شخصيّات

نبذة عن حياة العالم “ابنُ الهَيْثَم”

1987 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الأول

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

العالم ابن الهيثم شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة

هذا العالِمُ الجليل هو: أبو علي، الحسنُ بنُ الحسن بنُ الهيثم. وُلِد في البصـرة نحو متنصفِ القرن الرابع الهجري، والحضارة الاسلامية في عصرها الذهبي.

عَكَف على دراسةِ علوم عصـره، ولكنّه نبغ في الفلسفةِ والرياضيات والفيزياء والهندسة، وقد اشتغل عندَ بعض حكام البصرة، ولكنه فضَّل الانصرافَ إلى العلم.

وقد ذاعتْ شهرةُ الحسن بن الهيثم في الوطن العربي، وسَمِعَ الحاكم بأمر الله، الذي تولى الحكمَ في مصـر عام 386هـ (996م)، أن ابنَ الهيثم يتمنّى أن يُقيم في مصـر مشروعاً هندسياً ليتحكَّم في مياهِ النيل.

 

وبذلك يحفظ مصـر من أزمات انخفاض مياه النيل في بعض الأعوام ومخاطر ارتفاعها في أعوامٍ أخرى، فدعاه للحضور إلى مصر، واستقبله على مداخل القاهرة، وأكرمه، وكلَّفه بتنفيذ مشروعه.

ذهبَ العالِمُ الشاب إلى جنوب مصـر، مع بَعْثةٍ من المهندسين والعمال، ولما درس طبيعةَ النيل وشواطئَه، اتضحت له صعوبةُ تنفيذ المشروع الذي تخيَّله.

كذلك رأى من عظمةِ الأعمال الهندسية والمائيةِ التي أقامَها المصـريون القدماء هناك، ما أقنعة بأنه لو كان في المستطاع إقامةُ مشروعٍ لنفذَّه أولئك القدماء.

 

وعاد ابنُ الهيثم خجلانَ أسِفاً، واعتذر للحاكم فقبل عذرَه وعَهِد إليه ببعض الأعمال. ولكنَّ ابنَ الهيثم خَشـيّ من تَقَلُّبات الحاكم بين الرضا والسُّخط، فتظاهر بالجنون حيلةً يتخلص بها من العمل مع الحاكم.

فأمر الحاكمُ بأن يمكث ابنُ الهيثم في منزله، ولكنه استمر في رعايته. ونلاحظ أن فكرةَ ابن الهيثم قد تحقَّقت بعد نحو تسعة قرون، في خزَّان أسوان والسَّد العالي، باستخدام تقنيات القرن العشرين.

ولما تُوُفِّي الحاكم بأمر الله (411هـ : 1021م) خرج ابنُ الهيثم من عُزْلته، وأقام بالقرب من الجامع الأزهر، يعيش من أجر نَسْخِهِ للكتب العلمية، ولكنَّه تفرغ لدراساته العلمية ومؤلفاته الرائعة.

وكان يسافرُ أحياناً إلى بغدادَ أو غيرها من المدن العربية، ولكنه يعودُ إلى القاهرة، حيثُ قضى بقية حياتِه حتى تُوُفِّيَ ودفن فيها، وقد تجاوز الخامسَة والسبعين من عمره.

 

وكان ابن الهيثم مِثَالاً للعالِم الحق. زهد المالَ، مع أنه كان يُعرض عليه، لأنه كان يرى أن جَمع المال وإنفاقَه يصرفانِه عن العلم.

وقال ابن الهيثم إنه "يشتهي إيثارَ الحق وطلبَ العلم"، وإنه يجدُ أنهما خيرُ ما في الدنيا، وأفضلُ ما يقربُه إلى الله تعالى. أتقن علومَ الأوائل، ولكنّه لم يكنْ يَقْبَلُ إلاّ ما تثبت صحته عنده، بتفكيره ومشاهدته وتجربته، ولذلك كان ابن الهيثم عالماً مُبْدِعا ً (انظر: إبداع).

ألَّف ابنُ الهيثم أكثرَ من مِئَتىْ مقال ورسالة وكتاب، في الفلسفة والفيزياء والرياضيات والهندسة والطب. وقد فُقد كثيرٌ من هذه الكتب، مع أننا نعرفُ موضوعاتِها وعناوينَها، ولكنْ وصل منها إلينا عددٌ من الكتب المهمة.

 

وأهمُ هذه الكتب مؤلفاتُه في الرياضيات والهندسة والفيزياء، وسوف نذكرُ بعضاً منها لُنظهرَ أهمَّ إنجازاته.

ومن كتبه في الهندسة والرياضيات "كتاب تحليل المسائل الهندسية" و "الأصول الهندسية والعددية"، و "الكتاب الجامع في أصول الحساب".

وقد وضع ابنُ الهيثم عدداً من القوانين الرياضية. وعندما دَرَس عالِم الرياضيات المعاصر، الدكتور علي مصطفى مشـرفة، بعضَ مؤلفات ابن الهيثم الرياضية تأكَّد له أنه "رياضي بَحْتٌ بأدقِ ما يدل عليه الوصفُ من معنى، وأبلغِ ما يصلُ إليه من حدود".

 

أما أعظم مؤلفاتِ ابن الهيثم حقّاً فهو "كتاب المَنَاظر" وعلم المناظر هو الذي نسميه الآن "علم الضوء" أو "علم البصـريات".

وهذا الكتاب هو أعظمُ ما كُتِبَ في موضوعه طيلةَ خمسةَ عشـرَ قرناً، من مؤلفات الإغريق في القرن الثاني الميلادي إلى كشوف عصـر النهضة في القرن السابع عشـر. وقد جعل هذا الكتاب ابنَ الهيثم واحداً من أبرزِ علماء الفيزياء على مر العصور.

