كيفية بناء بروتينات جديدة داخل خلية ” الإيشـريشيا كولاي”
2013 آلات الحياة
د.ديفيد س. جودسل
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
بروتينات خلية الإيشريشيا كولاي البيولوجيا وعلوم الحياة
يشترك أكثر من نصف عدد الجزيئات داخل خلية الإيشـريشيا كولاي بطريقة أو أخرى في بناء البروتينات (شكل 5.4).
ففي الخلية النامية بشكل طبيعي، نجد أن هناك خمسة آلاف أنزيم "بلمرة "رنا" (RNA polymerase) تكون منشغلة بنسخ الـ "دنا" إلى "رنا".
وفي نفس الوقت فإن ما يقرب من عشرين الف ريبوسوم يبدأ في صناعة البروتينات من سلاسل الـ "رنا" وذلك حتى قبل الإنتهاء من عملية النسخ.
وهناك العشرون نوعاً من جزيئات الـ "رنا" الناقل (Transfer RNA) تدور حول الريبوسومات لتسلم أحماضا أمينية لكي يتم إضافتها إلى سلاسل البروتين النامية.
كما أن هناك عشـرين نوعاً من الإنزيمات المركبة للأمينو أسيل على الـ "رنا" الناقل (Amino-acyl tRNA Synthetase Enzymes) تعمل على إضافة أحماض أمينية جديدة إلى جزيئات الـ "رنا" الناقل التي سبق استخدامها.
وتوجد مجموعة من المركبات البروتينية التي عمل على البدء في عملية بناء سلاسل البروتين الجديدة، وتوجيه كل خطوة فيها، مع إيقافها عندما يحن الوقت المناسب لذلك.
وبعد الإنتهاء من بناء سلاسل البروتين تعمل «البروتينات المرافقة» (Chaperonin Proteins) على طي جزيئات البروتين الناتجة.
شكل 5.4 بناء البروتينات في الخلية البكتيرية: تستخدم الخلية مجموعة مكونة من أكثر من 50 آلة جزيئية بداخلها وذلك للقيام بعمليتي النسخ والترجمة. فالمعلومات الوراثية تكون مخزنة في حلقة كبيرة من الـ "دنا" (A).
ويعمل إنزيم « الدنا توب أيزوميريز » (B) على مساعدة إنزيم « بلمرة الـ "رنا" »(C) في فك حلزنة الـ"دنا" وبناء الـ "رنا" المرسال (D).
بعد ذلك تقوم الريبوسومات (E) ببناء البروتينات اعتماداً على المعلومات الموجودة في شرائط الـ "رنا"، وباستخدام وحدات بنائية من الأحماض الأمينية والتي تكون محمولة على "الـ "رنا" الناقل (F).
« يعمل الإنزيم المركب لأمينو أسيل على الـ "رنا" الناقل » (G) على ربط الحمض الأميني المناسب بالرنا الناقل، ويتم توجيه هذه العملية بكاملها بواسطة « عامل الاستطالة Tu» و« عامل الاستطالة Ts» (H)و«عامل الاستطالة G» (I).
وتقوم « عوامل البدء » (J) بالعمل على بدء عملية الترجمة بكاملها بإحضارها لأول جزىء "رنا" ناقل وضمها في الوحدتين المكونتين للريبوسوم لكي يقوما بالترجمة.
وفي النهاية فإن « البروتينات المرافقة » (K) تعمل على المساعدة في طي البروتينات الجديدة، بينما تقوم جزيئات البروتياسوم ClpA (L) بتكسير البروتينات التي لم يعد هناك حاجة إليها.
وفي النهاية وبعد إنتهاء البروتين من أداء وظيفته في الخلية، فإنه يتم تحطيمه بواسطة جزيئات البروتياسوم (Proteasome) مثل CIpA. وتخضع كل مرحلة في حياة البروتين من بدايتها إلى نهايتها إلى التحكم وبكل عناية بواسطة الآلات الجزيئية بالخلية.
توجد الشفرة الوراثية لكل البروتينات بالخلية باستثناء البعض القليل منها على قطعة "دنا" واحدة كبيرة وحلقية يبلغ قطرها حوالي نصف مليمتر وتحتوي على أربعة ملايين وسبعمائة وعشرين ألف زوج من القواعد النيوكليوتيدية.
وتحتوي البكتيريا أيضاً على حلقات صغيرة من الـ "دنا" تُسمى بلازميدات (Plasmids) والتي تحمل الشفرة الوراثية لعدد اثنين أو ثلاثة بروتينات. ويمكن للبلازميدات التنقل بسهولة بين الخلايا البكتيرية ويتم إستخدامها في تبادل الجينات.
على سبيل المثال، تحمل البلازميدات في الغالب شفرات لبروتينات يمكنها مهاجمة المضادات الحيوية.
وبنقل مثل هذه البلازميدات من خلية لأخرى، فإنه من الممكن أن تنتشـر المقاومة للعلاج بالمضادات الحيوية خلال المجتمع البكتيري.
والبلازميدات أيضاً ذات فائدة كبيرة جداً في تقنيات التكنولوجيا الحيوية (Biotechnology)، وأدى استخدامها إلى إيجاد صناعة كاملة من الهندسة الجينية (Genetic Engineering).
عند النظر إلى الخلايا البكتيرية باستخدام المجهر، يمكنك أن ترى منطقة في مركز الخلية تبدو وكأنها تعمل على إبعاد الريبوسومات عنها، وتُسمى هذه المنطقة بـ «شبه النواة» (Nucleoid) .
حيث تتجمع فيها سلاسل الـ "دنا" مع بعضها البعض لتعمل كمنخل يتم بواستطه إبعاد الجزيئات الكبيرة عنها.
ويحدث بهذه المنطقة الكثير من الأشياء (شكل 6.4) .
شكل 6.4 منطقة شبه النواة (Nucleoid): تعمل البروتينات الموجودة في "منطقة شبه النواة" على حماية، وإصلاح، وتنظيم ومضاعفة المعلومات الوراثية المخزنة في الـ "دنا".
حيث يتم فك العقد وبسط الثنيات في حلقة الـ "دنا " كبيرة الحجم (A) بواسطة «إنزيم الـ "دنا" توب أيزوميريز » (B)، كما تعمل بروتينات مثل HU (C)، و Fis (D)، و (E) H-NS، و LRP(F) و (G)CMS على المساعدة في تعبئة الـ "دنا" في فراغ صغير بالخلية.
ويتم التحكم في المعلومات الموجودة في الـ "دنا " بواسطة الأفعال المتضادة التي تقوم بها المثبطات مثل مثبط cal (H) والمنشطات مثل « البروتين المنشط للتمثيل الغذائي » ( I). يتم إصلاح الكسور في سلاسل الـ "دنا" بواسطة بروتينات مثل(J) RecA RecBC (K)، كما أن الأخطاء الداخلية يتم تصحيحها بواسطة إنزيمات مثل MutM (L).
يعمل إنزيم بلمرة الـ "دنا" (M) على بناء نسخ جديدة من الـ "دنا " وذلك بمساعدة «البروتين المرتبط بسلاسل الـ "دنا " الفردية » (N).
فأولاً هناك مشكلة مكانية لا بد من حلها: وذلك أن حلقة الـ "دنا" التي يصل قطرها إلى نصف مليمتر لا بد من تعبئتها في مكان تصل سعته إلى أقل من جزء بالمائة من حجم هذه الدائرة.
وتقوم بهذه المهمة العديد من البروتينات التي يطلق عليها «بروتينات تعبئة الـ "دنا »(DNA-Packaging Proteins) مثلLRP ، H-NS ،fis ، HU .حيث تقوم بثني الـ "دنا" ، أو ربط سلسلتين متجاورتين منه معاً، أو لفه في صورة حزم صغيرة ونحيلة.
ولكن هذه البروتينات تنفصل بسهولة عن الـ "دنا" ، لكي تسمح بقراءة المعلومات الموجودة عليه عند الحاجة إلى ذلك.
تتسبب الطريقة التي تتشابك بها سلاسل الـ "دنا" في ظهور مشاكل شكلية أيضاً. حيث أن اللف وفكّ اللف للـ "دنا" بواسطة إنزيم بلمرة الـ "رنا" (RNA Polymerase) يسبب التواء غير سار للـ "دنا" ، والذي لا بد من فك تشابك حلقاته عند تضاعفها أثناء انقسام الخلية
ويتم حل هذه المشاكل بواسطة إنزيمات “الدنا توب أيزوميريز "(DNA Topoisomerase). حيث تقوم هذه الإنزيمات بإحداث قطع متعمد في عدة أماكن في حلزون الـ "دنا" المزدوج، وذلك بما يسمح له بالإسترخاء أو يسمح للسلاسل بالمرور من بعضها البعض. وفيما بعد، تعمل هذه الأنزيمات على إعادة ربط سلاسل الـ "دنا" مع بعضها بطريقة صحيحة.
لا بد أن تقوم الخلية أيضاً بالتحكم في الوقت والمكان الذي يجب أن يتم فيه استخدام الجين. وبالفعل فإن المعلومات الموجودة في جينوم الـ "دنا" تخضع لدرجة عالية من التحكم.
حيث توجد مجموعة من المثبطات والمنشطات التي تتفاعل مع كل جين، لكي تحدد الوقت الذي يتم فيه استخدامه لإنتاج البروتينات.
فعلى سبيل المثال، يرتبط المثبط lac ببداية منطقة جينية تحمل شفرة لأربعة بروتينات يتم استخدام في عمليات التمثيل الغذائي للاكتوز.
وعندما تكون هناك ندرة في اللاكتوز، فإن المثبط lac يرتبط بالدنا ويعيق هذه الجينات عن العمل. ولكن عندما يكون اللاكتوز متاحاً ، فإنه يعمل على استحثاث تغير في شكل هذا المثبط ، يؤدي إلى انفصاله بعيداً عن الجينات. وهذا يسمح بعد ذلك ينسخ الجين بحيث تتمكن الخلية من إنتاج البروتينات التي تحتاجها لاستخدام اللاكتوز.
تقوم الخلايا البكتيرية أيضاً بمتابعة الجينوم الخاص بها لملاحظة ما قد يحدث به من تلف، بحيث تتمكن من إصلاحه سريعاً. وهناك العديد من الآليات التي تعمل بصفة مستمرة في الخلية من أجل تحقيق ذلك.
وأبسطها هي قيام إنزيمات منفردة بالبحث عن القواعد النيوكلوتيدية التالفة في الـ "دنا" فعلى سبيل المثال، فإن بروتين MutM يقوم بالبحث عن قواعد الجوانين التالفة ويعمل على إزالتها قبل أن تتسبب في حدوث طفرة في الجينوم. وللخلية أيضاً طرق أكثر فعالية لإصلاح التلفيات الأكثر شدة.
ويتم تنفيذ إحدى هذه الآليات بواسطة نظام RecABC، حيث يقوم هذا النظام بإصلاح تلفيات ال"دنا" وذلك بمقارنة الـ"دنا" التالف بـ "دنا" سليم (سوف يتم وصف ذلك بشكل أكثر تفصيلاً في الفصل السابع).
وبالطبع، فإن الأمر يتطلب هنا وجود سلسلة دنا غير تالفة ليتم استخدامها كقالب في عملية الإصلاح. ولحسن الحظ، فإن خلايا الإيشـريشيا كولاي الطبيعية لديها نسخ عديدة من حلقة الـ"دنا" الخاصة بها وذلك لأنها تقوم بمضاعفته بشكل مستمر.
يبدأ تضاعف الـ "دنا" عند موقع خاص على الحلقة، حيث يتم استخدام جزيئين من إنزيم بلمرة الـ "دنا" (DNA polymerase)، ويبدأ هذان الجزيئان في مضاعفة الـ"دنا" في نفس الوقت ولكن في اتجاهين متضادين، بحيث ينتهيان من عملهما عند موقع ما في الجانب المضاد لاتجاه عمل كل منهما.
وتتميز عملية مضاعفة الـ "دنا" في الإيشريشيا كولاي بأنها على درجة عالية من الفعالية.
حيث يقوم إنزيم بلمرة الـ "دنا" بإضافة 800 قاعدة نيوكليوتيدة جديدة في كل ثانية إلى السلسلة، بحيث يحتاج إلى 50 دقيقة ليقوم بمضاعفة حلقة الـ"دنا " : بكاملها.
ولكن في حالة مزارع الإيشـريشيا كولاي سريعة النمو، فإن الخلايا تنقسم كل نصف ساعة. وهذا لا يسمح بوقف كاف لمضاعفة الجينوم بكامله قبل كل انقسام.
وتتغلب الإيشريشيا كولاي على هذه المشكلة بقيامها بالبدء في دورة تضاعف دنا جديدة قبل إنتهاء الدورة السابقة لها.
بحيث إنه عند إتمام دورة من تضاعف الـ "دنا" تنتهي بالحصول على دائرتين دنا منفصلتين، تكون السلسلة الجديدة التي تم البدء في بنائها قد قطعت نصف الطريق للوصول إلى نهاية الدورة التالية من التضاعف. إن الخلايا البكتيرية متأقلمة تماماً على كيفية الإستفادة من البيئة التي توجد فيها.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]