مجريات أحداث غزوة “حُنيّن”
1997 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الثامن
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
غزوة حُنيّن إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة
بعد فتح مكة رأت قبائل هوازنَ وثقيفَ، حُلفاءُ قُريْشٍ في حُروبِها ضدَّ المسلمين، أنْ تُسارعَ في قِتالِ المُسلمين قبل أن يبدؤوا بِقتالهِم.
فتجمَّعوا تحتَ قيادةِ مالك بن عوف النّصري، سيَّد هَوازنَ، الذي حَشد مالَهُ ونساءَهُ وأطفالَهُ خلفَ رِجالِهِ، حتى يَضْمَن عدمَ فِرارِهم من المعركةِ، إذا لاحتْ بوادرُ الهزيمةِ عليهم.
وفي وادي حُنَيْن، وهو وادٍ تتخلَّلُه أوديةٌ وشِعابٌ كثيرةٌ، أعدَّ مالكُ بنُ عوفَ عِدَّةَ كَمائِنَ في شِعابِ هذا الوادي وجوانِبِهِ ومَضايقِه، للمسلمين واستعدَّ لِقِتالِهم.
ولمَّا سمعَ – رسول الله – صلى الله عليه وسلّم – باستعدادِ الكفارِ لِقِتالِهِ، أرادَ أنْ يتأكَدَ من صحةِ ما سَمِعُ، ومدى قوة أعدائه، فكلَّفِ عبدَالله بن أبي حدْردٍ الأسلميّ بالذهابِ إلى هوازنَ لمعرفةِ ما يدورُ فيها، وإطلاعِهِ على حقيقةِ الأمر.
ونفَّذَ عبدُاللهِ المهمةَ على أحسنِ وجهٍ. وأقامَ بينَهم أياما، وعَلِمَ ما عَزموا عليه، ومدى قُوَّتِهِم، واستعدادِهم، ورجَع إلى الرسولِ يُخبِرُه بما رأى وسمعَ.
وبعدَ ان استشار رسولُ اللهِ، صلّى الله عليهِ وسلّم، صَحابَتَهُ قرَّرَ السيرَ إلى هوازنَ ومَنْ مَعها مِن القبائل، وفي العاشر من شوَّال سنة 8ه خرجَ الرسولُ الكريمُ على رأس إثني عشرَ ألفا من المسلمين، مِنهُم عشرةُ آلافٍ من أهلِ المدينةِ وألفانِ مِمَّن أسلم يومَ الفَتحِ من أهلِ مكة.
فدخَل نفوس المسلمين شيء من الزّهوِ والإعجاب لكثرة عدَدِهِم، وقالوا: «لَنْ نُهْزَمَ اليومَ مِنْ قِلّةٍ» وفي ذلك قال الله تعالى(وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) التوبة 25.
ومِثلما سعى رسولُ الله، صلى الله عليه وسلّم لِمعرفةِ أخبار أعدائه، فعل ذلك مالكُ بنُ عوفٍ النصري، الذي أرسَلَ بمن يثقُ به من أصحابِهِ للاطلاع على أحوالِ المسلمين في مكةَ، وإخباره بحقيقة استعدادِهم، ومدى قُوتهم.
فرجعوا إليهِ يُخبِرونَهُ وهُم يُرتجفونَ فَزَعاً من كثرةِ أعدادِ المُسلمين وقُوَّتِهم. فأدرَكَ زعيمُ هوازنَ أنَّ المعركةَ لن تكون سهلةً، وعليه أنْ يستعدَّ جيِّداً لها، فَرَسمَ خطةً مُحكَمةً تقضي بِنصبِ عدّةِ كمائنَ في شعابِ وادي حُنين وجوانِبِهِ ومَضايقِهِ.
وهو وادٍ كان على المسلمين المرورُ فيه وهم في طَريقِهم لِقتالِ قَبائلَ هَوازِنَ وثقيفَ؛ فإذا مَرَّ المسلمون في طَرَفِ الوادي انقضّوا عليهم على حينِ غِرَّةٍ وفتكوا بِهم.
وعنْدما بدأتْ طلائعُ جيشِ المُسلمينَ تمرُّ بين طُرُق الوادي بداية الصّبحِ، وبدؤوا ينحدرونَ فيه، والرسولُ الكريمُ في مُقَدَّمَتِهم، وكان ضَوْءً الصَّباحِ لا يزالُ مختلطا بالظلام، فلم ينتبهِ المسلمون إلى تلكَ الكمائنَ التي نُصِبَتْ لهم في طُرُق ذلك الوادي الضيقة، ولمَّا وصلوا إلى مُنتَصَفِهِ، انقضَّ عليهم أعداؤهم من كُلَّ جانبٍ، تَضْرِبُهُم السيوفُ والرَّماحُ، فاضطربوا وتفرقَّتْ جُموعُهُم في كلِّ اتجاهٍ، وفرَّ كثرةٌ منهم، وبخاصةٍ الذين أسلموا حديثاً من قُريشٍ.
وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذا الموقِفِ بِقَوْلِهِ(وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) التوبة 25.
وفي مثلِ هذهِ المواقف الحَرِجةِ تَظهرُ كَرامةُ الأنبياء، وذلك حينَ انتهزَ أحدُ الكفارِ هو شيبةُ بنُ عُثمان فُرصةَ وجودِ النبيّ مع قِلةٍ من أصحابِه فأراد قَتْلَهُ.
ولكنَّ الرَّجُلَ لم يستطِعً أنْ يُنَفِذ ما عزم عليه لأنَّهُ حينما اقتربَ من رسول اللهِ، صلى الله عليه وسلم، حَجَبتْ غِشاوةُ الرؤية عن عينيهِ فلم يَستَطِعْ أنْ يَرى شيئاً فتراجعَ مَذهولاً وهو يُردِّدُ«إنه ممنوعٌ عني».
وثبتَ الرسولُ الكريمُ ومعهُ نفرٌ منَ المُهاجرينَ والأنصار وأهلُ بَيْتِهِ، وبَرْهَنَ على أنه قائدٌ مُحنَّك يستطيعُ أن يتصرَفَ في المواقف الحرجةِ، فأخذ يُنادي المسلمين «يا أيها الناسُ هَلُمُّوا إليَّ أنا رسولُ اللهِ مُحمدٌ بنُ عبدِ اللهِ» وطلبَ إلى عمِّهِ العباسُ أن يُنادي على المسلمين.
وكان العباسُ يًملكُ صوتاً قوياً، فتِسارعَ إليهِ المسلمون عائدينَ نحوَ رسولِ الله، صلى الله عليه وسلم، واستطاعَ الرسولُ الكريمُ أنْ يُعيدَ تنظيمَ صُفوفِ المسلمين واستؤنِفَ القِتالُ، فأبلى المسلمون بلاءً حسناً في مُقاتلةِ هوازنَ وثقيفَ.
وأخذَ مسارُ المعركةِ يتغيرُ شيئاً فشيئاً، وانقَلبَ المسلمونَ من مُدافِعينَ عن الرسولِ إلى مُهاجِمين، وخاصةً عندما قَتَلَ عليُّ ابنُ ابي طالب حاملَ رايةِ الكفار، وكان دليلهم في المعركةِ، مما فتَّ في عضُدِهِمْ، وولّوا هاربين متفرّقين في مواطنَ كثيرةٍ.
فمنهُم من ذهبَ إلى الطائفِ، وعسكَر بعضُهم في «أوطاسَ» وهو مكانٌ قريبٌ من حُنين، وتوجَّهَ بعضُهم نحو «نَخلةَ» تاركينَ أموالَهم وذراريهم غنيمةً للمسلمين، فوجَّهَ رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، بعضاً من رِجالِهِ يتَعَقّبونَهُم لِيَقضوا على مُقاوَمَتِهم.
وأمَرَ الرسولُ الكريمُ بجمعِ الغَنائِم في مَكانٍ يٌقالُ لهُ «الجَعْرانَة»، وكلَّفِ مَسْعودَ بنِ عمْرو القاري بِحراسَتِها، وتوجَّهَ إلى الطائفِ لِحَصارِها، وذلك للجوء مالك بن عوف ومن معَهُ إليها، وكانت هذه المدينةٌ إذْ ذاكَ مُحَصَّنةً ويُحيطُ بها سُورٌ يَحولُ دونَ اقتِحامِها.
وتَبادلَ الطرَفانِ التراشُقَ بالنِّبال، وسقطَ نتيجةَ ذلك عددُ منَ المُسلِمين قتلى، ممَّا اضطرَّ رسولَ الله، صلى الله عليه وسلم، إلى أنْ يُفَكِّرَ في مكانٍ آخر يكون بعيداً عن مرمى نِبالِ أهلِ الطائفِ، وأمرَ أصحابَهُ بِضَربِ أسوارِ المدينةِ بِالمَنْجَنيق، وهي آلةٌ حربيةٌ تُستخدَمُ لِعملِ ثَغرةٍ في الأسوار،كما استخدمَ المسلمون آلاتٍ أخرى في ضربِ الأسوار.
وظلَّ الرسولُ، صلى الله عليه وسلم، يُحاصِرُ أهلَ الطائفَ ما يَقرُب من خمسةَ عشرَ يوماً، وفي هذه الأثناء حلَّ شهرُ ذي القِعدةِ، وهو منْ الأشْهُرِ الحُرُم، وكانتْ عادةُ العربِ الاّ تُقاتلَ فيها، فرجعَ رسولُ الله صلىالله عليه وسلم عن الطائفِ، حتى تنتهي الأشهرِ الحُرُمِ، ورجعَ إلى الجَعرانةِ ليُقَسِّمَ الغنائِمَ التي كَسِبَها المسلمون في «حُنين».
وفي أثناءِ إقامَتِهِ في الجعرانة قَدِمَ عليه وفدُ من هوازنَ يُعلنُ إسلامَهُ، ويتوسلُ إليه أن يردَ عليهم ما غَنِمَهُ مِنْهم من النساء والولد والأموال، فما استجابَ رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، وفرقَ الأموالَ على قُرَيْشٍ دونَ أنْ يُعطي الأنصارَ شيئاً، مما جَعَلَهم يغضبونَ في أنفُسِهِم.
وقالَ بعضُهُم: «تقى واللهِ رسولُ اللهِ قَوْمَهُ» أي تَرَكَنا ومالَ إلى قَوْمِهِ، ولمَا علمَ النبيُّ الكريمُ منهم ذلك جَمَعَهُم وقال: «أفلا تَرضوْنَ يا معشرَ الأنصار أنْ يَذهَبَ الناسُ بالشاةِ والبعيرِ وترجعُوا برسولِ اللهِ إلى رِحالِكُم؟ فو الذي نفسُ مُحمَّدٍ بِيَدِهِ.. ولولا الهِجرةُ لكنتُ امرءاً منَ الأنصارِ… اللهمَ ارحمَ الأنصارَ وأبناءَ الأنصارِ، وأبناءَ أبناءِ الأنصارِ». فقال الأنصارُ: «رضينا بِرَسولِ اللهِ قِسْماً وحظّاً».
وبعدَ دُخولِ هوازنَ في الإسلام رأتْ ثقيفٌ في سنة 9ه أنَّ مِن مَصْلَحتها اعتناقُ الدينِ الجديدِ، خاصةً وأنَّها أيْقَنت أنْ لا طاقةَ لها بِحربِ المُسلِمينَ بعدَ أنْ دَخَلَ كُلُّ مَنْ حولها مِنَ القَبائلِ في هذا الدين، لذا بعثتْ وفدا منها إلى رسول الله، صلى اللهُ عليه وسلم، في المدينةِ يُعلنُ دُخولَ قَبيلتَهُ في الإسلام، ويَطلُبَ عَقْدَ صُلْحٍ مع المسلمينَ.
فَسُرَّ النبيُّ الكريمُ بمَقدَمِهِم، وقَبِلَ إسلامَهُم، وضَرَبَ لِزُعمائِهم قُبَّةً في المسجد وأكرَمَهُم. وحينَ عوْدَتِهِم أرسلَ معهم أحدَ صَحابَتِهِ ليُفقَّهَهُم بأمور الدين الجديد، ويُعَلَّمَهُم القرآنَ، وأصبحوا بعدَ إسلامِهِم مِنْ أخْلَصِ العَربِ للدينِ الإسلاميَّ، وأشدِّهم حِرصاً على الدفاعِ عنهُ.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]