إسلاميات

نبذة تعريفية عن الصحابي “الزُّبَيْرُ بنُ العوّام”

1999 موسوعة الكويت العلمية الجزء العاشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الصحابي الزبير بن العوام إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة

الزُّبَيْرُ بنُ العوّام قُرشيٌّ من بني أسدٍ. أمُهُ صفيةُ بنتُ عبد المطّلب، عمَّةٌ رسول اللهِ، صلّى الله عليه وسلّم.

وهو من مشاهيرِ الصحابة، فهوَ من أصحابِ الهجرتين: هجرةِ الحبشة، وهجرةِ المدينة. وهو واحدٌ من العشرة المشهودِ لهم بالجنَّةِ.

كان هو، وعليّ بنُ أبي طالبٍ، وطلحةُ بنُ عبيد اللهِ، وسعدُ بن أبي وقّاصٍ أتراباً، وُلِدوا في عامٍ واحد. نشأَ يتمياً، وكَفَلَهُ أحدُ أعمامه.

وكانتْ أُمُّهُ تُربِّيهُ على أخلاقِ القوّةِ والجدِّ، وتأخذهُ بالشدَّة، وتقول:

إنّما أضــربُهُ لِكَيْ يَـــدِبّ                  

                                             ويهزمَ الجيشَ ويأتي بالسَّلَب

 

أسلمَ الزُّبيرُ صغيراً على يد أبي بكرٍ الصدّيق، وكانت سنُّهُ حين اسلم حوالي 12 سنةً. وكانَ عمُهُ يعلِّقهُ ويُشعلُ حصيراً تحتهُ ويدخِّنُ عليه حتى يكادُ الدخانُ يخنقُهُ.

والزبيرُ يقول: والله لا أرجعُ إلى الكفر ابداً. وتزوّج وهو بمكّة أسماءَ بنتَ أبي بكرٍ، وولدتْ لهُ ابنهُ عبداللهِ بعد الهجرة إلى المدينة.

ومنذُ أسلم الزبيرُ برزتْ شخصيّتُهُ، وظلَّ مُؤثِّراً في الأحداث إلى أن لقيَ ربّهُ شهيداً رضي اللهُ عنه.

 

فهوَ لَمْ يتخلّفْ عن غزوةٍ غَزاها رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، قطُّ، ولم يتوقف عن الجهادِ بعد انتقالِ الرسولِ، صلى الله عليه وسلم، إلى الرفيقِ الأعلى.

 وكانَ من أركانِ الدولةِ في المدينةِ، يؤخذُ رايُهُ في المشكلاتِ الكُبرى. وكانَ من بينِ الستَةِ الذين رشَّحهم عمرُ بن الخطابِ بعدهُ للخلافةِ.

وفي خلافةِ عثمانَ، تعرَّضَ عثمانُ، رضيَ الله عنهُ، لمرضٍ شديدِ خافَ الناسُ أن يموتَ فيهِ، فرشَّحَ بعضُهم الزبيرَ للخلافة، فلما بلغَ عثمانَ ذلك قال: «أما والذي نفسي بيدِهِ إنْ كان لأخيرَهُم ما علمتُ، وأحبَّهُم إلى رسولِ الله، صلى الله عليه وسلم».

 

وبعدَ مقْتلِ عثمانَ، كان الزبيرُ فيمن انضمَّ إلى المعسكر الذي يطالِبُ أميرَ المؤمنينَ، عليَّ بن أبي طالبٍ، بالقبضِ على قَتَلةِ عثمانَ وعقوبتِهم.

وفي المعركةِ التي عُرفت «بيوم الجمَلَ» ناداهُ علي، وحاوَرَهُ، وأقنعهُ بأنَّ قِتالَهُ علياً ظُلمٌ. وذكَّرهُ بحديثٍ للرَّسولِ، صلّى الله عليه وسلّم، في ذلك، فانصرفَ الزبيرُ عن القتالِ.

وتآمَرَ عليهِ ثَلاثَةُ رِجالٍ: عُميرُ بنُ جُرموز، وفضالةُ بن حابس، وثالثٌ اسمهُ نُفَيعٌ. أتاهُ ابن جُرموز من خلفهِ فطعنهُ طعنةً خفيفةً، فحملَ عليه الزبيرُ، فلمّا استيقنَ ابنُ جرموز أنّ الزبيرَ سيقتلُهُ نادى: يا فَضالةُ، يا نُفيعُ، فاجتمع عليه الثلاثةُ حتى قتلوهُ بمكانٍ اسمهُ «وادِ السِّباعِ» على بُعدِ 7 أميالٍ من البصرةِ، وكان ذلك سنة 36هـ.

 

وفي دواوينِ السُنّةِ، وكُتُبِ تراجمِ الصحابَةِ وفضائِلهمْ كثيرٌ من مناقِبِ الزبيرِ بن العوَّامِ وفضائِلِه، نذكرُ منها:

1- من بلائه في الجهاد:

في غزوةِ بدرٍ لم يكنْ في المسلمينَ غيرُ فارسينِ، أحدهُما الزبيرُ، كان على فرسٍ له على المَيْمَنةِ. وقد كانت عليه عِمامةٌ صفراءُ، فلمَا أنزل اللهُ الملائكة لتثبيتِ المؤمنين أخبرَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم، أن الملائكةَ نزلت مُعمّمَةً على هيئة الزبير.

وفي ذلك اليوم قَتَل الزبيرُ عبيدةَ بنَ سعيدٍ بن العاص، وكان من فُرسان قريش، وكان مُدجّجاً بالسلاحِ لا يُرى إلا عيناهُ. قالَ الزبيرُ: «فحملتُ عليه (هَجَمتُ) فطعنتُهُ في عينهِ فماتَ». ثمّ نزع حربتهُ التي طعنهُ بها بجهدٍ شديدٍ، فخرجت قد انثنى طرفها (وهذا لقوّةِ الطّعنةِ).

فاحتفظَ رسولُ الله بتلك الحربةِ، ثم كانت عندَ أبي بكرٍ، ثم عندَ عمر،َ ثم عند عثمانَ، ثم عندَ عليِّ؛ ثمَ طلبها عبدالله بن الزبير من آل عليِّ، فكانت عندهُ حتى قُتل.

 

ولما انصرفَ المشركونَ من أحُدٍ، وأصابَ المسلمين ما أصابهم، خاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يرجعوا، فقال: من يَنْتِدِبُ (يتطوَّعُ) لهؤلاء في آثارهم حتّى يعلمُوا أنَّ بنا قُوةَّ؟

فانتدبَ أبو بكرٍ والزبيرُ في سبعينَ، فخرجوا في آثار المشركين، فسمعُوا بهم فانصرفوا، فذلك قولُ اللهِ عزَّ وجل قال تعالى(الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) آل عمران (172).

وفي يوم الخندق قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، من يأتينا بخبر قُرَيْظَةَ؟ فقال الزبيرُ: أنا، فذهبَ على فرسٍ فجاء بخربهِم. وتكرّرَ ذلك ثلاثَ مرّاتٍ.

 

وفي ذلكَ اليومِ ضرب الزبيرُ فارساً قُرشيّاً بالسيف على مِغْفَرِهِ (خوذةٌ منسوجةٌ من الحديد) فقدّهُ نصفين، فقالوا: ما أجْوَد سيفَكَ! فغضبَ. يعني أن العملَ ليدهِ وخبرتِهِ وليسَ للسَّيفِ.

وفي فتح مكَّةَ كان الزبيرُ على المَجْنَبَةِ اليُسرى، وأمرهُ الرّسولُ أن يدخلَ مكة من «كُدَى».

وفي يوم اليمامةِ (المعركةِ مع مُسيلمةَ الكذّابِ وقومِهِ) قالَ بعضُ الصحابةِ للزُّبَيْرِ: اهجمْ ونهجمْ معكَ، فحذَّرهمْ أنّهمْ لن يصدقوا معهُ الهجمة.

 

ثمّ حملَ، رضي الله عنهُ، حتّى شقَّ الصفوفُ فجاوزَ الأعداءُ وما معهُ أحدٌ، فأخذوا بلجامِهِ فضربوهُ ضربتين بينهما ضربةٌ أصابته يوم بدر. قال عُروةُ (حفيدُ الزبيرِ): كنتُ أُدخلُ يدي في تِلك الضرباتِ ألعبُ وأنا صغيرٌ.

وقالَ مَنْ رأى الزبيرَ: كانَ في جسدِهِ أمثالُ العيونِ من الطعنِ والرَّميِ.

وخرجَ غازِياً نحوَ مصرَ، فكتب له أميرها: إنّ الأرضَ قد وقع بها الطاعونُ فلا تدخلها، فقال: إنّما خرجت للطّعن والطاعون، فدخلها، فاصيبَ بالطاعون في جبْهتِهِ وشُفيَ.

 

2- كفاحُهُ للعيش الكريم:

كان الزبيرُ مشتغلاً بالزراعة والتجارةِ. وفي المدينة كانتْ لهُ أرضٌ يزرعها، ووقفتْ بجانبه في كفاحهِ ذلك زوجتهُ أسماءُ بنتُ أبي بكر.

كذلك كان تاجراً مُوفَقاً في تجارتهِ، وقد سُئلَ: بم أدركت في التجارة ما أدركت؟ فقالَ: لأنّي لم أشترِ غَبناً (لم أخدع أحداً اشتريتُ منهُ)، ولم أردّ ربحاً، واللهُ يباركُ لمن يشاءُ.

ولما قُتلَ أمير المؤمنين عمرُ بن الخطّاب، محا الزبيرُ اسمه من الديوانِ أي أنه لم يَعُدْ يأخذ حقّه من مالِ الدولة.

 

3- سماحتهُ وكرمهُ:

اشتهر الزبيرُ بين الصحابةِ برعايتِهِ الحسنة لليتامى الذين يوصي بهم أولياؤهم إليه، وقد أوصى إليه سبعةٌ من الصحابة، منهم عثمانُ بن عفّانَ، وعبداللهِ بن مسعود، وعبدالرحمن بنُ عوف. فكان يُنفق على اليتامى من ماله الخاص، ويحفظ لهم أموالهم، ويكتُبُها دُيوناً عليه.

وقد كان للزبير – فيما رَوى المؤرخونَ – ألفُ عبدٍ يديرونَ زراعتهُ وتجارته، ويؤدّون إليه الغلاّتِ والأرباح، فيتصدّقُ بكلِّ ذلك.

وللسَّبب المذكورِ كَثُرَتْ ديون الزبير (وهي ليست ديوناً على الحقيقة) ووصّى عبداللهِ أكبر أولاده بأنْ يبيعَ أرضاً تُسمّى «الغابة» وقال له: إن لم يكفِ ثمنها لأداء الدين فاستعن بمولى الزبير.

قال عبدالله: يا أبَه مِنْ مَولاكَ؟ قال: الله. يقول عبدالله: فواللهِ ما وقعتُ في كربةٍ من دينه إلاَّ قلتُ: يا مولى الزبير اقض عنهُ دينهُ، فيقضيه. وبيعت الغابةُ بمالٍ غطّى ديونهُ وبقي لورثته مالٌ كثير.

 

4- خوفه من الخطأ في الحديث النبويِّ:

لاحظ الناس أن الزبيرَ قليلُ الرواية عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسألوهُ عن السّببِ، فذكرَ صحبتهُ الطويلةَ للرّسول، وقرابتهُ منهُ، ثم قال: ولكنّي سمعتُهُ يقول: «مَنْ قال عليَّ ما لم اقُلْ فَلْيَتَبَوَأْ مقعده من النار» فمنعتهُ هذه الخشية من رواية الحديث عن النبيِّ.

 

5- خضوعه للحقِّ:

مر بنا أنّ الزبير ترك القتال يوم الجمل لمّا ذكَّرهُ عليٌّ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وسألهُ رجلٌ عندما خرجوا يومَ الجمل: ما جاءَ بكم! ضيّعتم الخليفة حتى قُتِلَ، ثم جِئتُمْ تطالبون بدمِهِ! فقالَ: إنا قرأنا على عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ قال تعالى(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) الأنفقال(25)، لم نكن نحسبُ أنّا أهلُها حتى وقعت منا حيث وقعت.

 

ومن صفاته الخِلْقيّة:

كانَ رجلاً طويلاً، وكان غزيرَ الشعر عامّةً، إلا أنه خفيف اللّحيةِ والعارضين.

وفي ديوانِ حسان بن ثابتٍ شاعر الرّسولِ، قصيدةٌ قويةٌ مدح فيها الزبير بن العوّام، منها:

أقامَ على عهد النبيِّ وهُدِيهِ

                                        حواريُّه، والقول بالفعل يُعْدَلُ

له من رسول الله قُربى قريبةٌ

                                        ومن نُصْرَةِ الإسلام مجدٌ مؤثَّلُ

فكمْ كُربةٍ ذَبَّ الزبيرُ بسيفِهِ

                                       عن المصطفى، والله يعطي ويُجْزلُ

إذا أحببتَ أن تقفَ على بقية  القصيدة فراجعْ ديوان حسّان، طبعة دار صادر، بيروت ص199-200.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى