كتاب “علم الأجنة والوراثيات”
2013 لمن الرأي في الحياة؟
جين ماينشين
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
اجتذب علم الوراثة اهتماماً عاماً وتفسيراً كبيرين من خلال مبحث تحسن النسل. وبالإضافة إلى ذلك، مع أن الدراسة العلمية للوراثيات حصلت على مزيد من الباحثين والتمويل في العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين، فإن الاندفاع استمرّ في علم الأجنّة التجريبي.
بيد أن الباحثين اختاروا هذا المسار أو ذاك. بالمقابل اتبع توماس هانت مورغان الاثنين. ويقدّم عمله ثانية فكرة قيّمة عن العلاقة بين دراسات التطوّر والوراثة.
بما أن مورغان المدير البارز لمختبر وراثيات ذبابة الفاكهة في جامعة كولومبيا، ولاحقاً في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، فربما يتوقّع أن يركّز على علم الوراثة فيما تبقى من مساره المهني. بل إنه وتلامذته وضعوا كتباً دراسية بارزة في هذا المجال في العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين.
لكن الوراثة عند مورغان كانت جزءاً من قصة البيولوجيا. وهناك التطوّر أيضاً. وربما يكون السؤال الأكثر إغراء، ما العلاقة بين الوراثة والتطوّر؟ يجدر الاقتباس من كتاب مورغان الدراسي الصادر في سنة 1927، "علم الأجنّة التجريبي" (Experimental Embryology) لفهم اللغة التي استخدمها هذا المؤسس الرائد لعلم الوراثة:
كتب مورغان:
ليس لترتيب الجينات في الصبغيات أي علاقة على الاطلاق بترتيب الأجزاء التي تحملها بنية الفرد المتشكّلة تماماً مقابل بعضها بعضاً. ويفترض بالتغيّرات التطوّرية التي نشاهدها ونحاول تفسيرها ألا تنجم أساساً عن تغيّرات في الصبغيات (لأن الجينات تبقى على حالها، كما نعتقد، وربما لا تتغيّر طوال التطوّر الجنيني)، ولكن عن تغيّرات في سيتوبلازما البيضة.
وهذه التغيّرات التي تحدث في السيتوبلازما عمليات كبيرة نسبياً مقارنة بصغر الجينات التي تشكّل العامل المطلق الذي يقف خلفها. في دراسة التطوّر الجنيني لا نشاهد إلا الأحداث الكبرى، ويستدلّ على وجود العوامل الأخرى من نوع مختلف من الأدلة.
كيف إذن يرتبط توالي الأحداث المنظّم في السيتوبلازما بنشاط الجينات في الصبغيات إذا لم يكن هناك توافق في الترتيب في الاثنين؟ هل هو ناجم على سبيل المثال عن التسلسل الذي تصبح فيه الجينات فاعلة. إننا لا نجرؤ على مثل هذا الافتراض، مع أنه قد يكون مغرياً، إذا ليس هناك أدلة على وجود أي تسلسل مماثل للأنشطة في الجينات.
وتابع مورغان ليلحظ أن النشاط التطوّري في السيتوبلازما إما أن يوجّه بتسلسل الجينات وإما ألا يكون كذلك، لكن ما من سبيل للفصل في أي منهما. فليس هناك دليل يدعم أحد التفسيرين على الآخر بصورة قاطعة. لذا على اختصاصيي البيولوجيا العمل من "كلا النهايتين" بدراسة طريقة عمل الجينات وتأثيرها في السيتوبلازما.
ركّز كتابه الصادر في سنة 1927 على علم الأجنّة، مثلما ركّز آخرون على علم الوراثة. وفي سنة 1934، جمع مورغان الاثنين معاً – في العنوان على الأقل – في كتاب "علم الأجنّة والوراثيات" (Embryology and Genetics).
وقد تناول فصله الثاني، سبع صفحات فقط، موضوع "التطوّر وعلم الوراثة". هناك أوجز مورغان المعرفة عن الوراثة وخلص إلى ما يبدو من المدهش أن يصدر عن رجل نال جائزة نوبل عن عمله في علم الوراثة.
قال، "الفكرة المركزية للتوازن الجيني هي أن جميع الجينات تعمل وما ينتج هو المجموع الإجمالي لتأثيرها. إذا تغيّر جين واحد، أي تبدّل بالطفرة، فإن الناتج يتغيّر إلى حدٍّ ما، حيث تتأثّر بعض الأعضاء أكثر من غيرها، لكن لا تزال جميع الجينات معنية. بعبارة أخرى، يعمل الجين الجديد بمثابة عامل تمايز. تقدّم هذه الصيغة صورة متسقة عن المنتجات النهائية للجينات، لكنها غير كافية لتفسير تسلسل التغيّرات التي يمرّ بها الجنين".
اليوم أصبحنا نعتبر الجينات بمثابة أكياس صغيرة من المادة الوراثية توجّه في الواقع وتحدّد ما الخصائص التي ستكون للكائن الحيّ. ونعلم أن معظم الخصائص ناتجة من عدة جينات، لكن لا يزال هناك شعور شهير وواسع بأن الجينات قَدَر لبعض السمات على الأقل.
وهذا هو نوع التفسير الذي يغذي تفكير تحسين النسل. هناك إغراء كبير للتفكير بهذه الطريقة إذ يبدو أن هذه الجينات الشبيهة بأكياس الوراثة توفّر، كما أدرك مورغان جيداً، تفسيراً لما يحدث في التطوّر.
ومن الصعب جداً القبول بأن هناك المزيد الذي نتعلّمه عن كيفية عمل التطوّر وما هي مجموعة التأثيرات المعقّدة التي تشكّل الكائن الحيّ. بيد أن علينا ألا نقبل تفسيراً مبسّطاً لأنه متوافر إذا لم يكن يبرّره العلم. ولا تزال هيئة المحلّفين تدرس ما مقدار التطوّر الذي "تسبّبه" الوراثيات بصورة مباشرة.
على الرغم من إغراء علم الوراثة، فقد ظل مورغان يرى التطوّر من خلال التخلّق المتوالي. وحتى إذا كان هناك جينات موروثة وجاهزة للعمل في الوقت المناسب، فإن مركّب الجينات الإجمالي هو الذي يقرّر ما الشكل الذي سيتخذه كائن حيّ معيّن في أي مجموعة محدّدة من الظروف البيئية.
دعمت بحوث علم الأجنّة التجريبي هذا التفسير، وكذلك علم الوراثة، كما اعتقد مورغان. فبما أن كل الخلايا تحتوي على كل الجينات، وبما أن كل الجينات في الصبغيات تواصل النموّ والانقسام بحيث تحصل كل خلية جديدة على مجموعتها الكاملة من الصبغيات، فلا بد أن يكون هناك شيء سوى الجينات أنفسها يسبّب نشاط بعضها في وقت معيّن وبعضها الآخر في وقت آخر.
كان مورغان محقاً بطبيعة الحال. لقد كان من الأسهل الاعتماد على التفسير المندلي فقط، والاستنتاج بأن جيناً واحداً يحدّد سمة واحدة – أو بالأحرى أن مجموعة من الجينات من كل والد تقوم بذلك. وكان من المغري أيضاً الاستدلال بأن الجينات تصبح نشيطة وفقاً لتسلسل ارتباطها بالصبغيات.
لكن الافتراض بصحّة ذلك من دون دليل ليس علماً جيداً ولن يكون مبرّراً. وهكذا حثّ مورغان على رؤية للحياة أكثر تعقيداً وأكثر واقعية كما اعتقد. لم يكن وحيداً، لكن كان من اعتنقوا هذا الرأي بحاجة إلى شيء لجعل برامج بحوثهم مثمرة.
ما دامت دراسات علم الوراثة والصبغيات من ناحية وعلم الأجنّة التجريبي من ناحية أخرى مستمرة في إثارة الاهتمام واجتذاب الكثير من الباحثين، فإن علم الأجنّة وعلم الوراثة سيظلان دراستين منفصلتين إلى حدٍّ كبير.
ربما رغب آخرون في القيام بشيء مثل علم الوراثة التطوّري، لكنهم لم يعرفوا كيف يقومون بذلك. وربما كانوا يأملون أن يقود مورغان الطريق. وقد أفاد بأنه تعرّض لانتقاد شديد لعدم القيام بذلك في كتاب "علم الأجنّة والوراثيات"، لكنه ردّ في الواقع، "ألم أفعل ما وعدت به"؟ الكتاب يحتوي على علم الأجنّة ويحتوي على علم الوراثة، لكنه لا يقدّم شيئاً مثل علم الوراثة الجنيني أو علم الأجنّة الوراثي. فقد تُرك ذلك للآخرين، في وقت لاحق، عندما يمكن استخلاص خيوط مختلفة من الأدلّة والتعليل.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]