كيفية اثبات العلماء لعلم الوراثة المندلية الصبغية
2013 لمن الرأي في الحياة؟
جين ماينشين
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
ما أثار اهتمام اختصاصيي البيولوجيا بشأن أفكار مندل في أعقاب سنة 1900 هو احتمالات تفسير الوراثة والتطوّر من خلال هذه الرؤية الحتمية.
وقد أوضحت بالفعل أن ما يورث هو بيضة، والبيضة خلية، وأن خلية البيضة عالية التنظيم. كما أن خلية البيضة مخصّبة بخلية نطفة، ما يجلب مادة موروثة من الأب في النواة والصبغيات (لأن خلية النطفة لا تزيد كثيراً على النواة والصبغيات).
ماذا لو انطوت الوراثة فعلياً على نقل جسيمات مادية، أو عوامل، من نوع ما من الوالدين إلى النسل؟ سيكون من الملائم جداً إذا احتفظت هذه العوامل باستقلالها وصلابتها خلال انقسامات الخلية وفي الجنين المستقبلي والكائن الحي الناتج.
يمكن أن تفيد هذه العوامل الموروثة بمثابة ارتباطات سببية عبر الأجيال وربما يُفسّر التطوّر من خلال تحفّظ الوراثة. يمكن أن تفسّر ائتلافات العوامل المختلفة طائفة من الاختلافات في أسرة أو جماعة، وإن ليس الاختلافات الجديدة.
كانت الفكرة جذّابة جداً، وحملت الأدلة على أنها صحيحة، لنوع واحد من البازلاء العطرة على الأقل، لبعض الخصائص على الأقل، الأمل بتفسير الوراثة. وبدا أن استقصاء الاحتمالات برنامج بحثي مثمر جداً.
لا شك أن بوفري أدرك الاحتمالات. وقد عبّر عن ذلك اختصاصي البيولوجيا والمؤرّخ هنري هاريس (Henry Harris) بقوله إن بوفري "لم يستطع أن يتجنّب ملاحظة أن الخِلال الموروثة التي وصفها مندل يمكن استيعابها بميكانيك الصبغيات الذي فعل الكثير لإيضاحه. ولم يشكّ ثانية في أن سلوك الصبغيات هو الذي يحدّد قواعد الوراثة التي اكتشفها مندل".
عمل بوفري منذ سنة 1902 على إظهار تلك العلاقة وإيضاح التفسير المندلي الصبغي للوراثة الذي يجمع معاً هذين الخطين من البحث والتفكير.
بالنظر إلى الماضي، يبدو أن أوائل العقد الأول من القرن العشرين كانت فترة حاسمة. ولا شك أنه ربما بدا أن أي اختصاصي عاقل في البيولوجيا يجب أن يقبل جمال النظرية ويرى كيف تتلاءم بدقة مع الأدلة.
بيد أنها لم تكن كاملة. تذكّروا أن التفسير المندلي دعا إلى التفارز المستقل على سبيل المثال. كيف يمكن أن تتفارز العوامل باستقلالية إذا كانت ترتبط بالصبغيات وإذا كانت الصبغيات تحتفظ بفرديتها ولا تتفكّك وتعيد التخثّر مع كل انقسام للخلية؟ ولماذا تتبع قلّة مختارة من الخصائص النمط الموصوف؟ لقد قدّمت النظرية إطاراً، لكن ظل هناك كثير من العمل الذي يجب إنجازه. كما كان لا يزال من المعقول رفض التفسير.
قاوم توماس هانت مورغان على سبيل المثال، وذلك مثير للاهتمام على وجه الخصوص لأنه سرعان ما أصبح من أشدّ مؤيّدي النظريات التي رفضها أولاً.
في أوائل سنة 1910، استمرّ مورغان في تأكيد ما اعتقد أنه خطأ في النظرية المندلية الصبغية بطرق توجز تفكيره في العقد الماضي. رفض مورغان ما رأى أنه تعليل غير مبرّر للتشكّل المسبق ملازم للنظرية. كما أنه كان مدفوعاً بالمخاوف من أن النظرية تعتمد كثيراً على جسيمات أو عوامل وراثية افتراضية لم تتم ملاحظتها.
ورأى مورغان أن البيضة تمثّل توازناً للمادة الكيميائية والبنيوية التي تتأثّر بالوراثة لكنها تتطوّر في المقام الأول استجابة للظروف البيئية. وقد بيّنت له ذلك دراسته عن تحديد الجنس.
كيف يصبح كائن حيّ فرد من هذا الجنس أو ذاك، وما الذي يجعله ذكراً أو أنثى ومتى يحدث ذلك؟ كانت التفسيرات التقليدية قد أشارت إلى العوامل الخارجية: ربما يحدّد الجنس مورد الماء، أو ماذا أكلت الأم، أو ظروف بيئية أخرى شهدتها الأم عند الحمل أو في مرحلة حاسمة من الحمل.
في سنة 1903، استبعد مورغان هذه الأسباب باعتبارها لا تتوافق مع البيانات، مع أن غيرها لم تتوافق. بيد أنه ظل مقتنعاً أن توازن العوامل الداخلية هو الذي يحدّد النتيجة. تحمل البيضة والجنين في مرحلة مبكّرة العديد من الاحتمالات، وهنا كما في أماكن أخرى في الطبيعة العضوية، يمكن أن تحدّد المنبّهات المختلفة في الأنواع المختلفة أي الاحتمالات الموجودة سيتحقّق".
أشار مورغان، حتى عندما تراكمت الأدلة بأن الجنس ربما يرتبط بوجود صبغيات معيّنة أو غيابها، إلى أن هناك مجالاً كبيراً لتفسير إضافي عن كيفية عمل ذلك.
وافق مورغان على أن العوامل المندلية ذات الصلة بالتشكل المسبق يمكن أن تقدّم تفسيراً للوراثة، ولكن بقيود كبيرة. وخلص في سنة 1909 إلى أن "فكرة التشكّل المسبق أدت دائماً إلى نجاحات فورية، وإن كانت مؤقّتة.
وفي حين أن للحمل بالتخلّق المتوالي ميزة كبيرة كما أعتقد رغم أنه شاقّ وغامض، فإنه يبقي الباب مفتوحاً على مزيد من التفسير وإعادة الفحص. وغالباً ما حدث التقدّم العلمي بهذه الطريقة". لقد رأى مورغان أن التخلّق المتوالي، بموجب الظروف الراهنة، علم أفضل.
كما رفض مورغان الاعتماد على الكائنات الافتراضية. وكما كتب في المقالة نفسها، "في التفسير الحديث للمندلية، تُحوّل الحقائق إلى عوامل بسرعة كبيرة". وبعبارة أخرى، اشتكى من "أننا نعمل مبتعدين إلى الوراء عن الحقائق نحو العوامل، ثم نفسّر الحقائق بالعوامل التي اخترعناها لتبريرها".
في أوائل سنة 1910، كتب مورغان بحثاً آخر طويلاً يناقش النقاط نفسها. وبينما كان من المقبول السعي وراء نظرتي مندل والصبغيات اللتين تعتمدان على وراثة جسيمات مادية تسبّب التطوّر ومعرفة إلى أين يمكن أن تؤدي، فإنه فضّل "التفاعل الفيزيائي الكيميائي" الذي يمكن أن يستجيب لتغيّر الظروف البيئية.
لقد كان من المهم جداً تذكّر وضع النظريتين المثيرتبن جداً للمشاكل. وحثّ مورغان على أن التفكير من خلال الجسيمات يمكن أن يغري لأنه يبدو بسيطاً أو أكثر "روعة وإبداعاً"، لكن علينا في العلم ألا نتبع نظرية ما لهذه الأسباب وحدها، ولا لأنها أصبحت شهيرة.
في بعض الأحيان نجد أن نظرية مثل نظرية التفاعل، وهي أكثر إثارة للاستفزاز وتقدّم مزيداً من "اللهفة"، "أكثر توافقاً مع الروح الحديثة للاكتشاف العلمي". ولأداء العلم الجيّد الذي اعتقد مورغان أنه ممكن ومرغوب فيه بالتأكيد، فإن "أي رأي نعتمده سيتوقّف أولاً على أي تصوّر يبدو أفضل توافقاً مع مجموعة الأدلة المتاحة المتعلّقة بعملية التطوّر". كان مورغان واضحاً جداً حيال ذلك. بيد أنه بعد بضعة شهور، أخذ يكتب لصالح المندلية والصبغيات باعتبارهما حملة الوراثة. لماذا؟
كان مورغان قادراً على التكيّف، وراغباً في اتباع ما يرى أنه أفضل علم. في أوائل سنة 1910، اكتشف شيئاً أقنعه بأن تقصّي المندلية هو العلم الأفضل في النهاية. وتحديداً، وجد ذكر ذبابة فاكهة ذا عينين بيضاوين. من الصعب التقليل من قدر تأثير تلك الذبابة الصغيرة في مسار الدراسات الحديثة للوراثة، بل حتى كيف نفّكر في أنفسنا.
كان مورغان انتهازياً بأفضل معنى لهذا الكلمة. درس ما استطاع من الكائنات الحيّة، باستخدام كل الأساليب المشروعة وطرح جميع الأسئلة المهمة ما دامت تطوّر البحوث المتسقة مع أفضل علم متاح في ذلك الوقت وتعطي معرفة جديدة.
ونتيجة لذلك، كان هو وتلامذته يدرسون ذباب الفاكهة بالإضافة إلى كائنات حيّة أخرى في مختبره في جامعة كولومبيا. وكانوا يسجّلون ما يشاهدون: الاختلافات، والخصائص، ونسب الاختلافات في الجماعة – الأشياء التي يدعو البرنامج المندلي إلى دراستها. وواصلوا إيجاد النمط المألوف ذي العيون الحمراء والأنماط القياسية الأخرى. ثم شاهد مورغان ذكراً ذا عينين بيضاوين ذات يوم في سنة 1910.
لم تكن مشاهدة مورغان الذكر ذا العينين البيضاوين وتسجيلها الأمر المهم في هذا الحدث، وإنما إدراكه، إذ إن العديدين لن يدركوا ذلك، أن هذه الذبابة لا تتلاءم مع النمط المعتاد. أدرك القيمة في ما هو مختلف ومفاجئ، وآثاره المحتملة على الدراسة المستقبلية باستخدام أنواع من التهجين المتصالب التي طوّرها مندل وآخرون في الزراعة.
أخذ مورغان تلك الذبابة واستولدها. ثم سجّل بعناية نتائج التهجين بين الذكر ذي العينين البيضاوين وشقيقاته ذات العيون الحمر. سجّلت ورقته القصيرة، أقل من ثلاث صفحات كاملة، أن 1237
ذبابة من النسل كانت ذوات عيون حمراء وثلاثاً فقط – جميعها ذكور – كانت ذوات عيون بيضاء. أهمل مورغان هذه الذبابات الثلاث مفترضاً أنها نتجت عن مزيد الطفرة. وذلك بحدّ ذاته أمر مشوّق. فعندما شاهد ذكراً واحداً أبيض العينين وسط حشد من الذباب في مختبره في جامعة كولومبيا بمنهاتن، اعتبره مهماً وذا قيمة محتملة وأفرده من أجل مزيد من الدراسة ليسأل "ماذا يحدث لو…" ثم تهجينه بطرق مختلفة.
الآن بعد إجراء التهجين الأول وظهور عدد إضافي من الذكور ذوي العيون البيضاء، فإنه لم يعد مهتماً وبإمكانه تجاهل هذه الحالات. كان لدى مورغان ملكة إدراك ما المهم في العلم – إمكانية وفرصة طرح الأسئلة ووضع الإجوبة والتفاسير التي يمكن اختبارها وتطويرها من أجل الإجابة عن مزيد من الأسئلة. وكانت رسالته عدم القبول بالجواب البسيط إذا كان هناك جواب آخر يقودك إلى الأمام على المدى الطويل.
طرح مورغان مزيداً من الأسئلة مستخدماً ذباباته. بما أن ما نتج عن التهجين المتصالب الأول كان بأكمله فعلياً ذباباً ذا عيون حمراء، ماذا يمكن أن يحدث في التجهين الثاني – بين هذا النسل الهجين ذي العيون الحمراء؟
هنا حصل على 2459 أنثى من ذوات العيون الحمراء، و1011 ذكراً من ذوي العيون الحمراء، و782 ذكراً من ذوي العيون البيضاء، من دون أي أنثى بيضاء العينين. الأرقام المحدّدة غير مهمة بالنسبة إلينا، لكنها تظهر التفاصيل التي قدّمها مورغان.
وتظهر طريقة تفكيره الواضحة في هذه المسألة. ففي حين كان المستولدون يقومون بالتهجين وينشئون هجائن مختلفة على مدى قرون عدة، لم يبد من المهم إحصاء الأعداد الدقيقة ضمن جماعات كبيرة إلا بمجيء مندل وإعادة اكتشافه (ليس من السهل عدّ كثير من ذباب الفاكهة الصغير كما أنه ليس عملاً إبداعياً مثل كثير من العلم الأساسي). لكي يكون هناك دافع على القيام بالأبحاث، لا بدّ أن يعتقد اختصاصيو البيولوجيا أن الأعداد والنسب التي تشكّلها مهمة بالفعل.
تابع مورغان العدّ والتهجين. وتبيّن أن الذباب مادّة ممتازة للبحوث، لأنه يتوالد بسرعة ويقدم بالتالي العديد من الأجيال في فترة زمنية قصيرة. كما أن مكاناً صغيراً يتسع لكثير من الذباب. وهي زهيدة التكلفة بقدر معقول، تأكل موزاً عفناً على سبيل المثال.
وقدّم الذباب ميزة إضافية: اجتذب الموز الواسع الانتشار المتدلّي من نافذة المختبر مزيداً من اختصاصيي البيولوجيا – كان اختصاصي البيولوجيا الخلوية إدموند بيتشر ويلسون وآخرون يدخلون المختبر ويخرجون منه بانتظام. لا شك في أن العمل على الذباب يقدّم كثيراً من المزايا على استيلاد الحمام، مثلما فعل داروين وعالم الأجنّة الأميركي تشارلز أوتو ويتمان من جامعة شيكاغو.
بل إن ويتمان خرج ذات يوم بارد في كانون الثاني/ يناير للعناية بالحمام لأن عاصفة شديدة كانت تتهدّدها، فأصيب بذات الرئة وتوفي نتيجة لذلك. لذا فإن ذباب الفاكهة يوفّر مادّة أبحاث بديلة جذّابة.
وضع مورغان فرضية لشرح النتائج مستفيداً من ملاحظاته المتراكمة. واستنتج أن لون العينين "مقيّد بالجنس" على ما يبدو، لذا ربما كان ناجماً عن "عامل" للعيون البيضاء تحمله صبغيات الذكر فقط، في حين أن عامل العيون الحمراء تحمله جميع الإناث.
ورأى أن الذكور ذات العيون البيضاء لا تنشأ إلا نتيجة طفرة ما، عندما لا يحمل ذكر لسبب ما عامل العيون الحمراء التي يحصل عليها عادة عن طريق الوراثة من الأم.
علّل مورغان التفسيرات المحتملة خطوة خطوة بناء على عوامل خاصة بالمادّة الموروثة – العوامل نفسها التي عارضها بحماسة قبل أشهر عدّة فقط.
كان مورغان يصرّ على وجوب اتباع الدليل، والسعي وراء خطوط الأبحاث المثمرة. اتبعها حيثما قادتك، ولو إلى العوامل الموروثة وإلى ما أصبح عقوداً من تهجين ذباب الفاكهة من قبل فريق من الباحثين في المختبر الذين أطلق عليهم المؤرّخ روبرت كولر (Robert Kohler) "ملوك الذباب".
خلص مورغان في تلك الورقة القصيرة التي نشرها في سنة 1910 إلى أن لون العينين يبدو مرتبطاً بالجنس، ما يعني أن الإناث يمكن تحمل سبب اللون الأبيض الطافر وأن الذكور تعرض هذه الخاصية بأعداد أكبر. لكن كان هناك دليل بالفعل على أن الجنس مرتبط بالصبغيات.
لذا إذا كان لون العينين مرتبطاً بالجنس والجنس مرتبطاً بالصبغيات، فإن من المنطقي على الأقل متابعة الفرضية بأن لون العينين مرتبط بالصبغيات. أدرك مورغان احتمالات الأبحاث الغنية التي يفتحها ذلك، فقاد الطريق في متابعتها.
بعد مزيد من دراسة الصبغيات، وخصائصها، والطفرات، والجماعات، أصبحت نظرية الصبغيات تقوم على أساس متين. وبناء على ذلك، اعتُبر أن الصبغيات تحمل مادة الوراثة من جيل إلى الذي يليه، كما أن العوامل ترتبط بالصبغيات. وشرع تلامذة مورغان في سلسلة من الدراسات المفصّلة والدقيقة التي سمحت لهم ببدء "رسم" العوامل التي تدعى جينات على الصبغيات. لم يكن في وسعهم رؤية العوامل في الواقع أو رسمها بصورة مرئية، لكنهم استخدموا التحليل الإحصائي. ما وتيرة حدوث أي خاصيتين معاً في الكائن الحي؟ إذا كانت الوتيرة مرتفعة استنتجوا أن العوامل يجب أن تكون موجودة قرب كل منهما، وإذا كانت منخفضة فيجب أن تكون العوامل بعيدة أو موجودة في صبغي مختلف تماماً.
هذا العمل، الذي اعتُبر أنه يثبت نظرية الوراثة المندلية الصبغية ويضعها على أسس متين، أدى إلى إضعاف "قانون" مندل الثاني في الواقع. بل إن هذا الخط من الأبحاث استند إلى الفرضية بأنه ليس هناك فرز مستقل مثلما شاهد مندل.
وبالتفكير خلافاً لمندل والتنبّؤ بحدوث ارتباطات، تمكّن الباحثون من استخدام وتيرة هذه الارتباطات لرسم القرب من الصبغي. بيد أن ذلك لم يعنِ أن مندل كان مخطئاً، وإنما بدا كما لو أن مندل اختار دراسة سبع خصائص مختلفة وخاصة جداً، ذات عوامل موجودة في صبغيات مختلفة.
وقد تطلّب ذلك عبقرية في الملاحظة من قبل مندل، كما أشار المؤرّخون، إذ تجاوز مندل غموض الاختلافات المشوّشة في الطبيعة ورأى أنماطاً وانتظامات.
أصبح في وسع فريق مورغان القيام بالخطوة التالية والبدء بقبول الاختلاف وإدراك مغزاه أيضاً. وبالقيام بذلك، وضعوا علم الوراثة في مركز بيولوجيا القرن العشرين.
في العقود التالية، اتبع الباحثون مختلف خطوط التقصّي ليكتشفوا ما الذي يورث وكيف تعمل الوراثة، مثلما أورد العديد من المؤرّخين بطريقة مقنعة. هل هو تفاعل كيميائي صرف، بحيث يعمل كل ما يورث كيميائياً على سيتوبلازما الخلية المحيطة لإحداث التمايز؟ أو هل هناك دفع وجذب فيزيائيان أو ميكانيكيان، مثل نوع من القوى أو المتجهات؟ ما تركيبة المادّة الموروثة التي تشكّل الجينات وبنيتها؟
تُوّج نصف قرن من البحوث في سنة 1953، عندما أعلنت ورقة جيمس واتسون (James Watson) وفرانسيس كريك (Francis Crick) المكوّنة من صفحة واحدة عن بنية الحمض النووي الريبي المنقوص الأكسجين (الدنا).
وعد المؤلّفان بمزيد من التفاصيل في مكان آخر، لكنهما ذكرا عَرَضاً في النهاية أنه "لم يفتنا أن الازدواج الخاص الذي افترضناه يوحي على الفور بوجود آلية نسخ محتملة للمادّة الوراثية". أثرّت هذه الاحتمالات، وما ترتّب عليها من أهمية الوراثة في تحديد الحياة، في الكثير من الأبحاث التي أجريت لتحديد المادّة الوراثية والكثير من الاندفاع لإيضاح آثار بنية الدنا. وساهم عرض الجينات، بالإضافة إلى اكتشافها، باعتبارها مادة الوراثة السحرية تقريباً في تكرار تشديد اختصاصيي البيولوجيا على الوراثة وأثرها العظيم على تطوّر الحياة.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]