التكنولوجيا والعلوم التطبيقية

مشكلة تتكرر . لنسامح التصميم تفهم الفشل

2014 لنسامح التصميم

هنري بيتروكسكي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

التكنولوجيا والعلوم التطبيقية الهندسة

عندما كنت أزور عيادة طبيب أسنان جديدة مؤخراً لفحص وتنظيف أسناني، ذكرتني الزيارة بمدى التداخل الموجود في الاهتمامات الفنية لأطباء الأسنان مع المهندسين، وبالأخص مهندسي الإنشاءات، وعندما سألني طبيب الأسنان عن مهنتي، أخبرته أني أدرّس الهندسة، وكان ردّ فعله أن طبابة الأسنان هي نوع من الهندسة الفمية (Oral)، هززت رأسي ونخرت بفمي علامة الموافقة. كذلك وضّح أن ابنه كاد أن يدرس الهندسة في الكلية، ولكنه قرر في النهاية أن يصبح طبيب أسنان، وذكرتني هذه اللاخاطرة (Non Sequitur) بأحد طلابي السابقين – الذي كتب ورقة نهاية فصل حول جسور نهر كوبر الشهيرة في شارلستون، ساوث كارولينا ثم قام بعد ذلك بالاشتراك في تأليف كتاب عن الهيكل الأصلي – الذي دخل كلية لطب الأسنان بعد أن مارس الهندسة لسنوات عدة، ولا أعلم بأي طبيب أسنان ترك ممارسته لدراسة الهندسة.

بغض النظر عن الجذور المهنية، فأطباء الأسنان والمهندسون على حد سواء عليهم أن يعرفوا الكثير عن الميكانيك، والمواد، والصناعة، وعليهم فهم القوى المؤثّرة في الجسور، سواء كانت بين سنّين سليمين أو بين ضفتي نهر غير صلبتينـ وعلى أطباء الأسنان والمهندسين أن يفهموا القوة الماسكة في المُلغمات (Amalgams) والإيبوكسيات، وفي الفولاذ والكونكريت، وعليهم تفهّم أهمية الحدّ من التدهور، سواء بممارسة الوقاية الصحية للسيطرة على تسوس الأسنان أو طلاء الفولاذ لمنع الصدأ والتآكل. لكن توسّع التسوس والتآكل ماكر، ولذا فمن خلال تشجيع الفحص الدوري للأسنان، فإن أطباء الأسنان يعرضون النصيحة القصوى [الأهم] للمهندسين، بنفس الأسلوب الذي يبدو فيه واضحاً حتى للشخص العادي مدى أهمية الاختبارات والفحوصات الدورية والشاملة لبنية الفم، وبالتماثل بنيتنا التحتية الوطنية. ففي فحص الأسنان الروتيني يتمّ فحص بُنى الفم من خلال أدوات لبين الأسنان (Picks) والمجسات (Probes) لاكتشاف الحالات الشاذة مهما كانت صغيرة، والتي يمكن أن تكون منذرة لأمور سيئة قادمة، ولاكتشاف التشوّهات التي تؤدّي إلى التشقق، والتشقق الذي يقود إلى الكسر الفجائي: ولاكتشاف وملء الفجوات التي إذا ما تركت من دون فحص قد تؤدّي إلى تلف السن بكامله. في كل سنة أو ما يقارب ذلك، تلتقط صور بالأشعة السينية، وتقارن المواقع المشبوهة مع صور مرجعية من زيارات سابقة، وعلى افتراض أن جميعنا لدينا – أو على الأقل كان لدينا – أسنان، فإننا ندرك أهمية الفحوصات الدورية للأسنان والعناية الوقائية.

جميعنا يعلم بالتأكيد، ربما من خلال تجارب قاسية، أن إهمال أسناننا يؤدّي إلى تلفها لدرجة لا يمكن إصلاحها، ويبدو أننا لم نتعلّم بعد أن نفس الشيء ينطبق على جسورنا وطرقنا والأعمال العامة الأخرى. لكن ذهابنا إلى طبيب الأسنان يجعلنا نفكر بأمور أكثر بكثير من أسناننا. الخبرة تذكرنا بالمعرفة والدروس حول الممارسة الهندسية الجيدة التي تكون قد نسيت ما قد يؤدي للمخاطر. فعندما نذهب إلى طبيب الأسنان بسن مكسور، من المحتمل أن نعلم أن السن كان متصدّعاً، والتصدّع قد يكون قد بدأ منذ فترة، ربما عند اصطدامه بشكل حادٍّ بسن مقابل أدّى إلى ثلم طبقة الميناء قليلاً بحيث لم يكن ممكنناً اكتشافه بسهولة حتى من قِبل طبيب الأسنان، وبمرور الوقت ونحن نقضم وجباتنا اليومية الثلاث بالإضافة إلى ما بينها، يبدأ التصدّع بالتوسّع ببطء ليصبح تصدّعاً أكبر، وبعبارات ميكانيكية. فإن القوى المسلطة على السنّ خلال المضغ تقوم بفتح وغلق الصدع بشكل يجعله يتوسّع ببطء مستمرّ لمسافات أبعد في السن. فإذا استمرّينا باستخدام أسناننا من دون اصطدام فجائي لسنّ بآخر أو استخدام أسناننا ككماشة، فالصدع سيبقى مستقراً والسن آمن. على كل حال، وفي آخر الأمر، يصل الصدع إلى نقطة لا يحتاج فيها إلى قوة كبيرة لإزاحته سريعاً إلى الأمام مثل الصدع في زجاج شباك لا يحتاج إلا إلى نقرة خفيفة بإصبع لكي يتحرك إلى أمام.

حتى الأسنان السليمة تكون معرّضة إلى إجهاد حراري متأتٍّ من السوائل الساخنة والباردة ولصدمات متكررة بسبب طبيعة أكل ومضغ الطعام، وتتعزّز هذه الصدمات من خلال قيام بعضنا بطحن أسنانه عند النوم، وقسم من هذه الحركات يؤدّي إلى بدء تصدعات شعرية تزداد بمرور الوقت، وبالتالي إضعاف السن وتهيئته للكسر عندما يصطدم بعظم صغير في وجبة هامبرغر، أو بجزء من قشرة في يخنة المحار، ومهما تكون البداية وتطوّرها والنهاية، فهذه هي عملية بدء إجهاد الصدع ونموه وكسره، وهو أمر على المهندسين أخذه بالاعتبار عند تصميم الجسور والطرقات التي تستخدمها العجلات التي تسير وتتعثر وتتصادم، وعبر درجات حرارة مواسم التجمد والذوبان سنين من الاستخدام العنيف من قبل السيارات والشاحنات، تظهر على الطرقات والجسور المكسوة بالإسمنت والأسفلت تصدعات تتوسّع إلى فجوات ثم إلى تجاويف يطلق عليها نقر (Potholes).

في أحد الأيام وبينما كنت أتناول الغداء في مطار لوغان في بوسطن، شعرت بشيء غريب في أحد أسناني الأمامية – لقد كان متخلخلاً، وهو سنٌّ مُغلّف (Capped)، جائزة حادث من أيام الصبى، جلس هذا السنّ مجاوراً لثلاثة أسنان أخرى مُغلّفة، هي جوائز إضافية حصلت عليها خلال نفس المغامرة، وقد كنت أميّز هذه الأسنان دائماً وأتحاشى قضم التفاح القوي، أو كسر الكعك المملح (Pretzels) أو سحب الحلوى الدبقة (Taffy) بها. عندما عدت إلى البيت وراجعت طبيب أسناني أخبرني أن السنّ المتخلخل لا يمكن إنقاذه، وقد أظهرت صورة الأشعة السينية أن الجزء المتبقّي من السن الحقيقي الذي وضع بداخله الوتد الفولاذي لتثبيت الغطاء قد انكسر إلى جزئين عبر خط يبدأ من النقطة التي أدخل فيها الوتد لغاية بداية الجذر. وعندما سألت لماذا هذا السن وليس السنّ الذي بجواره، أراني الطبيب على صورة الأشعة كيف أن قناة الجذر التي من خلالها قد أُدخل الوتد قد ثقب بشكل مائل ينتهي قريباً من حدود الجذر، مما جعل هذه التركيبة، بالتالي، أضعف من غيرها.

ما زلت أتساءل، أنه بالرغم من العناية التي كنت أتبعها لأسناني، لماذا انهار هذا السن في الوقت الذي انهار فيه تماماً. في النهاية، وبعد التفكير، وصلت إلى الإجابة التي أقنعتني. فقبل ذلك بسنوات عندما كان ولدنا صغيراً، كنت أقوم بتركيب خشبة كرة سلة في موقف السيارة، وتطلّب الأمر تثبيت خشبة كرة السلة بالعارضة المسطحة للسقف المائل (Fascia Board)، وبينما كنت أشد الترباس بواسطة مفتاح الترباس (Ratchet Wrench) أنفلت الترباس من صمولته وضربني فوق شفتي العليا، واحتاج الجرح إلى عدّة غرزات وترك ندبة، فيما عدا ذلك، بدت [الندبة] وكأنها إشارة شرف اكتسبتها في معترك الحياة، وكنت محظوظاً أن المفتاح لم يضرب أسناني المغلفة، ولكن لم يخطر ببالي أنه قد ضرب جذور الأسنان من خلال الشفة العليا واللثة، وأعتقد أن هذه ضربة أو حادثة أخرى لا أتذكرها، هي التي أدّت إلى الثلم، أو الانحناء، أو الشق الصغير في السن، وتوسع الشق بمرور الوقت إلى شق جاهز للانهيار عندما كنت أتناول الغداء في مطار بوسطن.

          أدّت عملية المضغ، التي تكرّر يومياً مئات المرات، وعبر السنين إلى تعرض سنّي الضعيف لمئات الآلاف من دورات الإجهاد، وكانت البيئة المثالية لنمو الشقّ وتطوّره وتخلخله. ضربات قلوبنا التي تحدث مئات الآلاف من المرات يومياً ومليون مرة كل عشرة أيام، قد تؤدّي نفس النتائج على موصلات جهاز القلب مثل جهاز ناظم ضربات القلب (Pacemaker) أو جهاز مزيل الرجفان (Defibrillator). فهي تلتوي مع كل ضربة قلب، وهذه الأسلاك الرفيعة – ربما تكون قد خدشت بأداة جراحية عند عملية الزرع – قد توّلد شقوقاً مايكروسكوبية تنمو ببطء، ولكن بتعمد، لتصل إلى حجم حرج يقود إلى الكسر والفشل. كما أن طبيعة دم الإنسان التآكلية قد تساعد على التآكل ومشاكل الإجهاد والكسور في القسطرات (Catheters) وداعماتها (Stents). ظاهرة الفشل موجودة في كل مكان.

لا يوجد جديد حول الأشياء التي تكسر. فالعصي والحجارة تؤدي دائماً إلى كسر العظام، وقد تعلّم أجدادنا منذ زمن كيف يتم كسر الأحجار الصغيرة لصنع سكاكين ورؤوس أسهم من الغرانيت، وقد استخدم غاليليو خبرة عصر النهضة في المسلات الحجرية الكبيرة والسفن الخشبية التي كانت تنكسر فجأة بشكل غير مفهوم – على الرغم من أن الأحجام الصغيرة منها لم تنكسر – مما حفّزه للبحث في متانة المواد. لكن الاستخدام الصناعي الواسع للحديد في تطوير السكك الحديد هو الذي أدى إلى نمو الكسور للأجزاء التي تحتوي الحديد وأثار اهتمام المهندسين. فعندما ينكسر محور العجلة الحديدي، أو قضيب سكة الحديد، أو العجلة، أو العارضة، أو الجسر من دون سابق إنذار، تكون النتيجة عادة حادثة مثيرة، وفي بعض الأحيان تصاحبها خسارة بالأرواح. لذا كان مهماً فهم السبب النهائي لمثل هذه الأنواع من حالات الفشل لتلافي ذلك عند بناء منظومات سكك حديد موثوقة.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى