البيولوجيا وعلوم الحياة

كيفية إفراز “العرق” داخل جسم الإنسان ومدى أهميته

2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

كيفية إفراز العرق أهمية العرق البيولوجيا وعلوم الحياة

إذا ارْتَفَعَتْ درجةُ حرارةِ الجوِّ من حَوْلِكَ، أو إذا ارتفعتْ درجةُ حرارةِ جسمِكَ بسببِ المَرض والحمَّى، أو إذا بَذَلْتَ مجهودًا عَضَلِيًّا أو رِياضيًّا كبيرًا… تصبَّبَ جسمُكَ عَرَقًا.

كذلِكَ إذا تَعَرَّضْتَ لمَوْقِفٍ مُحْرِجٍ أو انْفَعَلْتَ انْفعالاً شديدًا، تَنَدَّى وَجْهُكَ بحبَّاتِ العَرَقِ. فما هي حِكايةُ هذا العَرَقِ: مِن أينَ يأتي؟ وما هي وظيفَتُهُ؟

العَرَقُ سائِلٌ تُفْرِزُهُ غُدَدٌ خَاصَّةٌ في الجِلْدِ. والغُدَدُ العَرَقِيَّةُ نَوْعانِ: نوعٌ واسِعُ الانْتِشارِ في الجِسْمِ، ونوعٌ يوجَدُ في مناطِقَ مُعَيَّنَةٍ مِنْهُ. وكِلاهُما يتكوَّنُ مِنْ أنبوبٍ، يَلْتَفُّ جُزْؤُهُ الدّاخِلِيُّ الموجودُ في أَدَمَةِ الجِلْدِ.

 

أمّا بقيَّةُ الأُنْبوبِ فيَتَّجِهُ مُسْتقيمًا نَحْوَ سَطْحِ الجِلْدِ. والجزءُ المُلتَفُّ هُوَ الّذي «يُفْرِزُ» العَرَقَ. أيْ يكوّنُهُ مِنَ الدَّمِ الّذي تَكْثُرُ أَوْعِيَتُهُ الدَّقيقَةُ في الأَدَمَةِ.

والنّوعُ الأَوّلُ من الغددِ العَرَقِيَّةِ يوجدُ منه في جلدِ الشَّخْصِ البالِغِ نَحْوُ ثلاثَةِ ملايين غُدَّةٍ صَغيرَةٍ، مُنْتَشِرَةٍ في مُعْظَمِ سَطْحِ الجِلْدِ. وهي تَكْثُرُ علَى الأَخَصِّ في الجَبْهَةِ ورَاحَةِ الكَفَّيْنِ وباطِنِ القَدَمَيْنِ، فَقَدْ يوجدُ منها نحوُ 500 غُدَّةٍ في كلِّ سنتيمترٍ مُرَبَّعٍ واحِدٍ مِنْ راحَةِ الكَفِّ.

وهَذه الغُدَدُ تَصُبُّ إفرازَها مُباشَرَةً من مَسَامَ ضئيلَةٍ علَى سَطْحِ بَشَرةِ الجِلْد، وإفرازُها رائِقٌ شَفَّافٌ، مُعْظَمُه ماءٌ بِهِ نحوُ 1% بَوْلينا و0.5% من مِلْحِ الطَّعامِ (وهذا يُكْسِبُ العَرَقَ طَعْمًا مالِحًا واضِحًا)، وكَمِّيَّاتٌ قليلةٌ من الأَمْلاحِ الأُخْرَى وحِمْضِ اللاكْتيكِ (حِمضِ اللَّبَن).

 

وبالطَّبْع، يَخْتَلِفُ تركيبُ العَرَقِ باخْتِلافِ الظُّروفِ، كما أنَّ بَعْضَ الموادِّ الّتي يَبْتَلِعُها الإنْسانُ تَظْهَرُ في عَرَقِهِ.

أمّا النّوعُ الثّاني من الغُددِ العَرَقِيَّةِ فَأَكْبَرُ حجمًا، ولا يوجدُ إلاَّ في الإِبِطَيْن وحَوْلَ حَلَمَتَيْ الثَّدْيَيْن وفي أَسْفَلِ البَطْنِ بَيْنَ الفَخِذَين.

