التاريخ

قصة معرفة ومداواة “الحسين بن سينا” لمرض “الأمير البويهي” النفسي

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول

صبري الدمرداش

KFAS

الحسين بن سينا الأمير البويهي المرض النفسي التاريخ المخطوطات والكتب النادرة

الهروب الثاني!!

صار أبو علي أقرب العلماء إلى نفس الأمير قابوس، فأخذ يستشيره في شؤون الحكم وأمور الدولة ويعمل الأمير بنصائح صديقه العالم ومشورته.

وضاق قواد جيش الأمير بهذه الصلة بين الأمير والعالم فدبَّروا له انقلاباً عسكرياً، أدَّى إلى مقتل الأمير وهروب أبي علي وتلميذه أبي عبيدة – إلى أين؟ لا يعرف أحدهما أين ستنتهي به رحلة الفرار، وكان كلاهما في ثياب المُتصوِّفة.

 

الأمير العاشق!

نزل الصديقان في خان بمدينة همذان. وسمرا في الليل مع صاحب الخان، فحدَّثهما عن قريبٍ للأمير شمس الدولة البويهي نزل به مرضٌ عجيب لم يعرف له الأطباء في همذان علاجاً.

فهذا الامير ملازمٌ للصمت عازفٌ عن الطعام والكلام حتى بشكواه مما يؤلمه، واقترح أبو عبيدة على أبي علي علاجه.

وفي الصباح يسَّر صاحب الخان للغريبين سبيل الوصول إلى مريض قصر الأمير.

وعندما وصلا وجده أبو علي راقداً، ورآه شاباً وسيماً ساهماً شارداً شاحباً. وتفحَّصه أبو علي ولكنه أدرك أن المريض لا يعاني من مرضٍ ألمَّ بجسمه وإنما هو مريضٌ بنفسه.

وطلب أبو علي أن يؤتي له برجل يعرف كل بلاد الإمارة البويهية، مدنها وقراها، فجيء له بتاجرٍ دائم الأسفار فأجلسه بجانبه، وأمسك هو بيسراه المعصم اليسرى للمريض واضعاً إبهامه على عرق النبض.

وأخذ التاجر يذكر أسماء البلاد حتى اذا ذكر اسم بلدة بعينها أحس أبو علي بنبض مريضه الشاب يشتد خفقه.

عندئذ صرف أبو علي التاجر وطلب رجلاً أخر يكون من أهل البلدة التي خفق لذكرها قلب المريض.

 

فجيء له بدلَّال، أخذ يذكر أسماء الأحياء في هذه البلدة وأسماء شوارعها. وعندما نطق الدلَّال باسم شارع بعينه خفق قلب الشاب بعنف.

فطلب أبو علي من الدلَّال أن يذكر أسماء العائلات التي تقطن في هذا الشارع وأسماء بناتها، وحين ذكر اسم أسرة بعينها تسارعت ضربات قلب الشاب.

فلما نطق باسم فتاة بعينها اضطربت النبضات، وارتجفت الجفون، وانهمرت الدموع ودفع الشاب بأبي علي وهو يخفي وجهه بكفيه.

وابتسم أبو علي وقال: مريضنا يُحبُّ هذه الفتاة التي سمعتم اسمها، وفي رؤيته لها، راحته وفي زواجه منها شفاؤه!

وكان الفرح. لقد تزوج الشَّاب بمن يحب فهدأت منه النفس ومن ثَمَّ هجع الجسد. وكان أبو علي قد بلغ من العمر خمساً وثلاثين سنة. ولما علم الأمير بما حدث لقريبه أحب أبا علي وأدناه من مجلسه.

 

أبو علي رئيسا للوزراء!!

أفرد الأمير شمس الدولة قصراً لأبي علي، وألحَّ عليه ليكون رئيساً لوزرائه ومستشاراً له في شؤون الحكم. وقَبِلَ أبو علي على أن تكون إدارة أمور الدولة بالعدل والنزاهة.

ونظَّم أبو علي ساعات يومه كلَّها. في النهار يدير أمور الحكم وفي الليل يُملي على أبي عبيدة بحضور رهط من أصدقائهما العلماء، خمسين صفحة من كتابه (القانون) أو من كتابه (الشِّفاء) قائلاً للعلماء من حوله: لا ينبغي لعالم أن يُبقي شيئاً من العلم في نفسه، دون أن يُدوِّنه في كتابٍ قبل أن يلقى وجه ربِّه.

وحين ينتصف الليل ويقضي مع صحبه ساعتين من السمر والطرب، يذهب بعدها أبو علي لينام ثلاث ساعات لا تزيد.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى