبيوض المخصّبة، أو الأجنّة في مراحل متأخّرة على الأقل.

عندما اكتشف العلماء طرقاً آمنة لتجميد البيوض المخصّبة ونجحوا في إنتاج طفل معافى من جنين مجمّد لأول مرة في سنة 1984، طُرحت أسئلة جديدة بحاجة إلى أجوبة. من يمتلك الأجنّة المخصّبة، وكم طول مدّة "احتفاظهم" بها، وهل كل منها حياة فردية بالفعل، أو شخص حيّ ذو حياة معلّقة في الثلاجة؟

وعندما أصبح الإجراء أكثر شيوعاً ونما عدد البيوض المخصّبة، تزايد إلحاح أحد الأسئلة: ما الذي يجب فعله بالبيوض المخصّبة "الإضافية"، التي تشيع تسميتها بالأجنّة؟ كانت الإجابة سهلة قبل نجاح طرق التجميد: إما أن تغرس الأجنّة بسرعة وفي مراحل معيّنة من الانقسام الخلوي، وإما أن تموت. و

لذلك غرست بيضة لزلي براون في منتصف الليل، فقد أصبحت جاهزة في ذلك الوقت. لكن مع توافر التجميد، تزايدت أعداد البيوض المخصّبة المحفوظة على قيد الحياة في الثلاجات – والتي "يمتلكها" والدون واعتُبرت "لهم" قانونياً.

ماذا لو أراد أحد الوالدين تدميرها، أو أراد أحد الوالدين "استخدام" الأجنّة ورفض الآخر ذلك؟ إذا غرس الجنين بعد وفاة الوالد، لمن يكون الطفل، وما حقوق الميراث التي لديه؟ فصلت المحاكم في جميع هذه الحالات وكثير غيرها، ودعت إلى توجيه حقوق الملكية، وحقوق الأب والأم ومسؤولياتهما وأحكام الميراث.

بيد أن تنوّع أحكام المحاكم يظهر تعقيد هذه القضايا. ويبدو من المستغرب أنه يمكن الحكم على طفل بأنه شخص ذو حقوق – بما في ذلك حقّ المطالبة بميراث الوالد حتى إذا حُمل به بعد وفاة ذلك الوالد، كما حُكم في حالة واحدة على الأقل – ولكن الجنين المخصّب يمكن اعتباره ملكية والتخلّص منه على هذا النحو.

 

لقد قرّرنا أن النساء في الولايات المتحدة يستطعن بيع بيوضهن، باعتبارها سلعة ثمينة. بيد أننا لا نستطيع بيع البيوض المخصّبة، أو الأجنّة، أو الأطفال، أو أعضاء الجسم الأخرى. البيوض المجمّدة تعتبر في بعض الأحيان ملكية، وفي أحيان أخرى أشخاصاً محتملين يجب أن تكون حقوقهم واحتياجاتهم مسائل وصاية لا ملكية. قلّل أستاذ القانون والطبّ في جامعة جنوب كاليفورنيا ألكسندر كابرون (Alexander Capron) من شأن الحالة في سنة 1999 عندما قال، "لا أعتقد أننا وصلنا إلى ذلك الحدّ. هذا المجال بأكمله لا يزال يشكّل صداعاً للجميع".

ربما كانت ردود الفعل الأولية على ولادة لويز براون أكثر إيجابية لأن ستبتو وإدواردز قاوما الإغراءات التي تدعوهما للإسراع إلى الصحافة قبل ولادة الطفلة. بل إن الصحافة المتطفّلة لم تسمع عن الحالة إلا بعد غرس البيضة وبدء الحمل – والانتظار.

لا يستطيع النقّاد في هذه الحالة الإصرار على عدم إمكانية القيام بها، أو التعبير عن الإحباط لأن العملية لم تكن آمنة وأن الأطفال الناتجين يجب أن يكونوا معيبين بطريقة ما. بدا الحمل تقدّماً طبياً عظيماً وسبباً للأمل لكثير من الوالدين الراغبين في أبناء. وفاقت الحماسة المخاوف كثيراً وتغلّبت بفعالية على الأصوات الداعية إلى الحظر، أو التنبّه على الأقل، على أسس أخلاقية.

