نبذة تعريفية عامة عن بيت الله عز وجل “الكعبة المشرفة”
2003 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الرابع عشر
عبد الرحمن أحمد الأحمد
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
الكعبة المشرفة بيت الله عز وجل إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة
الكعبةُ المشرَّفَةُ، زادَها اللهُ تعظيماً، وفضلاً، وشَرَفاً، وتكريماً، والكعبةُ قِبْلَةُ المسلمينَ في كلِّ أنحاءِ العالمِ، يتوجَّهونَ إليها في صَلاتِهم.
استجابَةً لقولِ اللهِ تعالى: ( قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (البقرة:144).
ويعظمونَها، ويوقِّرونها، وإليها يحجُّ كُلُّ مَن استطاعَ إلى ذلكَ سبيلاً، ويطوفُ حولَها، استجابةً لأمرِ اللهِ تعالى، قال تعالى: (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) (آل عمران:97).
وتقعُ الكعبةُ في المسجِدِ الحَرامِ في مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ إحَدى مُدُنِ المملكةِ العربيَّةِ السعوديَّةٍ، وتَحُدُّها من الشرقِ منطقةُ الرياضِ، ومن الجَنوبِ مناطقُ عَسيرٍ، والباجَةَ، وجازانَ، ومن الشمال منطقةُ المدينةِ المنوَّرَةِ، ومن الغربِ البحرُ الأحمَرُ، وترتَفِعُ عن سطحِ البحرِ نحوَ ثلاثمائَةِ مترٍ.
ويقصُدها ملايينُ المسلمينَ في كُلِّ عامٍ لِأَداءِ فَريضةِ الحجِّ والعمرَةِ، ومن المعروفِ أنَّ مكَّةَ بَلَدْ اللهِ الحَرامِ التي وُلِدَ فيها الرسولُ – صلى اللهُ عليهِ وسلَّم – عامَ الفيلِ، وفيها أي في مكةَ بُعِثَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.
واستَّمَرَّ يَدعُو الناسَ فيها إلى عِبادَةِ اللهِ وَحْدَهُ، ونَبْذِ عِبادَةِ الأَصنامِ مُدَّةَ ثلاثَةَ عَشرَ عاماً قبلَ أن يُهاجِرَ إلى المدينةَ المنورةِ.
وخلال هذه المُدَّةِ نَزلَ كثيرٌ من آياتِ القرآنِ الكريمِ، ومنها آياتٌ نزلتْ حولَ الكعبةِ المُشَرَّفَةِ، التي رفعَ قواعدَها أبو الأنبياءِ إبراهيمُ الخليلُ وابنُه إسماعيلُ عليهِما السَّلامُ.
وبعدَ أنْ أتَمَّا البِناءَ أمرَ اللهُ تعالى نبيَّهُ إبراهيمَ أن يُنادِي في الناسِ بالحجِّ، لِيَطَّوْفُوا بالبيتِ العتيقِ، ويُعَظِّموا شَعائِرَ اللهِ… قالَ تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج :27-29).
وتُسَمَّى الكعبةُ بالبيتِ العتيقِ، وبيتِ اللهِ الحرامِ، وقِبْلَةِ المسلمينَ، وهيَ بِنايَةٌ مُكَعَّبُةُ الشَّكْلِ، مبنيِّةٌ بالحِجارَةِ الصُّلْبَة.
ويَبْلُغُ ارتفاعُها 15 متراً، وطولُ ضِلعِها الذي فيهِ الميزابُ والضِّلعُ الذي يقابِلُهُ 10 م و 10 سم، وطولُ الضِّلعِ الذي فيهِ البابُ والذي يقابِلُهُ 12 متراً.
وكانتْ بنايَةُ الكعبةِ في أوَّلِ أمرِها حِجارَةٌ وُضِعَتْ بعضُها على بعضٍ، ورُوِيَ أنَّها كانَتْ فوقَ القامَةِ تسعةِ أذْرُعٍ، من غيرِ سَقْفٍ، وكانَ بابُها مُلْتَصِقاً بالأَرضِ، وأوَّلُ مَنْ عَمِلَ لَها غَلْقاً (تُبْعٌ) ملكُ حِمْيَر باليمنِ، ثُمَّ صنعَ لها عبدُ المطَّلِبِ جدُّ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَّمَ باباً من حديدٍ حلاَّهُ بالذَّهَبِ.
ويَدُلُّ قولُ اللهِ تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ) (آل عمران:96)، على أنَّ الكعبةَ المُشَرَّفَةَ أوَّلُ بيتٍ وُضِعَ في الأرضِ للبركةِ والهدى، بَعْدَ أنْ هَدَى اللهُ تعالى نَبِيَّهُ إبراهيمَ عليهِ السلامُ إلى مكانِهِ في قوله تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) (الحج:26).
واستجابَ إبراهيمُ لأمرِ اللهِ تعالى، وأزالَ ما كانَ من رواسِب تُرابيَّةٍ تَغَطَّي أساسَ البيتِ، حتى ظهرَ المَكانُ، وتعاونَ إبراهيمُ وابنهُ إسماعيلُ عليهما السلام في البِناءِ، ولمّا بَنَيا الرُّكْنَ، قالَ إبراهيمُ لوَلَدِهِ: اطلبْ لي حَجَراً حسناً أضعهُ هَهُنا، وكانَ التعبُ قد أدركَ الصغيرَ إسماعيلُ، فجاءَ جبريلُ عليهِ السلامُ بالحجرِ الأسودِ فبنيا وهما يدعوانِ: ( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (البقرة:127).
وتوجَّهَ الناسُ إلى الكعبةِ يحجُّونَ إلَيها، وأرادَ أبرهَةُ مَلِكُ اليمنِ أَنْ يُعَظِّمَ الناسَ شأنَ النصرانيةِ التي يدينُ بها النجاشيُّ ملكُ الحبشةِ، فبَنى كنيسةً فَخمةً، سَمّاها القُليْسَ.
وحاوَلَ بشتَّى الوسائِلَ أن يَصْرِفَ العربَ عَنِ الكَعبةِ المشرَّفَةِ، وبفرِضَ إرادتَهُ وإرادةَ الحبشةِ وحُلفائها على أهل مَكَّةَ، ولذلكَ جَهَّزَ جَيشاً عظيماً، وزوَّدَهُ بعددٍ من الفِيَلَةِ لهدمِ الكعبةِ، وقَصَدَ مَكَّةَ لذلكَ.
ولكنَّ الله تعالى حمَى البيتَ الحَرامَ، وأنقذَ الكعبةَ من جيشِ المعتدينَ الذي اندحرَ وهُزِمَ هزيمةً مُنْكَرَةً، وأرسلَ اللهُ عليهمْ مُعْجِزَةً سماوِيَّةً أهلكتهُمْ، ورمتهُم بحجارَةٍ من سِجِّيلٍ يحملُها الطيرُ الأبابيلُ، فكانَتْ أعضاؤُهم تتساقَطُ مِنْ أجسامِهِم، ولقد حكى القرآنُ الكريمُ قِصَّةَ المُحاوَلَةِ الفاشِلَةِ التي حاوَلَ فيها أبرهَةُ هَدْمَ الكعبةِ في سورَةِ الفيل.
قال اللهُ تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ ) (الفيل:1-5).
كان ذلكَ في السابع عشرَ من المحرمَّ، وسُ مِّيَ هَذا العامُ عامَ الفيلِ الَّذِي يُصادِفُ العامَ الميلادي (571).
وفي أيامِ قريشٍ حدثَ أنَّ سَيْلاً اجتاحَ مَكَّةَ، وأصابَ الكَعبَةَ بالتَّصَدُّعِ، فرأًتْ قُرَيْشٌ أن يَهدِمُوا الكعبةَ ويعيدُوا بناءَها، وكاَن الرسولُ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ حينئذٍ عمرُهُ خَمسٌ وثلاثونَ سنةً ولم يُبْعَتْ بَعْدُ.
واقتسمتْ القَبائِلُ البِناءَ، ولما أتمُّوا بناءَ الكعبةِ اختلَفُوا فيمَنْ يَضَعُ الحَجَرَ الأسودَ في مَكانِهِ، ثمَّ اتَّفَقُوا على أن يُحَكِّموا بينَهُم أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ عليهمْ من بابِ بَني شيْبَةَ، فَكانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أوَّلَ مَنْ دَخَلَ عليهمْ.
فقالوا: رَضينا بالأمينِ حَكَماً بينَنا، فأمرَ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ برِداءٍ وبَسَطَهُ ووضَعَ الحجرَ الأسودَ عليهِ، وعَيَّنَ مِن كُلِّ قَبيلَةٍ من قريشٍ رَجلاً، ليأخُذَ بأحَدِ أطرافِ الثَّوْبِ، وتَعاوَنَ الرِّجالُ بذلكَ على رَفْعِهِ، ثُمَّ وَضَعَهُ رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ في مَكانِهِ.
ويَروي أصحابُ السِّيَرِ والتاريخ خَبَرَ عبد اللهِ بنِ الزُّبَيرِ رضيَ اللهُ عنهُ في إعادَةِ بناءِ الكَعْبَةِ على قَواعِدِ إبراهيمَ عليهِ السلامُ، ثمَّ أعادَ بِناءَها الخليفَةُ الأمويُّ عبدُ الملكِ بن مروانَ كَما هي عليهِ الآن.
وبيتُ اللهِ الحرامَ هو الكعبةُ المُشَرَّفَةُ ومحتوياتُها، ومنها: المقامُ مقامُ إبراهيمَ عليهِ السلامُ الذي جاءَ فيه قولُ اللهِ تعالى: (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران:97).
ومَقام إبراهيمَ هو الحجرَ الذي كانَ يقفُ عليهِ حينَ عَلا بالبناءِ عن قامَتِهِ، وكان هذا الحجرُ مُلصَقاً بحائطِ الكعبةِ إلى أيام عمرَ بنِ الخطابِ رضي اللهُ عنهُ فأخَّرَةُ عن البيتِ.
وكانَ رضيَ اللهُ عنهُ هوَ الذي أشارَ على الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أَن يَتَّخِذَ مِنْ مَقامِ إبراهيمَ مصلَّى، فوافَقَهُ القرآنُ الكريمُ، وأنزلَ اللهُ قولَهُ تعالى:( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة :125).
ومن محتوياتِ البيتِ الحرامِ: الحجرُ الأسودُ، ويقعُ في الرُّكْنِ الجنوبيِّ الشرقيِّ من الكعبةِ مُرْتَفِعاً عن الأرضِ 150 سم، ولونُهُ أسودُ ضارِبٌ إلى الحُمْرَةِ، ويحيطُ بهِ إطارٌ منَ الفِضَّةِ، والمسلمونَ يتبرَّكُونَ بلمسهِ أو تقبيلِهِ أو الإشارَةِ إليهِ، اقتداءً بِرًسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.
وأسفلُ جِدارِ الكعبةِ مِمَّا يَلي أرضَ المطافِ عدا جِهَةِ حجر إسماعيلَ بناءٌ مُلْتَصِقٌ بالجدارِ يعتبرُ من قواعِد إبراهيمَ يُسَمَّى الشَّاذَرَوانَ.
أمَّا ما بينَ رُكنِ الحجرِ الأسودِ وبابِ الكعبةِ، أو مابينَ الملْتَزم وبابِ الكعبةِ فَيُقالُ لَهُ الحطيمُ وسُمِّيَ بذلكَ كَما رُوِيَ لأنَّ أهلَ الجاهليةِ كانوا يطرحونَ فيهِ ثيابَهُم التي طافوا بها.
وأما بابُ الكعبةِ الذي يرتفعُ مترانِ عن الأرضِ فإنَّهُ يقعُ في الجهةِ الشرقيَّةِ من الكعبةِ بينَ المتلزَمِ والحجرِ الأسود، كما أنَّ الجزءَ المحصورَ بينَ رُكْنِ الحجر وبابِ الكعبةِ والذي يلتزمُهُ الطائِفُ للدُّعاءِ والتوسُّلِ هو ما يُسمَّى بالملتزمِ.
وإذا صَعَّدَ الناظِرُ ببصرِهِ في جهةِ الكعبةِ الشماليَّةِ فإنَّهُ سيَرَى مَصَبَّ المطرِ، وهو ميزابٌ مكسوٌّ من داخلِهِ وخارجِهِ بصفائِحِ الذهبِ، ويصبُّ في حجرِ إسماعيل الذي يُرَى على شَكْلِ نصفِ دائرةٍ، ويعتبَرُ جُزْءاً من الكعبةِ بحيثُ يكونُ الطوافُ خارجَهُ.
ويوجَدُ في الحَرَمِ بئرُ زممَ الذي يرجعُ تاريخُها إلى حين قَدِمَ إبراهيمُ عليه السلامُ من الشامِ إلى مكَّةَ، وتركَ ابنَهُ إسماعيلَ وزوجَهُ هاجَرَ وقد نَفَدَ الماءُ، فجعلتْ أُمُّ الوليدِ إسماعيل تَسعى بينَ الصفا والمروةِ، حتَّى بلغَ سعيها سبعةَ أشواطٍ ذاهِبَةً آيبَةً.
وعادَتْ لهفَى على وليدِها فإذا بالماءِ ينبعُ حولَهُ، فحَوَّطَتْهُ بما استطاعَتْ وزمَّتْهُ أي قالت: زُمّ زُمّ، فسُمِّيَ البِئْرُ زَمْزَمَ، وإلى الآن يشربُ الطائِفونَ ماءَهُ تَبَرُّكاً، ويسنَّ أن يتضلع الشارِبَ من مائِه «أيْ يَشربَ حتى يرتوي».
وأرضُ الكعبة من باطِنها مفروشَةٌ بالرُّخامِ وجدرانُها مُؤزَّرَةٌ (مُغطّاةٌ) بالرُّخامِ أيضاً، وعليها سَتائرُ مُزَخْرَفَةٌ ومُحَلاَّةٌ بالنقوشِ ومُطَرَّزَةٌ بخيوطِ الذَّهَبِ، ومكتوبٌ عليها بعضُ الآياتِ القرآنيةِ الكريمةِ.
والحديثُ عن كسوةِ الكعبةِ بالشعائِرِ شيِّقٌ مُحَبَّبٌ إلى النفوسِ، فلقدْ كانَتْ في بادئِ الأمرِ أنْطاعاً من أَدَمِ (أي قطعاً من الجلد) وجِدَةً وبروداً يمنيَّةً (أنواعاً من النسيج).
تُصْبَغُ وذُكِرَ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كَساها الثيابَ اليمنيةَ، وأنَّهُ لما قَدِمَ مَكَّةَ فاتِحاً مُنْتَصِراً عَمَدَ إلى الكعبةِ المشرَّفَةِ فأزالَ منها الأصنامَ، وطَهَّرَها من أرجاسِ الجاهليةِ.
ولَمْ يقُمْ بتغيير الكسوةِ التي كانت تُغَطيها، ويُقالٌ إنَّ امرأةً كانَتْ تَقومُ بتبخيرِها فتَطايَرَتْ جمرةٌ أحرقَتْ كٌسوَتَها، فَاعادَ الرَّسولُ صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ كُسوَتَها بِقماشٍ يَمانِيٍّ، وسارَ خُلفاؤُهُ الراشِدونَ على سُنَّتِهِ فَكَسوها كُلَّ عامٍ.
وعَبْرَ الأزمانِ اهتمَّ الخُلَفاءُ والأُمَراءُ المسلمونَ اهتماماً عَظيماً بكُسوَةِ الكعبةِ وتغييرها كُلَّ عامٍ في احتفالٍ مهيبٍ، وكانتْ هذهِ الكسوَةُ إلى عهدٍ قريبٍ تُصْنَعُ في مصرَ بدارٍ فسيحَةٍ في حَيِّ الخُرنفشِ بالقاهرةِ.
وكانت تَتَأَلَّفُ من ثماني سَتائِرَ من الحريرِ الأسوَدِ، ويُكْتَبُ عليها نُقوشٌ، وكَلِمَةُ لا إلَهَ إلاَّ اللهُ مُحَمَّدٌ رَسولُ اللهِ، وبعضُ الآياتِ القرآنيةِ، وتُحْمَلُ إلى مَكَّةَ في احتفالٍ مَهيبٍ يُسَمَّى المَحْمَلُ.
وفي العَهدِ السعوديِّ من لَدُنْ جلالَةِ الملكِ عبدالعزيز رحمهُ اللهُ الَّذي أَمَرَ بإنشاءِ دارٍ خاصَّةٍ لعملِ كُسوةِ الكعبةِ، وتمَّ إنتاجُ أَوَّلِ كُسوةٍ عامَ 1357هـ.
وبأمرٍ آخرَ من جلالَةِ الملكِ فيصل تَمَ افتتاحُ مَبنىً جديدٍ عامَ 1397هـ بأمِّ الجودِ جُهِّزَ بماكيناتٍ حَديثَةٍ تَقومُ بإعدادِ النسيجِ ثمَّ يتولَّى أسلوبَ الإنتاجَ اليدويَّ بالزَّخارِفِ والنُّقوشِ والتَّطريزِ والكِتابَةِ بِما يَتَجَلَّى من قيمةٍ فَنِّيةٍ عاليةٍ فنيونَ مُخْتَصّونَ، وما زالَ هذا المصنع يواكِبُ عَجَلَةَ التَّطَوُّرِ ويلتزمُ بإحياءِ التراثِ العريقِ في أَبهى صورَةٍ، وتبلغُ التكلفةُ الإجماليَّةُ للكسوةِ الواحدَةِ حَوالَي سبعةَ عشرَ مليونَ ريالٍ سعوديٍّ تقريباً.
وفي أوَّلِ شهرِ ذي الحجَّةِ من كُلِّ عامٍ هجريٍّ يتمُّ غَسْلُ الكعبةِ في احتفالٍ مَشهودٍ يحضرُهُ العاهِلُ السعوديُّ وأفرادُ الأسْرَةِ المالِكَةِ ويُدْعَى لَهُ الوُزراءُ والقضاةُ ورُؤساءُ البعثاتِ الإسلاميَّةِ ثُمَّ تُوضَعُ الكسوةُ الجديدَةُ علَى الكعبةِ الشريفةِ في يومِ الثامنِ من ذي الحجَّةِ مِنْ كُلِّ عامٍ.
ويُرْوَى أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ غَسَلَ الكعبةَ الشريفةَ يومَ فتحِ مكَّةَ، ثُمَّ صارَتْ عادَةً مُتَّبَعَةً، وكانَتْ تُغْسَلُ بعد ذلكَ مرَّتانِ إحداهُما قَبْلَ الحَجِّ، والأُخْرَى بَعْدَ سفرِ الحُجّاجِ.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]