نبذة عن حياة الشاعر الأندلسي “ابنُ زَيْدون”
1987 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الأول
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
الشاعر ابن زيدون الأندلسي شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة
ابنُ زيدون شاعرٌ أندلسـي رقيقٌ وناثرٌ مُبْدِعٌ، اسمه: ابو الوَليد أحمدُ بنُ عبد الله بنُ أحمد بن غالب بنُ زيدون المَخْزُومي، وبنو مخزوم تنتسب إلى قريشٍ، فابنُ زيدون عربيٌ أصيل.
وُلد ابنُ زيدون في قرطبة، وكان أبوه عالماً فقيهاً اهتم بتأديب ابنِه وتثقيفِه لَمَّا رأى علامات النبوغِ ظاهرةً عليه.
ولكنْ عندما كان ابنُ زيدون في الحادية عشرة تُوفي أبوه، فكفله جَدُّهُ لأمه، وكان قاضياً حازماً ومن رجالِ الحُكْم، فاهتمَّ بتربيةِ حفيده.
وهكذا نشأ ابنُ زيدون عالماً مثقفا، وجيهاً ميسورَ الحال، جميلاً رفيعَ الخُلُق، واشتهر بالظَّرْف واللُّطف.
وأَثَّر في حياته التالية أمران: علاقتُه بالشاعرة الأديبة ولّادة بنت المُسْتَكفي واشتغالُه بالسياسة. وظهر أثرُ هذا كُلِّه في شعر ابن زيدون ونثره.
كانت ولَادة بارعةَ الجمال، من أسرةٍ عريقة، فأبوها الخيفةُ المستكفي بالله وجَدُّها الخليفةُ الأموي الكبير عبدُ الرحمن الناصر.
وكانت ولّادة تقيم في بيتها نَدَواتٍ يَقْصِدُها العلماءُ والأدباءُ والشعراء، وتشترك هي في دراساتِهم ومناقشاتِهم وتباريهم في الشعر والأدب.
وقد أعجب ابنُ زيدونٍ بولّادة، وأُعْجبت ولادةُ بابن زيدون، وقال ابنُ زيدون في ولّادة شعراً جميلاً كثيراً، مثل البيت الآتي:
وَدَّعَ الصبرَ مُحِبٌّ وَدَّعَكْ
ذَائِعٌ مِنْ سِرِّهِ ما اسْتَودَعَكْ
وفيه يقول ابنُ زيدون إن الذي يُوَدِّع ولّادَة يودّع الصبر، ومن يحبّ ولّادة لا يستطيع أن يُخْفِيَ حبه. وإليك أيضا البيتَ التالي من القصيدة نفسِها:
يا أَخا البدرِ سَنَاءً وَسَنَىً
حَفِظَ اللهُ زماناً أطْلَعَكْ
والسناءُ هو الرفعة، والسنى هو النور، ولاحظْ الوزنَ الموسيقي الجميل لهذا الشعر، وأن ابنَ زيدون يخاطب ولّادة بالمذكَّر كعادةِ كثيرٍ من الشعراءِ العرب.
كان ابن زيدون مقرباً إلى حاكم قرطبةَ الجديد، أبي الحزم بن جَهْوَرْ، الذي اتخذه وزيراً وسفيراً له، فَكَثُرَ حُسَّادُ ابن زيدون.
وحدثَ أيضاً سوءُ تفاهم بين ولّادة وابن زيدون، فانقطع الوُدَّ بينهما. وانتهز الوزيرُ ابنُ عَبْدوس، الذي كان منافساً خطيراً لابن زيدون، الفرصةَ فتقرَّب إلى ولَّادة.
وزادَ الأمرُ سُوءاً إذْ دَسَّ الحاسدون لابنِ زيدون ودبَّروا له مكيدةً فَحُكِمَ عليه بالسَّجْن. وهكذا وجد ابنُ زيدون نفسَه وقد خَسِرَ ولَّادة والوزارة وحريتَه، ففر من السجن إلى أشبيلية.
ورحب أميرُ أشبيلية، المعتضدُ بنُ عباد، بابِن زيدون وقَرّبَه، وابتسمتْ الحياةُ مرةً أخرى لابن زيدون، ولكنّه لم يَنْسَ ولّادة، فكتب لها قصيدةً رائعةً، أولُها:
أَضْحَى التَنَائِي بديلاً عن تَدَانِينا
ونابَ عن طيبِ لُقْيَانَا تَجَافِينَا
(والتَنائي هو البُعد، والتداني هو القُرب).
ولم يُطِقْ ابنُ زيدون صبراً على بُعْدِه عن قرطبةَ، فعادَ إليها وأقام مُسْتَخْفِياً في إحدى ضواحيها، يكتبُ نثراً جيداً وشعراً جميلاً.
وكان ابنُ زيدون صديقاً لأبي الوليد وهو ابن أبي الحزم، حاكِم قرطبة، فكتب إليه يرجوه أن يشفَع له عندَ أبيه. وأخيراً عفا أبو الحزم عن ابن زيدون فظهرَ مِن مَخْبَئه. ولما مات أبو الحزم تولَّى أبو الوليد الحُكْم، فقرَّب إليه صديقَه ابنَ زيدون، الذي عاد إليه السَعْدُ مرةً أخرى.
وحاول ابن زيدون أن يتقرَّب إلى ولّادة ولكنه فشل في ذلك، ومع ذلك لم يَنْسَها إلى نهاية عمره.
ولكنَّ دسائسَ الحاسدين عادتْ تحيط بابن زيدون فَهَجَر قرطبة. ثم انتهى به المَطَاف إلى أشبيلية، فعاد أميرُها المعتضدُ بن عباد إلى تقريبه حتى جَعله رئيساً لوزرائه وصار شيخاً لشعرائه.
واستمرتْ منزلةُ ابن زيدون الرفيعة عند المعتمد بن عباد الذي خَلف أباه المعتضد بعد وفاته. وقد استطاع المعتمد أن يفتح قرطبة، فعاد إليها ابن زيدون ليعيش بين أهله وعشريته.
وقامت ثورةٌ في أشبيلية فقرَّر المعتمد أن يرسلَ إليها جيشاً لإخماد الثورة وانتهز حاسدو ابن زيدون الفرصة، فأشاروا على الأمير أن يرسلَ ابنَ زيدون مع الجيش ليستفيدوا من خِبْرَتِه. فخضَع ابنُ زيدون للأمر رَغْم كِبَرِ سنِّه، ولكنه تَعِب ثم مَرض في أشبيلية، ومات ودفُن فيها بعيداً عن قرطبة الحبيبة إلى قلبه.
رحمَ الله ابنَ زيدون. لقد تعب في حياته كثيراً، ولكنه ترك لنا شعراً كثيراً جميلاً يَضُمَّه الآن ديوان كبير. وكثير من شعره كان عن صِلَتِه بولَّادة، في أحوالها المختلفة، وَوَصْفِ الطبيعة الجميلة في الأندلس، وَمدْحِ الأمراء والكبراء الذين صادقَهم واتصل بهم.
ولكن كان لابن زيدون نثرٌ جيدٌ أيضاً فله رسائلُ أشهرها رسالتان: الرسالةُ الهزلية، التي كتبها على لسان ولّادة يسخر فيها من منافسه ابنِ عَبْدُوس، والرسالةُ الجدية، التي كتبها وهو في السجن يستعطف فيها الأميرَ أبا الحزم بن جَهْوَرْ.
ومن أمثلة نثره ما جاء في أول رسالته الهزلية: "أما بعدُ، أيها المصابُ بعقلِه، المُورَّطُ بِجهلِه، البَيِّنُ سَقَطُه، الفاحِشُ غَلَطُه، العاثِرُ في ذيل اغترارِه، الأعمى عن شَمْسِ نهارِه، الساقطُ سقوطَ الذبابِ عَلى الشراب .."
وهو طبعاً يقصد ابنَ عبدوس (والمُوَرَّط: الهالك، والبَينِّ: الظاهر، والسَقَط، الردىء من الأشياء. وقد شبه الغرورَ برداءٍ طويلِ الذيلِ يَتَعَثَّرُ فيه لابسُه فيسقط).
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]