كان الرأيُ السائد قبل ابن الهيثم أن العينَ المبصـرةَ هي التي يَصْدُرُ منها الضوءُ ليقعَ على الأجسام التي تبصـرها.

 

وقد أثبت ابنُ الهيثم إن العين ترى الأجسامَ التي ينبعث منها ضوءٌ يصل إلى العين، وهذا هو الرأي الصحيح.

وبيَّن ابنُ الهيثم أن بعضَ الأجسام يتولد من ذاتِها الضوءُ، كالشمس، ومنها ما هو مضـيء لأن الضوء ينعكسُ من سطحه ولا يتولد فيه، كالقمر.

وبرهن العالم العربي أن الضوء يسير في خطوط مستقيمة وهي الطريق الأقصر، وأن انتشار أشعة الضوء يستغرق زماناً، وهو في هذا قد سبق فِرْمَا الفرنسي بنحو ستة قرون. والشـيء العجيب حقاً أن ابنَ الهيثم كان يعتقد أن الضوء يتكون من "جسيمات دقيقة".

واستغل ابن الهيثم عبقريتَه الرياضية في دراسة خصائص الضوء. وبذلك يعتبرُ عالماً فيزيائياً نظرياً وتطبيقياً من الطراز الأول، وأنه واضعُ أسس علم الضوء الحديث. 

 

وكتاب المناظر مؤلَّف ضخم قسَّمه ابن الهيثم إلى سبع "مقالات" أي فصول طويلة. ودرس في المقالات الثلاثِ الأولى انتقالَ الضوء في خطوط مستقيمة، وعملية الإبصار، وهو لذلك درس تشـريحَ العين، وما زِلْنا نستخدمُ الأسماءَ التي وضعها لبعض أجزاء العين حتى اليوم.

ودرس ابنُ الهيثم انعكاسَ الضوء في المقالات الثلاث التالية، ثم درس "انعطافه" أي انكساره في المقالة السابعة.

وقد درس ابنُ الهيثم قوانين انكسار الضوء في العدساتِ واستخدامها في التكبير، فمهَّد بذلك للافادة منها فيما بعد في تصحيح عيوب الإبصار.

كذلك درس مرورَ الضوء من خلال ثَقْب إلى "حجرة مظلمة" وتكوين صور حقيقة للأجسام المضيئة خارجَ الحجرة على جدارها الداخلي.

 

وهذا هو أساسُ ما نعرفه الآن باسم "الخِزانة المظلمة ذات الثقب" التي تطورت إلى آلة التصوير الضوئي (الكاميرا) فيما بعد. وكتب ابنُ الهيثم عن "المرايا الحارقة" التي كان يُسَلِّط المحاربون ضوءَها المتجمعَ على أشرعةِ سفن أعدائهم لتحترق.

ودرس ابنُ الهيثم أيضاً كثيراً من الظواهر الفلكية الضوئية، كَكُسوفِ الشمس، وقوسِ قزح، وكِبَر أحجام النجوم والكواكب الظاهري عند شروقها وغروبها عنه عند تَوَسُّطِها السماءَ.

وفي إحدى مقالات الكتاب مسألةٌ رياضية عويصة حلّها ابنُ الهيثم بمعادلة من الدرجة الرابعة،

وقد اهتمّ بها الرياضيون الأوروبيون، وأطلقوا عليها اسم "مسألة الهازن" (والهازن هو نُطْقُهم لكلمة "الحسن"). كذلك درسها الأستاذ مصطفى نظيف دراسة واسعة في كتابه القيِّم عن ابن الهيثم.

 

وَعَرف قدَر "كتاب المناظر" العالمُ المسلم قطبُ الدين الشيرازي (المتوَفّي عام 711هـ : 1311م) وتلميذُه كمالُ الدين الفارسي (المتوفى 720هـ : 1320م)، الذي ألَّف كتابا مختصـرا للمناظر أسماه "تنقيحُ المناظر لذوي الأبصار والبصائر".

ولكنّ كتابَ المناظر تُرْجِمَ أيضاً إلى اللاّتينية منذ أواخر القرن الثاني عشر، وإلى الايطالية في القرن الرابع عشر الميلادين. 

وظلَّت هذه التراجم هي المصدرَ الرئيسيَّ لعلماءِ أوروبا عِدّةَ قرون – وقد ألف فيتلّو البولندي، نحو عام 1270م، كتاباً في الضوء نقل معظمَه من كتابِ ابن الهيثم. ومن كتاب فيتلو هذا استفادَ العالِم الفلكي الألماني المشهور كيلر، في القرنِ السابعِ عشر.

 

وقد استفاد من ترجمات "كتاب المناظر" أيضاً علماءُ غربيون آخرون، ولكننا نذكر – على الأخص –العالِمَ والفيلسوفَ الإنجليزي الأشهر رُوجَرْ بيكون (المتوفّى عام 1292م)، والذي ألَّف كتاباً فيه فصلٌ عن الضوء، اعتمد فيه على ابن الهيثم.

وكان رُوجر بيكون يقول: "إنَّني أعجبُ مِمَّنْ يريدُ أن يبحثَ في الفلسفة وهو لا يعرف اللغةَ العربية". ويشتهر بيكون بأنه واضعُ الأسلوب العلمي التجريبي الحديث، ولكنْ من الواضح أن هذا الأسلوب العلمي التجريبي يَسْتمِدُّ أصولَه من ابنِ الهيثم الذي سَبَقَه بنحوِ قرنيْن من الزمان.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى