عملية النقل النووي وحقائق حول عدم تطبيق الاستنساخ على البشر
2013 لمن الرأي في الحياة؟
جين ماينشين
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
تذكرون أن النقل النووي الذي أجراه بريغز وكينغ على خلايا الضفادع الجنينية اشتمل على أخذ نواة من خلية (مانحة) ونقلها إلى خلية أخرى مستأصلة تماماً (المضيف).
لكن الأمر لم يكن بسيطاً جداً. أولاً، يجب إعداد النواة المضيفة. ويجب أن تكون خلية بيضة تبدأ بالانقسام عادة عندما تخصّب، ولديها الجهاز الذي يمكنها من الانقسام والنموّ.
وقد لزم الكثير من التجربة والخطأ لاكتشاف أن خلية البيضة تدعم النقل على أفضل نحو إذا كانت في المراحل المبكّرة، الخلية البيضية (Oocyte) وليست بيضة ناضجة تماماً.
وعندما ينزع الباحثون النواة من خلية البيضة، فإنهم في الواقع يجوّفون مادتها النووية ومعظم مادتها الوراثية. ومع أن بعض الجينات تترك، مثل الدنا الميتوكوندري والرنا من الأم، فإن مجمل الدنا النووي ينتزع.
لإجراء مثل هذا النقل النووي، يأخذ الباحثون بعد ذلك نواة من خلية مانحة وينقلون تلك النواة إلى البيضة المضيفة. لكن تبيّن أن نزع النواة من المانح من دون أخذ بعض المواد الأخرى وتدمير النواة نفسها أمر صعب، وبخاصة في الكائنات الحية العليا مثل الثدييات.
لذا خلص ويلموت وفريقه إلى أن عليهم محاولة نقل الخلية بأكملها، بما في ذلك النواة. وبهذه الطريقة يأخذون كل المادة النووية الموروثة وربما مادة إضافية. ربما تشوّش المادة الإضافية في سيتوبلازما المانح الأمور، لكن هذه التقنية أبسط بكثير وأنظف من انتزاع النواة لذا قرّروا تجربتها.
نجحت التجربة، وفي سنة 1995 قرّر إيان ويلموت وزملاؤه أخذ خلايا المانح عندما تكون في مرحلة هدوء عادية، أي لا تخضع لانقسام خلوي أو أي نشاط تطوّري آخر.
ونقلوا هذه الخلايا، بما فيها النوى، إلى خلايا بيضية مضيفة مجوّفة، ما أنتج نوعاً من الهجين الخيمري. ثم لبدء الأمور ثانية، أجروا صدمة كهربائية صغيرة بغية حفز بدء عملية الانقسام الخلوي.
في الاختبارات التي أجروها في سنة 1995، نقلوا 244 خلية تطوّرت إلى أربعة وثلاثين جنيناً نقل كل منها إلى رحم أم بديلة. ومن هذه الأجنة ولد خمسة حملان، وظل حملان، أسميا ميغان وموراغ، على قيد الحياة ووصلا إلى البلوغ باعتبارهما أول ثديين يستنسخان من خلايا متمايزة. وقد جاء هذان الحملان من خلايا متمايزة، ولكن ليست بالغة.
تذكّروا أن إيان ويلموت وفريقه كانوا يعملون في معهد روزالين في اسكتلندا، ويُدفع لهم لإجراء بحوث زراعية من أجل تحسين التوالد. فقد أثبتت الهندسة الوراثية قيمة عالية في التعديل الوراثي لإنتاج الأدوية ووعدت بتحقيق مزيد من التقدّم.
تصوّروا القدرة على تضفير جينات تحمي الحيوانات من المرض على سبيل المثال، أو جينات أخرى تعزّز إنتاج الحليب. إن تضفير الجينات في البيوض الوحيدة صعب، لكن تضفيرها في خلايا أخرى ثم نقل هذه الخلايا إلى خلايا بيضية يعد بنجاح أكبر.
أوضح ويلموت بجلاء منذ البداية أنه يعتبر استنساخ البشر على الأقل لا أخلاقي، وأن عمله يتعلّق بالخراف. وربما سمح موقفه للباحثين بمواصلة البحث عن تقنيات أفضل حتى بعد أن حقّقوا ما اعتبره آخرون أخباراً بالغة الأهمية عن ميغان وموراغ. لم يلاحظ معظم الناس هاتين النعجتين.
لماذا لا تستمرّ الأبحاث بمحاولة نقل النوى من خلايا أخرى، مثل الخلايا الجسدية البالغة؟ استخدموا بعد ذلك نوى من ثلاثة أنواع من الخلايا: بعضها من خلايا جنينية، وأخرى من أرومات عصبية جنينية (الخلايا التي تنشئ النسيج العصبي عادة) لأن من السهل نسبياً زرع هذه الخلايا، وبعضها من خلايا غدّية ثديية بالغة.
أنتجت مئات التجارب أربعة حملان أحياء من الخلايا الجنينية، وحملين من الأرومات العصبية، وحملاً واحداً من الغدد الثديية. أي أن واحدة فقط (دولي) جاءت من خلية متمايزة بالغة. تماثلت هذه النتائج مع النتائج السابقة في إظهار أنه كلما تأخّرت المرحلة التي تأتي منها الخلايا المانحة، ازدادت صعوبة الاستنساخ.
الأمر المدهش بالنسبة إلى العلميين هو أن المحاولة نجحت، إذ لم تستنسخ من قبل خلية جسدية بالغة متمايزة (أي خلية من جسد حيوان وليس من خلية منتشة أو نسيج مضغة أو جنين). كما أن معظم العلماء، كما أشار لي سيلفر، قرّروا منذ وقت طويل أن ذلك لا يمكن أن ينجح.
وخلصوا، مثل بريغز وكينغ، إلى أن الخلايا الجسدية البالغة تكون قد خضعت لكثير من التمايز بحيث لا يمكن أن "تعود". لكن فريق ويلموت تمكّن بطريقة ما من جعل الخلية تتمايز وتعاد برمجتها – أو هكذا فسّروا النتائج على الأقل.
استنسخت "دولي" في سنة 1996، لكنها لم تظهر في المشهد الإعلامي إلى أن ظهر البحث في مجلة نيتشر في أوائل سنة 1997. وفي وقت لاحق من تلك السنة، خطا الباحثون خطوة أخرى: استخدام خلايا أرومات ليفية جنينية (خلايا من جنين أنتج خلايا أخرى بتقدّم التطوّر) تمت هندستها وراثياً لحمل جين إضافي، وأنتجوا نسيلة أخرى، بولي. حمل الجين القدرة على ترميز عامل تجلّط دم البشر، وهو بروتين ذو أهمية دوائية محتملة.
وقد نشروا نتائجهم بصورة تقريبية، وبالنظر إلى الضغوط لتسجيل البراءة وتطوير الجانب التجاري من العمل، فقد حافظوا على سرية الدراسات الأحدث المموّلة في معهد روزالين عن طريق مجموعة من الشركاء والمالكين، كما هو الحال في أمكنة أخرى. بعد الاندهاش الابتدائي، أو الصاعقة المستقبلية، كما وصف العديد من المراسلين الإعلان عن دولي، تحوّل التركيز خارج اسكتلندا من الخراف إلى البشر.
سرعان ما خرجت النقاشات من جداول أعمال العلماء بطبيعة الحال. وبذل ويلموت جهوداً بطولية للمساعدة في عدم خروج الأمور عن إطارها، والإصرار على أن دولي مجرّد نعجة، وأنه يعتبر استنساخ البشر لأغراض إنجابية غير أخلاقي وغير آمن، وأن التكنولوجيا بحاجة إلى كثير من العمل الإضافي والتحسين قبل أن نفكّر في استخدامها من أجل البشر على أي حال.
وباعتباره الرجل المخصّص للتعامل مع الصحافة، فقد وقف طوعاً إن لم يكن متلهّفاً دائماً في الصف الأمامي، ليجيب عن جميع الأسئلة ويشرح بصبر للمرة المليون بعض الحقائق الأساسية التي التبست مع ذلك على سائل آخر. ما الذي أثّر في وسائل الإعلام والاهتمام الجماهيري المحموم بالنعجة دولي؟
لا شك في أن السمات المهمة للمناخ المحيط بالعلم قد أثّرت في ردود الأفعال، إلى جانب الخلفية العامة للأمية العلمية التي تدفع الجمهور إلى الاندفاع نحو إساءة الفهم المضلّلة، وإلى جانب ندرة العروض الإيضاحية الإعلامية السليمة.
وعلى وجه الخصوص، قدّمت الحتمية الوراثية، والنقاشات بشأن ما يعتبر "علماً سليماً"، وبروز مجتمع اختصاصيي الأخلاق البيولوجية، والردود السياسية إسهاماً مهماً أيضاً.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]