البيولوجيا وعلوم الحياة

كيفية حدوث عمليتي “الحماية والإدراك” من الظروف البيئية المحيطة داخل خلايا جسم الإنسان

2013 آلات الحياة

د.ديفيد س. جودسل

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

عملية الحماية من الظروف البيئية داخل خلايا جسم الانسان عملية الادراك من الظروف البيئية داخل خلايا جسم الانسان خلايا جسم الإنسان البيولوجيا وعلوم الحياة

عند تفاعلنا مع العالم، علينا أن نعزل أجسامنا ونحميها من البيئة المحيطة بها، ولكننا في ذات الوقت لا بد أن نستشعر ونستجيب لما يحدث في هذه البيئة من ظروف متغيرة.

ولقد تمكنت الكائنات المعاصرة من تطوير تنويعه هائلة من الآلات الجزيئية للموازنة بين هذه الاحتياجين المتضادين .

 

وهذا يمثل التنوّع الكامل في الحياة. هناك تشابه شديد في الطرق الأساسية لبناء الجزيئات وإنتاج الطاقة، والتي تم مناقشتها في الأجزاء السابقة، فيما بين كل الخلايا الحيّة.

إلا أن الكائنات الحيّة استطاعت أيضاً أن تطور العديد من الطرق المختلفة و الفريدة لتتعامل مع ما تواجهه من تحديات في البيئات المتنوعّة التي تتواجد فيها.

 

فالآليات المستخدمة لعزل الخليّة عن ماء البحار المالح تكون مختلفة تماماً عن طرق حمايتها ضد حرارة الصحراء أو هواء المرتفعات.

كما أن هناك مجموعات متوافقة جديدة من الآلات الجزيئية تسمح للكائن بأن يعوم لاصطياد فريسته، أو أن يفر بعيداً من مفترساته، أو تجعله ببساطه ذا مذاق سيء في فم مفترسه.

هناك عنصر مشترك يتم استخدامه بواسطة كل الخلايا الحية ألا وهو الطبقة الدهنية المزدوجة التي تمثل الحاجز الأساسي الذى يحيط بالخلية ويفصلها عن البيئة المحيطة بها. وتعمل الطبقات الدهنية المزدوّجة كطبقات مرنة، تلتئم ذاتياً، وتكون مقاومة لمرور أغلب الجزيئات.

 

يعمل غشاء الخلية على المحافظة على الآلات الخلوّية بداخل الخلية مع بقاء الجزيئات الخطيرة بالخارج. إلا أن وجود طبقة جلدية شديدة الإحكام سوف يكون عديم الفائدة للخلية.

فكيف يكمن للغذاء أن يمر إلى داخل الخلية في هذه الحالة؟ وتتغلب الخلايا على هذه المشكلة ببناء مضخات بروتينية تمتد خلال الغشاء الخلوي لكي تقوم بحمل الجزيئات من جانب لآخر (شكل 11.3).

 

شكل 11.3 : النقل خلال الأغشية الخلوية: البروتينات الثلاثة المبينة بالشكل هي بعض من العديد من المضخات البروتينية التي توجد في الغشاء الخلوي لخلايا بكتيريا الإيشريشيا كولاي.

فعلى يسار الشكل نجد أن فيتامين ب12 يتم التقاطه بواسطة البروتين "الكانس" المبين باللون الأزرق".

والذي يعمل على تسليم الفيتامين إلى إحدى مضخات النقل خلال الغشاء الخلوي. بينما يعمل البروتين المبين في منتصف الشكل كـ "ناقل إلى اتجاهين متضادين" (Antiporter) حيث يقوم بنقل أيونات الهيدروجين والصوديوم في إتجاهين متضادين خلال الغشاء. أما البروتين الموجود على يمين الشكل فيقوم بتوصيل أيونات الماغنسيوم إلى داخل الخلية (قوة التكبير: 5 ملايين مرة).

 

فعلى سبيل المثال, توجد مضخات متخصصة لدفع الأحماض الأمينية الى داخل الخلية, وأخرى لطرد اليوريا الى خارجها, وأخرى لا تفعل شيئاً سوى مبادلة الصوديوم بالداخل بالبوتاسيوم بالخارج من خلال الغشاء الخلوى.

وعن طريق استخدام هذه المضخات, تستطيع الخلايا أن تقوم بتنظيم حركة مرور الجزيئات بكل عناية من خلال الغشاء, بحيث تعمل على نقل المغذيات الى داخل الخلية, وطرد المخلفات خارجها.

 

إلا أننا لو نظرنا الى الطبقات الدهنية المزدوجة من خلال منظور أوسع، فسنجد أنها تركيبات ضعيفة, ولذلك فهي تحتاج لتدعيمها بجدار قوي يقيها العوامل الجوية والمفترسات. وهنا نبدأ لنرى قدراً من التنوع الناشئ من خلال التطور لحل مشكلة ما.

فعلى سبيل المثال, تقوم خلايا النباتات ببناء غلاف قوي من السليلوز ليحيط بالطبقات الدهنية المزدوجة من الخارج.

وهذا الغلاف المكّون من سكريّات عديدة يكون متيناً بحيث أنه يستمر فى الوجود لمدة طويلة بعد موت النبات, حيث يمكن استخدامه بعد ذلك في صناعة الأخشاب والورق.

 

وتستخدم الخلايا في أجسامنا (سوف يتم الحديث عنها في الفصلين 6.5) سقالة مصنوعة من البروتين، تكون متصلة بنقاط داخل الطبقة الدهنية المزدوجة وكذلك تتصل بشبكة من الألياف البروتينية المنتشرة في الخلية .

أما الخلايا البكتيرية والتي سوف نتحدث عنها في الفصل المقبل فإن لديها غشائين دهنيين مزدوجين يحيطان بالخلية، مع وجود طبقة متينة مربوطة بين هذين الغشائين وتتكون من السكر والبروتين.

 

التنوّع هو الصفة الغالبة التي يمكنك أن تجدها عند التأمل في الآلات الجزيئية الخاصة بالإدراك والتفاعل مع البيئة. وبالطبع، فإننا نتوقع ذلك نظراً لأن البيئة تمثل أكبر عامل يمكنه أن يؤثر بمفرده على تطور الكائنات الحية.

فمن خلال الانتخاب الطبيعي، استطاع كل نوع من الحيوانات والنباتات أن يتطور لكي يستشعر، ويستفيد، ويتكاثر في البيئة الخاصة به. فعلى سبيل المثال، يمكننا مقارنة كائنين بينهما درجة قرابة بعيدة وهما: البكتيريا المعوية إيشريشيا كولاي والعائل الذي تعيش فيه، وهو "نحن".

 

وعند إجراء هذه المقارنة فإننا نقوم بعبور مجال من التعقيد في الكائنات الحيّة7: ومن خلالها سنجد أن البكتيريا لديها قدرة ضعيفة للإدراك والتفاعل مع التغيرات التي تحدث في مدى قصير في البيئة، بينما الجزء الأكبر من جسم الإنسان يكون  مخصصاً لمثل هذه المهام.

تخصص بكتيريا الإيشريشيا كولاي أقل من 5% من آلاتها الجزيئية للحركة والإدراك، وهذا يسمح لها فقط بأن تظهر أبسط أنواع الاستجابة للظروف البيئة (سوف يتم الحديث عن ذلك بشكل أكثر تفصيلاً في الفصل التالي).

 

وفي المقابل، فإن أجسامنا تم بناؤها بحيث يمكنها القيام بحركات مخصصة وموجهة وذلك في وجود تحكم ناتج من إدراك مفصّل ومنطقي لما يحدث في البيئة من تغيرات. فالجزء الأكبر من أجسامنا مخصص للاحساس، والتفاعل، والحركة.

حيث تمتلىء الخلايا الموجودة بشبكية العين بحزم من بروتينات الأوبسن (Opsin) التي يمكنها الإحساس بالضوء الذي يتم تركيزه بواسطة خلايا عدسة العين المحتوية على بروتينات متبلورة.

كما أن خلايا الجلد تغزل سلاسل طويلة جداً من بروتينات الكيراتين لتكون الشعر مع وجود خلايا أخرى لديها القدرة على الإحساس بأبسط حركات هذا الشعر.

 

ويتم نقل ومعالجة هذه المعلومات الحسيّة وغيرها بواسطة الخلايا العصبية والتي تحمل تيارات كهربية يتم نشـرها بواسطة البروتينات وعزلها بواسطة طبقات متحدة المركز من الدهون.

ويحدث التحكم الدقيق في الحركة بواسطة هيكل هائل من خلايا العظام الممعدنة8، والذي يتم تحريكه بواسطة خلايا العضلات المملوءة ببروتينات لا تفعل شيئاً سوى الانقباض، ويتم ربط كل هذه الخلايا ببعضها بواسطة خلايا الأنسجة الضّامة والتي تعمل على بناء طبقات متينة من السكر والبروتين.

 

إلا أن المسار المشترك للكائنات الحية على كوكب الأرض ما زال يستعرض سماته من خلال هذا التنوّع، رابطاً بين بساطة البكتيريا وتعقيد أجسامنا.

وتظل جميع هذه الآلات الجزيئية المختلفة والفريدة لتتكون من نفس الأربعة مكونات الجزيئية وهي البروتينات، والأحماض النووية ، والدهون، والسكريّات العديدة.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى