منهج ومؤلفات الكيميائي “المجريطي”
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني
صبري الدمرداش
KFAS
مؤلفات المجريطي منهج المجريطي التاريخ المخطوطات والكتب النادرة
تميز المجريطي بين علماء عصره بدقته وقوة ملاحظته واعتماده الاستقراء والاستنباط طريقان في التفكير .
وقد حرَّر علم الكيمياء من الخرافات والسحر والطلاسم التي كانت مسيطرة عليه آنذاك.
وقد حاول بكل الجدارة أن يبرز هذا العلم على أنه علمٌ شريف بل هو أحسن ما يصبو إليه طالب علم. ومن تعليماته في هذا الخصوص :
– لا يجوز لطالبِ علمٍ أن يدَّعيه إن لم يكن مُلمَّا بالكيمياء ! .
– وطالب الكيمياء يجب أن تتوافر فيه شروط معينة لا ينجح بدونها : إذ يلزمه أن يتثقف أولا في الرياضة بقراءة إقليدس ، وفي الفلك بقراءة المجسطي لبطليموس ، وفي العلوم الطبيعية بقراءة أرسطو وديموقريطس أو أبو لونيس، وفي المنطق بقراءة ترجمة الكندي لأرسطو ، ثم ينتقل إلى كتب ابن حيَّان والرّازي .
– وبعد أن يكون قد اكتسب المبادئ الأساسية للعلوم الطبيعية يجب عليه أن يدرب يديه على إجراء التجارب وعينيه على ملاحظة المواد الكيميائية وتفاعلاتها وعقله على التفكير فيها .
– ولما كان سلوك الطبيعة واحداً لا يتغير ، لأن الشيء الواحد لا يُعمل فيها إلا بطريق معينة، وجب على طالب العلم تتبع خطواتها، مثله في ذلك مثل الطبيب يشخص الداء ويصف الدواء.
مؤلفات المجريطي
عكف المجريطي على التصنيف ، فألَّف في فروع العلوم المختلفة من فلكٍ ورياضيات وكيمياء وحيوان وغيرها .
ومن أهم كتبه في الكيمياء ، اثنان : "رتبة الحكيم" و "غاية الحكيم". ومن أهم كتبه في الفلك والرياضيات : "ثمار العدد في الحساب" (ويعرف بالمعاملات)، "اختصار تعديل الكواكب من زيج البتاني ، في الإسطرلاب" "شرح المجسطي لبطليموس" . وفي الحيوان : "في الطبيعيات وتأثير النشأة والبيئة على الكائنات الحية".
ويعتبر كتاب "رُتبة الحكيم" للمجريطي من أشهر كتبه وأبقاها ، وهو يتناول تطور الكيمياء عند علماء العرب في المائة والخمسين سنة التي مضت بعد ابن حيَّان، وعلى الأخصّ في الناحية العملية، وفيما جمعه الكيميائيون من معلومات .
ويعده مؤرَّخو العلوم من أهم المصادر التي يمكن الاستفادة منها في بحوث تاريخ الكيمياء، فقد اعتمد العلامة ابن خلدون على إنتاج المجريطي في الكيمياء في بعض موضوعات مقدمته .
و "رتبة الحكيم" لا يختلف في مبادئه ونظرياته عن كتب إبن حيان والرازي، ومؤلفه يقدر هذين العالمين كل التقدير، ويُحيط جابراً على الأخص بهالة من المديح والثناء والإعجاب .
وفي الكتاب، تبنى عالمنا نظرية جابر القائلة : إن المعادن تتكوَّن من اتحاد الزئبق بالكبريت، تلكم النظرية التي سيطرت على تفكير معظم علماء العرب في الكيمياء.
كما اتفق مع جابر في أن المعادن تختلف، ولكن هذا الاختلاف راجعٌ إلى نسبة الطبائع الأربع التي هي أساس لكل الموجودات ، كما وافقه أيضا في أنه بالإمكان تحويل المعادن الخسيسة إلى نفيسة بواسطة الإكسير، فهو يُردَّد : "الكيمياء دواءٌ شريفٌ وجوهرٌ لطيفٌ ، ينقل الجواهر من أدناها إلى أعلاها".
وقد اهتم المجريطي في كتابه اهتماماً خاصاً بتجارب الاحتراق والتفاعلات الناتجة عنه، والتغيرات التي تتم عن أوزانها، تلكم التجارب التي كانت أساساً لكافة النظريات الكيميائية الخاصة بأوزان المواد وتغييرها بالاحتراق .
ويصف كلٌ من جابر الشكري في كتابه "الكيمياء عند العرب" ومحمد بن فياض في كتابه "جابر بن حيَّان وخلفاؤه" تجربة تاريخية مهمة قام بها المجريطي بنفسه وذكرها في "رتبة الحكيم" – يقول المجريطي : "أخذت الزئبق الرَّجاج الخالي من الشوائب ووضعته في قارورة زجاجية على شكل بيضة وأدخلتها في وعاء يشبه أواني الطهي ، أشعلت تحته ناراً هادئة بعد أن غطيته وتركته يسخن أربعين يوماً وليلة مع مراعاة ألا تزيد الحرارة عن الحد الذي أستطيع معه أن اضع يدي على الوعاء الخارجي.
وبعد ذلك لاحظت أن الزئبق الذي كان وزنه في الأصل ربع رطل ، صار جميعه مسحوقا أحمر ناعم الملمس، وأن وزنه لم يتغير في هذه التجربة.
وكان من المفروض أن يزيد الزئبق بتفاعله مع الهواء ، ولكن يبدو أن جزءاً من الزئبق قد تبخَّر. وكان نقص الوزن الناتج من ذلك معالاً للزيادة الناشئة عن اتحاد باقي الزئبق بالهواء" .
إنها حقاً تجربة لها أثرها الخالد في تاريخ الكيمياء، وقد اتخذها كلٌ من بريستلي ولافوازييه بعد نحو قرونٍ سبعة أساساً لبحوثهما .
ولو استطاع المجريطي ضبط تلك التجربة وأدرك ذلك، لكانت من أروع التجارب الكيميائية، ومع ذلك فقد وضع بها أسس الاتحاد الكيميائي من مثل القاعدة الكيميائية المعروفة بقانون بقاء المادة الذي يقول أن مجموع كتل المواد الداخلة في أي تفاعل كيميائي مساوٍ لمجموع كتل المواد الناتجة عن التفاعل، وبعد نحو سبعمائة عام طوَّر كلُّ من بريستلي ولافوازييه هذه القاعدة التي لعبت دوراً مهمَّا في التاريخ العلمي، وتعد من أسس الكيمياء الحديثة.
ويعتبر المجريطي بتجربته تلك أول من حضّر أكسيد الزئبق ، وإنه لمن الجحود أن تنُسَب هذه التجربة وأمثالها لعلماء من الغرب من مثل بريستلي ولافوازييه دون ما إشارة إلى البادئين بها من العرب.
بل إن المجريطي لو وفِّق في إجراء التجربة في حيِّز محدودٍ من الهواء مع مراعاة التحوط، لكان من المؤكد أن يحصل على النتيجة التي حصل عليها لافوازييه من بعده بقرون وكانت من الأسباب الرئيسة في شهرته العلمية .
هذا عن "رتبة الحكيم". وأما عن "غاية الحكيم" فهو كتابٌ لا يستغني عنه باحثٌ في تاريخ الحضارة الإسلامية خلال القرون الوسطى .
فهو لا يحتوي تاريخ الكيمياء فقط ، وإنما يشمل كذلك كثيراً من الاستنتاجات العلمية التي توصَّلت إليها الأمم السابقة للأمة الإسلامية في كلٍ من الفلك والرياضيات وعلم الحيل والتاريخ الطبيعي.
لكل هذا كان هناك نوع من الإجماع بين مؤرِّخي العلوم على أن المجريطي يعد حجة عصره في الكيمياء، لذا لُقِّبَ "بكيماييُّ العرب" .
أما تفوقه في العلوم الأخرى فهو في رأيه لضرورته لفهم الكيمياء وإتقانها . ولا ننسى أن المجريطي عاش في فترة كانت تتسم باليُمن والإقبال على العلم ، فكان في طليعة العلماء المنتجين.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]