كيفية قيام منظمة “السلام الأخضر المكسيكية” بكشف أضرار الذرة المهندسة وراثياً
2014 البذور والعلم والصراع
أبي ج . كينشي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
العلوم الإنسانية والإجتماعية البيولوجيا وعلوم الحياة
بدأ نشطاء البيئة المكسيكيون طرح قضية المحاصيل المهندسة وراثياً في نهايات تسعينات القرن المنصرم، حيث كانت أولى انطلاقاتهم هي الحملة المضادة لاستيراد الذرة الأميركية المهندسة وراثياً، ولقد تأثّر النشطاء عامة في جميع أنحاء العالم بتلك التكتيكات [التي انطلق منها النشطاء المكسيكيون].
ففي عام 1996م شرعت منظمة السلام الأخضر الدولية (Greenpeace International) بحملة جديدة كبيرة ضد المحاصيل المهندسة وراثياً، بدأت من فرض حصار على الموانىء التي من خلالها تورد شركة مونسانتو إلى أوروبا بذور فول الصويا المهندسة وراثياً، والخالية من الملصقات التي تبيّن أنها مهندسة (Schurman and Munro 2006, 25).
وتكرّر الأمر [ذاته] في بداية عام 1999م في المكسيك الذي استهدف شحنات الحبوب المهندسة وراثياً. فقد تولّى نشطاء السلام الأخضر المكسيكيون أمر جمع عيّنات من الذرة الأميركية من السفن المحملة بها للمكسيك، ومن ثم إرسالها لمختبر حكومي في فيينا [لتأكيد تعديلها وراثياً]، وبالفعل فقد تم تحديد وجود أصناف من الذرة المهندسة وراثياً ومن النوع الذي يحتوي على خاصية إنتاج مادة مبيدة للحشرات الضارة.
هذه النتائج [المختبرية] كان ينظر إليها من قبل نشطاء السلام الأخضر (1999) على أنها شكل من أشكال التلوث. فتم التنويه عنها إعلامياً ومن خلال مظاهرات منظمة السلام الأخضر في ميناء فيراكروز (Veracruz).
ففي حين أن تلك الفعالية أمام ميناء فيراكروز لم تحفّز المستهلكين على امتداد أوروبا، إلا أنها مثلت البداية للنضال حول الجدل القائم على التحوّر الجيني في الذرة المكسيكية. [وهو ما حفز] منظمات أخرى أيضاً للبدء بالتحقق من الآثار المترتبة على التكنولوجيا الحيوية.
ففي عام 2000م أصدرت إحدى المنظمات البيئية غير الحكومية في المكسيك تقريراً حول حالة المحاصيل المهندسة وراثياً في المكسيك، محتجة فيه على إدخال الذرة المهندسة وراثياً للمكسيك لأنها "تهدد التجانس في مجموعة الذرة المكسيكية المتعددة الأصناف، وأن تلك التهديدات لا تكون مؤثراتها بالضرورة في الطهي فحسب. بل في فقدان التنوّع الجيني وربما يكون واحداً من المخاطر الكبيرة التي يواجهها كوكبنا الأرضي اليوم"، وهو ما يحدّ من إمكانية العيش على الأرض بشكل مستدام.
علاوة على ذلك، فإن التقرير أشاد بأن المحافظة على إدخال المحاصيل المهندسة وراثياً [للبيئة] يهدّد باستبدال التنوع الثقافي؛ لتحل محله ثقافة تصنيع البذور والمحاصيل، فتتقلص معها "حرية اتخاذ القرار في اختيار ماذا نودّ أن نأكل، وحرية المزارعين في اختيار زراعة المحاصيل الغذائية العضوية، وحرية اختيار البذور وحفظها لزراعتها في الموسم القادم" (Gómez Alarcón 2000, 15-17).
في هذا الإطار، قرر العلمي الأستاذ في جامعة كاليفورنيا – بيركلي، إغناسيو تشابيلا(Ignacio Chapela) مساعدة واحدة من المجتمعات الريفية المكسيكية، من خلال فحص الذرة والتأكّد من وجود أو عدم وجود المواد المهندسة وراثياً، وتشابيلا يتمتع بعلاقة طويلة الأمد مع منظمات غير حكومية صغيرة نامية في ولاية أواكساكا(3).
ففي عام 2000م أُرسل طالب من طلبة الدراسات العليا الذين يشرف عليهم، ديفيد كويست (David Quist)، إلى إكستلان (Ixtlán) – أواكساكا لغرض تعليم السكان المحليين كيف تتم عملية سلسة تفاعل البلمرة (Polymerase Chain Reaction: PCR) وتحليلها (طريقة للكشف عن سلسة الحمض النووي المنزوع الأوكسجين المهندس وراثياً).
كان الهدف من ذلك تزويد المجتمع بوسيلة يمكن من خلالها التثبت من الذرة غير المهندسة وراثياً بأنفسهم. وفقاً لكويست(Telephone Interview, 2005) فهو شخصياً وبمعية المهندسة الزراعية المحلية (Agronomist) ليليا بيريز (Lilia Pérez) قد أجريا بعض الاختبارات مساءً قبل أن تدار ورشة العمل [الخاصة بالمحاصيل المهندسة وراثياً].
وقد أصابتهم الدهشة حين اكتشفوا أن سلسلة الحامض النووي المنزوع الأوكسجين المهندس وراثياً كانت فعلاً موجودةً في عينات الذرة الأصلية في المناطق الريفية في أواكساكا (Quist and Chapela). وتجنباً لإثارة الرعب [بين الناس الأصليين]، استجلب كويست هذه العينات بهدوء إلى كلفورنيا لمزيد من التحليل (Delborne 2005,155).
عندها أكّد كويست وتشابيلا النتائج بعد إجراء المزيد من التجارب وتحليلها وقُدّمت بعد ذلك تلك النتائج لتأخذ مجرى نشرها طبيعياً [كبحث علمي]، وفي هذا الأثناء اشركت تشابيلا المسؤولين التنظيميين [للوائح] المكسيكين بهذه النتائج بسرية تامة جداً، وأطلعتهم عليها.
وفي أوائل أيلول/ سبتمبر من عام 2001م، أعلن المسؤولون المكسيكيون خبر هذه النتائج لعامة الناس، وفي وقت لاحق أعلنوا نتائج البحوث التي اطلعوا عليها، والتي كانت تؤكد وجود الجينات المحوّرة في الذرة المنتقاة من أواكساكا، وبمجرد أن تم الإعلان انطلقت عاصفة من الاحتجاجات شارك فيها النشطاء والعلميون على حدٍّ سواء، ومن خلال طرح هذه القصة في مجلة نايتشر (Nature) (Dalton 2001) وفي صحيفة نيويورك تايمز (New York Times) (Yoon 2001) في نهاية أيلول/ سبتمبر وبداية تشرين الأول/ أكتوبر وصلت الفضيحة لمستوى ذي أبعاد دولية.
في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2001م، نشرت مجلة نايتشر (Nature) مقالة لبحث [تقرير ميداني]، ادّعت فيه أن التقرير قد وجد [نتيجة للتحليل المختبري] أدلة للتحوّر الجيني في نماذج الذرة المكسيكية الأصلية المأخوذة من منطقة سيرا جيراز (Sierra Juarez) بأواكساكا .(Quist and Chapela 2001)
لقد أعربت منظمة السلام الأخضر في نشرتها اليومية بعد صدور نتائج هذا التقرير عن عمق تقدير النشطاء لهذا التقرير العلمي الخاص بالنزاع. وأشار الإعلان إلى حديث وزير الزراعة خافيير يوسابياجا(Javier Usabiaga) للشهر الماضي الذي قال فيه "ليس هناك أية أدلة علمية على تلوّث الذرة". مما حدا بمنظمة السلام الأخضر المكسيكية (My Translation 2001) بالردّ عليه "الآن نحن نسأله إذا كان يفكر بن تلك المقالة المنشورة في واحدة من أهم المجلات العلمية في العالم، هل تبدو [له] أدلتها كافية؟".
أقام ائتلاف من منظمات غير حكومية ومنظمات مزارعين؛ ما عُرف بـ "احتجاج رسمي" (Denuncia Popular) وقدّموا شكوى رسمية في السادس من كانون الأول/ ديسمبر 2001م إلى مكتب النائب الفيدرالي للبيئة والوقاية (Procuraduría Federal de Protección al Ambiente) (PROFEPA)، وهو القسم المسؤول عن تطبيق التشريعات البيئية في وزارة البيئة.
تجمع الوثيقة (الشكوى الرسمية) ذات التسعة عشر صفحة كل البيانات العلمية المعروفة، مبيّنةً بالتفصيل كل خطوة في الاكتشاف والإعلان عن تلوث الذرة المحورة وراثياً في المكسيك، وعلى أساس هذه المعلومات الواقعية، والقانون البيئي المكسيكي، وانتقد كاتبو الوثيقة فشل مكتب النائب الفيدرالي للبيئة والوقاية في منعه التلوث، ودعوا إلى فرض حظر على استيراد الذرة الأميركية المهندسة وراثياً، وذلك بعد أسبوع من ظهور نتائج أبحاث كويست وتشابيلا ونشرها رسمياً في مجلة Nature.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]