والجُزءُ المُلْتَفُّ من هذه الغُدَدِ يَغوصُ في الأَدَمَةِ إلَى مَوْضِعٍ أَعْمَقَ، كما أنَّ طَرَفَها العُلْوِيَّ الخَارِجِيَّ لا يَنْفَتِحُ علَى سَطْحِ البَشـرَةِ مباشَرَةً، بلْ يَتَّصِلُ بإحْدَى بُوَيْصِلاتِ الشَّعْرِ في تِلْكَ المَناطِقِ.

 

ولا تَنْشَطُ هذهِ الغُدَدُ إلاَّ بَعْدَ أنْ يَصِلَ الفَتَى أو الفَتاةُ إلَى مَرْحَلَةِ البلوغِ، وإفْرازُهَا لَزِجٌ وغَيْرُ صافٍ، ولَهُ رائحَةٌ مُمَيِّزَةٌ.

ولكنَّ هَذَا الإفرازَ يَصْلُحُ وَسَطًا لِنُمُوِّ البَكتيرْيا وتَكاثُرِهَا، فَيَتَحَلَّلُ وتُصْبِحُ رائِحَتُهُ كَريهَةً مُنَفِّرَةً لَوْ أَهْمَلَ شخصٌ غَسْلَ تِلْكَ المناطِقِ الّتي توجدُ فيها هذهِ الغُدَدُ.

واستعمالُ الموادِّ المُزيلَةِ للرَّوائِحِ غيرُ كافٍ، بلْ قَدْ يكونُ مُضِرًّا. فلابدَّ من مُداوَمَةِ الاسْتِحمامِ الّذي يحافِظُ علَى صِحَّةِ الجِلْدِ وقُدْرَتِهِ علَى إفْرازِ العَرَقِ.

 

ومِنْ نِعَمِ اللهِ أَنْ فَرَضَ عَلَيْنا الوُضوءَ والاغْتِسالَ، كما أنَّ السُّنَّةَ النَّبَوِيَّةَ الشَّريفَةَ تَقْضي بالاغْتِسالِ والتَطَيُّبِ قَبْلَ صَلاةِ الجَمَاعَةِ ظُهْرَ الجُمْعَةِ وفي العِيدَيْنِ.

وإفرازُ العَرَقِ قَدْ يكونُ له دَوْرٌ في إخْراجِ بَعْضِ الموادِّ الضارَّةِ أو الزَّائِدَةِ عن حاجَةِ الجسمِ. ولكنَّ هذا الدَّوْرَ ثانوِيٌّ بالنِّسْبَةِ للدَّوْرِ الرَّئيسِيِّ الّذي تَقومُ به الكُلْيَتَانِ وبعضُ الأَعْضاءِ الأُخْرَى والعَرَقُ يُساعِدُ علَى حِمايَةِ الجِلْدِ، لأَنَّهُ يُقَلِّلُ من فُرَصِ تَعَلُّقِ الطُّفَيْلِيَّاتِ والأَجْسامِ الغَريبَةِ بِهِ.

ولكنَّ وظيفَةَ إِفْرازِ العَرَقِ الأَساسِيَّةَ هي القيامُ بِدَوْرٍ رئيسِـيٍّ في تَنْظيمِ دَرَجَةِ حرارَةِ الجِسْمِ، والعَمَلِ على ثَباتِها.

 

وكلُّ نشاطٍ يَحْدُثُ في أَحْشاءِ الجِسْمِ وعَضَلاتِهِ مُحْتاجٌ إلَى طاقَةٍ، وتَتَوَلَّدُ مِنْهُ حَرارَةٌ ولابدَّ أن يَعْمَلَ الجسمُ علَى التَّخَلُّصِ مِنْ الحَرارَةِ الزَّائِدَةِ، لأَنَّ ارْتِفاعَ دَرَجَةِ حَرارَتِهِ عن الحَدِّ السَّوِيِّ يُؤْذِيهِ، بَلْ قَدْ يَقْضِي علَى حَياةِ صاحِبِهِ.

 ومُتَوَسِّطُ دَرَجَةِ الحرارَةِ السَّوِيَّةِ المُعْتادَةِ لِجِسْمِ الإنْسانِ هي 37°س. والّذي يقومُ علَى ضَبْطِها والتَّحَكُّمِ في جزءٍ مِنَ الدِّماغِ يسمَّى تَحْتَ المِهَادِ .

فإذا ارْتَفَعَتْ دَرَجَةُ حرارَةِ الجِسْمِ عن الدَّرَجَةِ السَّوِيَّةِ، عَمِلَ ذَلِكَ المركزُ علَى تخفيضِها بِوَسائِلَ مُخْتَلِفَةٍ أَهَمُّها زِيادَةُ إِفْرازِ العَرَقِ.

 

والعَرَقُ المُفْرَزُ يَحْمِلُ جُزْءًا من حَرَارَةِ الجِسْمِ الدَّاخِلِيَّةِ إلَى سَطْحِهِ، ثُمَّ إنَّ تَبَخُّرَهُ مُحْتاجٌ إلَى حرارَةٍ تُسْتَمَدُّ مِنَ الجِسْمِ، وهَكَذَا يَبْرُدُ الجِسْمُ . والّذي قَدْ لا يَلْتَفِتُ إِلَيْه مُعْظَمُنا أنَّ العَرَقَ يُفْرَزُ من أجسامِنَا باسْتِمرارٍ، لأنَّ الحرارَةَ تَتَوَلَّدُ في أَجْسامِنا طالَما كُنَّا أَحْياءً، ولكنَّهُ يُفْرَزُ بِكَمِّيَّاتٍ قليلَةٍ تَتَبَخَّرُ أَوَّلاً بِأَوَّلٍ، فلاَ نُحِسُّ بِهِ.

وأَنْتَ تستطيعُ أن تَتَأَكَّدَ من تَراكُمِ هذا «العَرَقِ غَيْرِ المَحْسوسِ» دُونَ تَبَخُّرٍ تَحْتَ سِوارِ ساعَةِ مِعْصَمِكَ، أو تَحْتَ حِزامٍ ضَيِّقٍ مَلفُوفٍ علَى وَسَطِكَ، أو لَوْ بَسَطْتَ راحَةَ يَدِكَ علَى سَطْحٍ زُجاجِيٍّ بارِدٍ.

ولكنَّ إفرازَ العَرَقِ يصبحُ محسوسًا وغزيرًا إذا ارْتَفَعَتْ دَرَجَةُ حرارَةِ الجَوِّ، أو بَعْدَ مجهودٍ عَضَلِيٍّ عنيفٍ، أو بَعْدَ تَنَاوُلِ دواءٍ مُعَرِّقٍ لِيَخْفِضَ دَرَجَةَ حَرارَةِ مَريضٍ بالحُمَّى.

 

ومعروفٌ أنَّ سرعَةَ تَبَخُّرِ الماءِ تَتَناسَبُ عَكْسِيًّا معَ ارْتِفاعِ دَرَجَةِ الرُّطوبَةِ في الجوِّ الّذي يَعْلوهُ: أيْ أنَّ الماءَ يَتَبَخَّرُ سريعًا في الجوِّ الجافِّ، ويَبْطُؤُ تَبَخُّرُهُ في الجوِّ الرَّطْبِ. ولِذَلِكَ نحنُ نَشْعُرُ بِشِدَّةِ الحرارَةِ إذا كانَ الجوُّ رَطْبًا، ونَتَحَمَّلُ درجةَ حرارةٍ أعلَى إذا كانَ الجوُّ جافًّا.

وفي الأَجواءِ الحارَّةِ يَحْسُن بِنا أَنْ نَرْتَدِيَ ملابِسَ واسِعَةً فَضْفَاضَةً وغَيْرَ قاتِمَةِ اللَّونِ، وأنْ تكونَ من أَقْمِشَةٍ مَسامِيَّةٍ، مَصْنوعَةٍ من أَنْسِجَةٍ قُطْنِيَّةٍ تَمْتَصُّ العَرَقَ فَتَسْمَحُ بِتَبَخُّرِهِ وتَبْريدِ الجِسْمِ.

وعِنْدَ الإنسانِ مَقْدِرَةٌ مَلْحوظَةٌ على التَّأَقْلُمِ، فعِنْدَ انْتِقالِ شَخْصٍ إلَى مِنْطَقَةٍ شَديدَةِ الحرارَةِ، تَرْتَفِعُ درجةُ حرارةِ جسمِهِ وتَضْعُفُ قُوَّتُهُ. ولكنَّه بَعْدَ بِضْعَةِ أيَّامٍ يَزْدادُ إفرازُ جسمِهِ لِلْعَرَقِ زِيادَةً كبيرَةً، فَتَعْتَدِلُ دَرَجَةُ حَرارَةِ جسمِهِ، ويعودُ إليه نَشاطُهُ.

 

والعَرَقُ الغزيرُ يفيدُنَا بتبرِيدِهِ أجسامَنَا، ولكنَّه يُفْقِدُنا كثيرًا من الماءِ والمِلْحِ، وكِلاهُما ضروريٌّ للحياةِ. ولِذَلِكَ يجبُ عَلَيْنا أنْ نَحْرِصَ علَى الإكثارِ من شُرْبِ الماءِ والسَّوائِلِ في الصَّيْفِ.

وكَذَلِكَ يجبُ علَى الأَشْخاصِ الّذينَ يَتَعَرَّضونَ بِحُكْمِ أَعمالِهِمْ، كالخبَّازينَ والحدَّادين، أو أَحوالِ مَعيشَتِهِمْ، لِلْعَرَقِ بِغَزارَةٍ، أَنْ يَشْربوا كَمِّيَّاتٍ كافِيَةً من الماءِ وبزيادَةٍ قليلةٍ (دونَ إسْرافٍ) مِنَ المِلْحِ في طَعَامِهِم.

ونَحنُ نُلاحِظُ أنَّ الرِّياضيِّينَ الذينَ يُمارسونَ الرِّياضاتِ المُجْهِدَةَ والعَنيفَةَ، يُعْطَوْنَ فَتراتٍ للاسْتراحَةِ ولِشُـرْبِ الماءِ أو شَيْءٍ مِنَ السَّوائِلِ.

 

ولا توجدُ الغددُ العَرَقِيَّةُ إلاَّ في الثَّدييَّاتِ، وهي كلُّها ثابِتَةُ الحرارَةِ كالإنْسانِ. ولكنَّ بعضَ الثَّدييَّاتِ تَخْلو أجسامُه من هذهِ الغُدَدِ، مثلَ القَوارِضِ، وعِنْدَه وَسائِلُ أُخْرَى لِتَبْريدِ حَرَارةِ الجِسْمِ.

والكَلْبُ ليس عِنْدَه إلاَّ القليلُ من الغُددِ العَرَقِيَّةِ في باطِنِ أَقْدامِهِ، فلِذَلِكَ يُبَرِّدُ جِسْمَه بزيادَةِ مُعَدَّلِ تَنَفُّسِهِ وباللُّهاثِ، أيْ إِخراجِ لِسانِهِ الطَّويلِ مِنْ فَمِهِ المَفْتوحِ. وذلِكَ لأَنَّ هواءَ الزَّفيرِ السَّاخِنَ يحملُ مَعَهُ كَمِّيَّةً كبيرَةً مِنَ الحرارَةِ، كما أنَّ البَخْرَ الحادِثَ من اللّسانِ والفَمِ المَفتوحِ يَعْمَلُ علَى تَبْريدِ الجِسْمِ.

 

والقَنْغَرُ يُبَرِّدُ جسْمَه باللُّهاثِ ونَثْرِ لُعابِهِ علَى جِسْمِهِ ورِجْلَيْه الأَمامِيَّتَيْن، ولا يَعْرَقُ إلاَّ إذا عَدَا عَدْوًا سريعًا. أمَّا الظَّبْيُ فإنَّه يَسْتعينُ بالعَرَقِ واللُّهاثِ مَعًا علَى تَبْريدِ جِسْمِهِ.

أمّا ثدييَّاتُ الصَّحْراءِ فَتُجابِهُ مُشْكِلَتَيْن: ارتفاعَ الحرارَةِ ونُدْرَةَ الماءِ، ولها وَسائِلُ مختلفةٌ للتَّغَلُّبِ عليهما. والجَمَلُ مِثالُ فريدٌ في تكيُّفِ جِسْمِه تكيُّفًا رائِعًا لِتَحَمُّلِ الحرارَةِ الشَّديدَةِ والظَّمَأ الطَّويلِ، ولَهُ في ذَلِكَ وسائِلُ عجيبَةٌ، منها اقتصادُهُ الشّديدُ في إخْراجِ الماءِ في البَوْلِ والبُرازِ وتَجَنُّبُهُ العَرَقَ إلاَّ في أَضْيَقِ الحُدودِ.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى