كيفية التنبؤ الوراثي بأمراض المخ والدماغ الضمورية أو التنكسية
1996 تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان
الدكتور يوسف يعقوب السلطان
KFAS
ويؤدي تقدم علوم الوراثة في مثل هذه الحالة السالفة الذكر وغيرها من الحالات إلى تحسين وتطوير القدرات التشخيصية أكثر مما يؤدي إلى تحسين فعالية العلاج.
فالقدرة على التشخيص وما يتبع ذلك بالنسبة للشخص المبتلي المعني، من قدرة على التنبؤ بوفاته أو إعاقته، تؤدي في الغالب إلى إضافة عبء الالم في نفس الوقت الذي تسهم فيه بقليل او لا تسهم إطلاقا في تدعيم قدرته على المكافحة والتحمل.
وعلى ذلك فإن بعض الاشخاص القابلين للإصابة لا يرغبون في الاستفادة من تقنيات التنبؤ التكنولوجية، فعلى سبيل المثال فإن التنبؤ بظهور مرض هنتجون في صورته الاكلينيكية وهو مرض وراثي دائم التفاقم لا علاج له ويؤدي إلى الموت، هذا التنبؤ يمكن أن يؤثر في قرار الشخص بألا يخاطر بإنجاب طفل قد يلقى نفس المصير.
ومع ذلك فإن الاشخاص الذين ينتمون إلى اسر لها تاريخ مع هذا المرض، والذين قرروا فعلا عدم إنجاب أطفال قد يكونون غير راغبين في معرفة أنهم أنفسهم معرضون لنفس المصير.
وهناك نوع آخر من المشكلات الاخلاقية أو المعنوية نشأت بسبب وجود عقبات صادفها المعهد القومي الفرنسي للدراسات السكانية في خطته لإخطار من يحتمل ان يكونوا حاملين لنوع وراثي من مرض جلوكوما الأحداث Juvenile glaucoma "حيث كان هناك نحو 30 الف أسرة معرضة لخطر هذا المرض" الذي قد يؤدي إلى العمى، وذلك لكي يتلقوا علاجا مبكرا يهدف إلى الوقاية من العمى "دوروزينسكي Dorozynski، 1991".
وفي هذه الحالة رغم شعور باحثي المعهد القومي للدراسات السكانية بأن إبلاغ المعنيين على أمل تلقيهم العلاج الوقائي ضرورة حتمية، وأن إجراء الكشف المسحي على المستوى القومي وهو البديل الممكن غير عملي، إلا أنهم اوقفوا إجراء الإخطارات بموجب قانون الحصانة الشخصية الفرنسي الذي تتولى تنفيذه اللجنة القومية للإعلام قانون الحصانة الشخصية الفرنسي الذي تتولى تنفيذه اللجنة القومية للإعلام والحريات.
ولقد قررت هذه اللجنة أن للمعهد القومي أن يخطر فقط الأطباء لكي يكونوا واعين ويأخذوا حذرهم من إمكانية إصابة عملائهم بمرض جلوكوما الأحداث، وأن يدركوا طبيعته الوراثية ولكن لا يجوز لهم ان يحددوا هوية الأفراد أو الأسر القابلة للإصابة أوالمصابة فعلا وطبقا للقانون.
حتى في مجال البحوث الطبية فإن مثل هذه المعلومات قد تسبب في حالات معينة، تمييزا ضد المريض لأنها تبلغه بأنه مصاب بمرض خطير.
ولقد رفضت جميع المقترحات التي قدمت لتغيير هذا القانون بسبب ما ورد في كلمات جاك فوفيت Jacques Fauvet رئيس اللجنة القومية للإعلام والحريات آنذاك في عام 1989 من عدم توفير التوازن المناسب بين المصلحة الصحية العامة وبين احترام الحريات الأساسية وحقوق الإنسان وبخاصة حق احترام خصوصياته "دوروزينسكي Dorozynski، 1991، ص 370".
ولعل التأكيد على بعض الأمور مثل الاستقلال الذاتي للمريض، وتوافر الفرص المتكافئة للاستفادة من العلاج، والعمل المبني على الروابط العاطفية بين افراد الأسرة الواحدة، ومقدمي الخدمات الصحية، ووجود رأي عام واع.
لعل التأكيد عليها قد يكون في صف الرأي القائل ضرورة إبلاغ الأفراد القابلين للمرض وعلاجهم، وضد النظرة المجردة والمحتمل أن تكون مشوهة إلى الحريات الأساسية التي تحرم الاسر وأفرادها من الموافقة الواعية.
وانتهت البحوث التي اجريت على مرض ألزهايمرAlzheimer’s disease والذي سمي في زمن سابق عنه ما قبل الشيخوخة presenile dementia إلى أن مرض الجهاز العصبي هو الاساس لكثير وليس لكل الصور الاكلينيكية للمرض والتي اعتبرت وحددت بأنها عته الشيخوخة.
ولقد ظهر أن سبب هذا المرض على الأقل في بعض السلاسل الاسرية هو وجود جينة معيبة في كروموزوم 21، وهو نفس ما سبق أن عرف كسبب لأعراض المنغولية أو متلازمة داون طسانت جوج هايسلوب وآخرون St. George – Hyslop et al، 1987" .
واكتشف أيضا مؤشر في الكروموزوم 21 على وجود جينة تسبب إنتاج مادة شبه نشوية amyloid، وهو بروتين يوجد في الشبكات والتجمعات العصبية التي توجد في مخ العديد من أنواع الحيوانات حينما تصل إلى الشيخوخة، وكذلك في حالات المصابين بمرض ألزهايمر.
وسوف تؤدي هذه الاكتشافات في النهاية إلى إمكان تمييز مرض ألزهايمر العائلي بوضوح عن غيره من الأشكال "بارنز، 1987" ولكن رغم الفائدة الفعلية لهذه البحوث بالنسبة للعائلات، فإن هذا الاكتشاف لا يعطي أملا في شفاء مباشر بالنسبة للأفراد الذين يعانون من المرض، نظرا لأن شكلي المرض متشابهان اكلينيكيا، ولا يوجد علاج متوافر لأي منهما.
وفضلا عن ذلك هناك احتمالات المبالغة في تقدير العوامل والأوجه الوراثية لهذا المرض وما يتبع ذلك من إيجاد قلق لا حاجة إليه، واتخاذ القرار بعدم الإنجاب، وغير ذلك من الآثار التي قد تترتب على إشاعة المعلومات الفردية ووصولها إلى كثير من بنوك المعلومات الخاصة مثل التأمين والتوظيف والضمان الاجتماعي.
وأخيرا، فإن ظهور المرض في صورته الاكلينيكية أو السريرية قد يتطلب طول العمر بصورة مبالغ فيها أو غير عادية عند كثير من الاشخاص، وعلى ذلك فإن عاشوا حتى التسعينيات من عمرهم فإن نصف أعضاء الاسرة المباشرين والتي بها مرض ألزهايمر قد يصابون بالمرض.
ومع هذا العمر الطويل يتعرض الاقارب القريبون لاحتمال الإصابة بالمرض بمعدل يزيد أربع أو خمس مرات عن غيرهم من السكان "موهس وآخرون Mohs et al، 1987".
وأعم سؤال عن حقوق الإنسان يطرحه البحث في هذا المجال هو كيفية تعامل المجتمع مع مثل هذه المعلومات التنبئية التي يوفرها هذا البحث.
ومن المهم للغاية عندما نقوم بتقويم الأثر الجيني في أي مرض له عنصر وراثي أن نتذكر، كما سبق أن ذكرنا أن الجينات لا تعمل في عزلة عن العوامل الأخرى.
وعلى ذلك فإن الإصابة الفيروسية في الجينة الطافرة او الضغوط البيئية المتجمعة على مدى الحياة. قد تكون ضرورية لإحداث التأثير الوراثي.
ولا يمكن الاعتماد على مجرد المعرفة وحدها للاحتمالات المستقبلية لحدوث مرض ما كأساس لتوجيه النصح والاستشارة الطبية الذكية لأن مجرد تحديد القابلية للإصابة لا يسمح بالتنبؤ بالنسبة لتوقيت حدوث المرض أو احتمال حدوثه من عدمه.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]