مع ذلك يوجد منتقدون. وكما كتب بيتر سينجر ودين ولز في سنة 1984، "هذه القضايا مهمة جداً بحيث يجب ألا تترك للعلماء والأطباء الذين يحقّقون الاختراقات". وذكرا استطلاع آراء إيجابي أجراه معهد غالوب في أعقاب ولادة لويز براون على الفور: أيّد 60 في المئة من المستطلعين هذه التكنولوجيا. بيد أن الإجراءات أثارت صوراً عن "عالم جديد شجاع"، مثل صور ألدوس هكسلي (Aldous Huxley) ، حيث يحتضن الأطفال في أرحام اصطناعية أو يختار الأطفال المصمّمون من خطوط التجميع وفقاً لما يفضّله الشريك من "المزايا الإضافية".

كانت المقولات الرئيسية المعارضة للإخصاب في المختبر تتعلّق بالسلامة والأخلاق والتكلفة. فقد عبّر بعض النقّاد عن القلق من مخاطر مثل هذه الإجراءات "غير الطبيعية". كيف يمكننا التيقّن من أن العملية ستنتج بشراً أسوياء دائماً؟ ظلّت الأسئلة بالنسبة إلى بعض الأشخاص تتعلّق بما إذا كانت العملية قد تؤدي إلى الولادة وليس إلى الخصوبة في الأجيال المقبلة، إلى أن ولدت لويز براون بمثابة طفلة سوية تماماً.

 

وتردّد شعور بأن "غير الطبيعي" بغيض أخلاقياً ويُضعف القيم العائلية "الملائمة" و"السوية" في أوساط وسائل الإعلام المحافظة ووجد تعبيراً عنه في الجامعات أيضاً. لا شك في أن ليون كاس، رئيس مجلس الأخلاقيات البيولوجية الذي اختاره الرئيس بوش، كان من هذا الرأي، مثلما يرى الاستنساخ، والهندسة الوراثية، وكثيراً من التدخّلات التكنولوجية الأخرى في الإنجاب البشري بمثابة تشويه للعملية الطبيعية ولذلك فإنها "منفّرة".

انضمّ كاس إلى  آخرين في معارضة الإخصاب في المختبر على أساس التكلفة. وأصبح من أبرز المتحدّثين الداعين إلى أن التكنولوجيا ليست طباً لأن العقم ليس مرضاً. يجب ألا يدفع الناس مقابل الإخصاب في المختبر، مثلما حثّ كاس في حملة أسهمت كثيراً في القرارات الراهنة التي اتخذتها الحكومة وكثير من شركات التأمين بعدم تغطية مثل هذه المعالجات.

رأى كاس على سبيل المثال أن "التقدير المتحفّظ ربما يجعل تكلفة الحمل الناجح بين خمسة آلاف وعشرة آلاف دولار. وإذا استخدمنا رقم 500,000 المتحفّظ لتقدير عدد النساء العقيمات بانسداد قناتي المبيضين في الولايات المتحدة، واللواتي يكمن أملهن الوحيد في الحصول على أطفال عبر الإخصاب في المختبر، فإننا نتوصّل إلى تكلفة مقدّرة متحفّظة تبلغ 2.5 إلى 5 مليارات دولار".

وحتى لو خفّضت التحسينات تكلفة كل إجراء، فإن الإجمالي سيظل مذهلاً. لذلك، تابع قائلاً، "هل من الحكمة المالية أن تبدأ الحكومة الاتحادية بسلوك هذا الطريق؟… مع أنني أتعاطف كثيراً مع محنة الأزواج العقيمين، فإنني لا أعتقد أنهم يستحقون الحصول على طفل على حساب الشعب، وبخاصة الآن، وبخاصة بهذه التكلفة، وبخاصة في إجراء ينطوي على العديد من المصاعب الأخلاقية أيضاً".

 

لا يزال الإخصاب في المختبر، أو تكنولوجيا الإنجاب الاصطناعي، غير منظم إلى حدة كبير في الولايات المتحدة، حيث لا توجد تشريعات شاملة تغطي هذه المجالات إلا في قليل من الولايات. وبما أن الطب لا يزال مسألة غير اتحادية، وبما أن هناك بعض النقاش بشأن ما إذا كانت تكنولوجيا الإنجاب الاصطناعي تقع ضمن المجال الملائم للطبّ أو ضمن تنظيم الأسرة والخدمات الاجتماعية، فإنه غالباً ما يسود الالتباس بشأن المعايير المتنافسة.

لذا دعت كثير من جماعات الأخلاقيات البيولوجية والجماعات القانونية إلى تشريع تنظيمي شامل ووافٍ لحماية المرضى (أو مستهلكي المنتجات)، وقد زاد المناخ الحماسي الراهن بشأن الاستنساخ وبحوث الخلايا الجذعية من حدّة النقاش، وإن يكن لم يزد دائماً من حكمة المداولات.

إذاً تبعت الحماسة الأولى للإخصاب في المختبر مخاوف أدت في نهاية المطاف إلى مزيد من الحماسة عندما شجّع ازدهار الأعمال الدعم القوي للتطوّر. ودعمت الجماعات المحافظة التي تؤيّد حقوق الوالدين الإنجابية هذا الازدهار. بل إن ليون كاس عدّل آراءه وأقرّ بأن الإخصاب في المختبر ساعد كثيراً من الأزواج الذين ما كانوا لينجبوا أطفالاً لولا ذلك.

ومؤخّراً أوضحت الكاتبة جينا كولاتا (Gina Kolata) في صحيفة نيويورك تايمز (New York Times) أن العيادات التي تقدّم خدمات الإخصاب توسّعت كثيراً بحيث أشبعت السوق تماماً. في الولايات المتحدة، يتعيّن على معظم المرضى أن يدفعوا معظم تكاليفهم على الأقل – وقد تكون هذه التكاليف كبيرة. وبين سنتي 1996 و1998، ارتفع عدد إجراءات الإخصاب في المختبر بنسبة 37 في المئة، من 59,000 إلى 81,000 إجراء، وارتفع عدد العيادات من 281 إلى 360 عيادة. تحدّ التكلفة من الطلب المتوفّر، لذا انضمّت بعض العيادات إلى جهود الضغط لإلزام شركات التأمين بالدفع، على أساس أن لجميع الأشخاص حقوقاً إنجابية فردية بالحصول على أطفال.

وكما أشارت كولاتا، فإن ضغوط السوق شديدة في مناخ لا يزال غير منظّم إلى حدٍّ كبير باستثناء اتفاق العيادات نفسها وبقدر ما تتبع المبادئ التوجيهية للجمعية الأميركية للطب الإنجابي التي تقود إيضاح الأهداف ومجموعة من المسؤوليات الأخلاقية. يمكن أن يؤدي السعي إلى تحقيق الأرباح، أو تجنّب الخسائر على الأقل، إلى طب رديء. وقد كتبت كولاتا، "بعض الخبراء يساورهم قلق عميق. فبوجود إعلانات ترويجية يمكن أن تظلّل الحقيقة، ربما يجد الأطباء المُحِيلون والمرضى صعوبة في التمييز بين المراكز ذات السمعة الجيدة… والمراكز التي تعد بأكثر مما تستطيع أن تنجز. كما أن بعض المراكز التي تعرض إغراءات مثل ضمانات إعادة المال ربما تعمد إلى القيام بإجراءات خطيرة لتحسين احتمالات الحمل".

 

على سبيل المثال، ربما تغرس العيادات كثيراً من الأجنّة، أو تعرّض النساء لعلاجات هرمونية خطيرة. وبعض العيادات تقدّم علاوات مجانية أو تغري الأطباء بهدايا لزيادة الإحالات. وتعرض عيادات أخرى خصومات وتنشر إعلانات لاجتذاب المرضى. ونقلت كولاتا عن الدكتور في جامعة ستانفورد، باري بيهر (Barry Behr): "لديك مرضى يائسون. وثمة احتمال قائم لاستغلال الأشخاص الضعفاء".

ربما تكون هذه الممارسات محلّ تساؤل، لكنها ليست غير قانونية أو حتى غير أخلاقية على نحو واضح في المناخ الراهن للاقتصاد الحرّ وتطوّر الأعمال المفتوح. للبلدان المختلفة مبادئ توجيهية وآليات تنظيمية مختلفة.

لكن الأسئلة بشأن هل يجب تنظيم الطب والأعمال وكيف في غياب سياسة اجتماعية أو طبية واضحة تسهّل الردّ بطريقة غريزية بدلاً من إعمال التفكير، ثم الانتظار إلى أن تجبر ابتكارات وتطبيقات جديدة ظهور ردّ فعل آخر. وسيستمر توسّع التقدّم الطبي في إثارة ردود اجتماعية جديدة ودورات متكرّرة من القبول، والنفور، والحماسة، والتسامح.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى