نبذة تعريفية عن المرصد الفلكي
2003 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الخامس عشر
عبد الرحمن أحمد الأحمد
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
المرصد مكان مراقبة الأجرام السماوية والزلازل الأرضية. ويتم ذلك باستخدام أجهزة تجميع الضوء وسائر أنواع الأشعة المنبعثة من الأجرام السماوية، بهدف دراسة مكوناتها ومعرفة صفاتها وخواصها، وأنواع الطاقات بها.
كذلك تستخدم أجهزة جيولوجية لدراسة باطن الأرض وديناميكية قشرتها بهدف استقراء التغيرات المحتملة، والأحداث المرتقبة من زلازل وبراكين وغير ذلك.
والمراصد إما بصرية تستخدم الضوء المرئي وإما راديوية تستخدم الأشعة ذات الموجات الراديوية.
وأنسب المواقع لتشييد المراصد البصرية هي التلال المرتفعة أو الجبال العالية حتى تكون بعيدة عن الأنشطة المدنية وتلافيا للتلوث الضوئي الناتج عن تشتت الأضواء وانعكاساتها في سماء المدن، وبعيدا عن الملوثات الجوية التي تثيرها المدن فتعكر صفاء السماء عادة.
ويشترط أن تكون سماء موقع المرصد معتمة خالية من الأتربة، قليلة السحاب، ذات هواء جاف مستقر، حتى لا تؤثر تحركاته الدوامية على صور النجوم. كما يشترط ألا تحجب المباني العالية أو الجبال القريبة أو غيرها شيئا من أفق موقع المرصد.
وتعد الوديان أنسب مواقع إقامة المراصد الراديوية، وذلك للحماية من تداخل الموجات الناتجة عن الصناعات والمنشآت المدنية القريبة على موجات الراديو الصادرة من الأجرام السماوية.
ولقد شهدت شواطئ نهر النيل بدايات إقامة المراصد حيث تمكن المصريون القدماء من دراسة مواقع الأجرام السماوية واستخدموا المسلات لتعيين الزمن نهارا، والساعات المائية لتعيين الزمن ليلا.
كما قاموا بتصميم وتصنيع مزاول شمسية دقيقة، إضافة إلى ساعات خشبية لعلها أول الأجهزة الفلكية في أول مرصد في التاريخ. ويعتقد بعض كبار الأثريين أن هرم خوفو هو في حقيقة الأمر مرصد فلكي لا مثيل له.
ولقد ضمت مدينة الإسكندرية مرصدا كان قبلة العلماء، فازدهرت العلوم الفلكية في مدرسة الإسكندرية خمسة قرون متصلة قيست فيها مواقع نجوم عديدة، إضافة إلى قياس قطر الأرض، كما تحقق عديد من المنجزات الفلكية الأخرى
أما مراصد بابل وآشور فلم يكن بها سوى مزاول شمسية كانت تصنع بطرق دقيقة لقياس الزمن، وكانوا يرقبون الكواكب باهتمام شديد نظرا لأنهم كانوا يعبدونها.
ولقد تسبب ذلك في خلط علم الفلك بالتنجيم لاعتقادهم الخاطئ في تأثير تحركات الآلهة (الكواكب) في مقادير البشر.
ولقد استخدم الإغريق قياسات المراصد المصرية في التوصل إلى تقدير ميل مدار الأرض، وللتفريق بين الكواكب السيارة والنجوم.
وأقام الفلكي الإغريقي «هيباركس» مرصدا في جزيرة رودس استخدمت أجهزته في رصد مواقع كثير من الأجرام السماوية، فتمكن من التوصل إلى أن امتداد محور دوران الأرض يدور حول نقطة ثابتة في السماء بمعدل مرة كل 26 ألف سنة، وهو ما يسمى بالترنح.
ولقد شيد العرب مراصد عديدة، أهمها مرصد دمشق ومرصد بغداد، في عام 829م نظرا لإدراكهم أهمية العلوم الفلكية خاصة ما يرتبط منها بالفرائض الشرعية. وكان في كل مرصد أجهزة أكبر حجما، وأدق صناعة، وأفضل تصميما مما كان يستخدمه اليونانيون.
وجهزت المراصد العربية بأنواع من الأسطرلاب، والساعات الشمسية، والمائية، وبيت الإبرة (البوصلة)، والبندول الذي اكتشفه ابن يونس المصري واستخدمه في الساعات قبل جاليليو بنحو 600 عام.
وقد أقام ابن يونس مرصدا على جبل المقطم بالقرب من القاهرة.
أما مرصد جاليليو فقد أقيم في عام 1609 ووضع فيه منظار جاليليو الذي تستخدم فيه العدسات.
وقد تمكن نيوتن في عام 1671 من إقامة مرصد جهزه بمنظاره العاكس الذي صممه على أساس استخدام المرايا لتلافي بعض عيوب استخدام العدسات في تجميع مختلف ألوان الطيف.
ومن المعروف أن الأجهزة الأساسية في المراصد البصرية هي المناظير التي تعمل على استقبال الضوء الساقط على عدسة أو مرآة مساحتها كبيرة نسبيا، ثم يركز في مساحة صغيرة، فيمكن تصوير مصدر الضوء ودراسة تفاصيله.
وكلما زادت مساحة استقبال الضوء وكفاءة المرايا والعدسات أمكن الحصول على صور أفضل وأكثر دقة. ولذلك تتميز تجهيزات المراصد عن بعضها البعض بمقدار قطر المرآة الرئيسية في المنظار.
ونظرا للتحقق من أفضلية تجهيز المراصد بالمناظير العاكسة (التي تستخدم المرايا) قد توقف إنشاء المناظير الكاسرة (التي تستخدم العدسات).
وكان آخرها ما جهز به مرصد «يركس» الموجود في «وسكنسن» في القرن التاسع عشر.
ومن المراصد المهمة مرصد أيرلندا الذي شيده أحد النبلاء عام 1845 وجهزه بأكبر منظار آنذاك، حيث بلغ قطر مرآته 183 سنتيمترا، كما أقام «وليام هرشل» (1738 – 1822) مرصدا كبيرا مكنه من اكتشاف كوكب يورانوس.
ولقد أقيم حديثأ في كاليفورنيا مرصدان كبيران، أحدهما على جبل «بالومار»، وقد جهز بمنظار هائل بلغ قطر مرآته 508 سنتيمترا، والآخر مرصد «ليك» وهو مجهز بمنظار 305 سنتيمترات.
كذلك شيدت روسيا في عام 1972 مرصدا في «كريما» جهز بمنظار قطر مرآته 594 سنتيمترا، ويعد من أكبر المراصد العالمية.
لقد استمر الاتجاه نحو زيادة أقطار مرايا المناظير حتى اتضح أن تكاليف إقامة مرصد مجهز بمنظار 400 بوصة تعادل تكاليف إقامة خمسة مراصد يجهز كل منها بمنظار 200 بوصة، ويمكن لمرصدين منها فقط عند مزج أرصادهما أن يتوصلا لنفس دقة المنظار الكبير.
ولذلك توصل المراصد الحديثة المجهزة بمناظير متوسطة بعضها ببعض، ثم يجري التكامل اللازم لأرصادها معا.
ولقد أمكن إنشاء أكبر مرصد في الفضاء، وهو التليسكوب «هابل» ومشتملاته، وذلك لتلافي التأثيرات السلبية للغلاف الجوي الأرضي على أضواء النجوم والمجرات البعيدة.
ويمكن لهذا المرصد أن يظهر الجبال القائمة على سطح كوكب المريخ وكأنها لا تبعد عن أنظارنا سوى ثلاثين كيلومتر فقط.
والمراصد الراديوية، وهي مراصد تجهز بمناظير راديوية، تتكون من طبق كبير يشبه هوائيات جهاز الرادار، كما يمكن استخدام عدة أطباق لزيادة مساحة المستقبلات للموجات الراديوية الصادرة من الأجرام السماوية.
وتتصل بها تجهيزات معينة لكشف الموجات وتحليلها وتسجيلها كما توجه البيانات لأجهزة كمبيوتر عملاقة لاستخلاص النتائج منها.
ونظرا لضعف الانبعاث الراديوي من الأجرام السماوية، تجهز المراصد الراديوية بأطباق كبيرة. ومن أمثلة ذلك المرصد الراديوي المقام في «بورتريكو»، وهو مجهز بطبق هوائي يبلغ قطره 305 أمتار.
ولزيادة حساسية المناظير الراديوية تستخدم عدة أطباق تضم إشاراتها إلى بعضها البعض للحصول على طاقة أكبر، وأيضا للتغلب على الضجيج الكهربي الذي يتولد عادة داخل أجهزة الاستقبال.
ومن أهم المراصد الراديوية مرصد «جرين بانك» في «فرجينيا الغربية»، رغم أن قطره نحو 42 مترا فقط وكذلك مرصد «لينكولن» في «ماساشوستس» الذي يبلغ قطره 36 مترا فقط.
وتأتي هذه الأهمية بسبب استطاعة كل مرصد منهما استخدام موجات قصيرة نسبيا تصل إلى بضعة سنتيمترات، حيث يتميز كل منهما بسطح بالغ الملاسة.
أما أكبر المراصد الراديوية فقد أنشئ في «كانبيرا» بأستراليا ويتكون من صفين متعامدين من الهوائيات الضخمة يمتد أحدهما من الشمال إلى الجنوب، والآخر من الشرق إلى الغرب،وطول كل صف منهما ميل كامل (نحو 6,1 كيلومتر).
وبالضم الصحيح للإشارات التي تستقبل من الهوائيات يمكن الحصول على قوة تماثل ما يمكن استقباله باستخدام طبق قطره ميل، كما يمكن توجيه الهوائيات إلكترونيا نحو أية منطقة في السماء.
ولقد تمكنت المراصد الراديوية من تحديد كثير من مناطق الانبعاث الراديوي المركبة في نواة مجرة درب التبانة (الطريق اللبني)، وأوضحت لأول مرة طريقة تحرك المواد قرب مركز المجرة.
كذلك حققت المراصد الراديوية إنجازات واسعة في دراسات كتل الغاز الساخنة قرب النجوم، ودراسة الانفجارات الراديوية في الشمس، والحصول على أدلة مادية توضح التاريخ المبكر للكون.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]